أعمل على توثيق آخر شهود الحضارة المغربية

الباحث والإعلامي عمر أمرير قال إن التحاقه بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حد من أنشطته قال عمر أمرير إن القضية التي تشغله في الفترة الحالية هي توثيق آخر شهود الحضارة المغربية بمعناها الأنثروبولوجي، وهو ما يشتغل عليه ضمن برنامج «حضارة المدن» الذي تبثه قناة الثامنة. واستعاد الباحث والأكاديمي جانبا من بداياته العلمية والأكاديمية كما كشف عن كواليس علاقته بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأسباب انسحابه منه وأشياء أخرى تجدونها في هذا الحوار. أجرى الحوار: عزيز المجدوب < في مسارك تتقاطع مجموعة من الروافد أكاديمية وإعلامية التي انشغلت بها طيلة عقود. ما الذي يشغلك حاليا ويشد اهتمامك؟ < هي قضايا كثيرة، لكنني أحرص دائما على استمرار وتتويج ما سبق، منذ عنايتي بالبحث في التراث المغربي. في الفترة الحالية أبحث عن أقدم المسنين في المغرب، في القبائل والبوادي ثم أبحث عنهم في ما بعد في المدينة، فأنا لا أفصل ما بين مسن المدينة ومسن البادية، الهدف العلمي من كل هذا الرصد هو أنني لاحظت بقراءاتي المتواضعة، أن هؤلاء المسنين هم الذين بإمكانهم ملء ثغرات وجدتها في الكتابات التي تناولت تاريخ المغرب، وهذه الثغرات لها هدف معين بالنسبة إلي، وهي البحث عن الجوانب الحضارية والراقية بالمعنى الإنساني، تبدو ظاهريا محلية لكنها تحمل أبعادا كونية وإنسانية، فأنا أبحث عن شهود على الحضارة المغربية العريقة يقدمون جزئيات حضارية لا يمتلكها إلا من في سن هؤلاء. < بمعنى أن الأمر تطوير لأطروحات اشتغلت عليها منذ سنوات؟ < تماما كما الشأن في العديد من البرامج التلفزيونية السابقة مثل «كنوز» مع فارق أنه يتم توثيقها بالصوت والصورة في ظل الإمكانيات المتوفرة حاليا والتي تتيح إمكانية الانتقال ميدانيا إلى العديد من الأماكن وهو ما لم يكن ممكنا في ما قبل، إذ كنا نكتفي باستدراج الضيوف إلى استوديوهات التلفزيون، فالتكنولوجيا التلفزيونية «كان حدها الاستوديو». < هذا يجرنا إلى قضية «جذور الديمقراطية بالمغرب» التي تناولتها في كتاب بالعنوان نفسه؟ < هناك من يعتقد أنني بدفاعي عن مسألة التنقيب عن الشكل الأولي للممارسة الديمقراطية في المغرب، هو تغييب لواقع الظلم والتسيب الذي عاشه المغرب خلال قرون غابرة، وهي المسـألة التي أشارت إليها كتابات تاريخية مغربية وأجنبية، وكانت تتضمن نصيبا من الصحة، إلا أنه في المقابل كانت هناك جوانب إيجابية أغفلتها هذه الكتابات لأنها اختارت أن تركز على أشياء دون أخرى، ومن حقي أيضا أن اختار هذه الزاوية. < ما هي طرق ووسائل التقاطك لهذه الأشياء التي تقول إنها تتضمن جانبا إيجابيا في الحضارة المغربية ويعكس عمقها؟ < حاولت أن أبحث عن نوع من التكامل ما بين المصادر المكتوبة وتوثيقها بالصوت والصورة ميدانيا، مثلا أجد في الكتابات أوصافا عائمة لأشياء يمكن أن أستخدم فيها شيئا وحيدا سليما، ألتقط هذا الشيء وأعرضه على ذاكرة المسنين وأبحث عن شرحها عندهم وكما يتمثلونه واقعيا لا كما ورد في الكتابات النظرية. < من المؤكد أن اشتغالك داخل أسوار الجامعة زودك بعدة منهجية وأدوات فعالة للبحث والتحصيل ولكن نتائج هذه البحوث تظل نخبوية ومحدودة التداول؟ < قصة انتقالي من البحث الأكاديمي إلى الإعلام تتضمن تفاصيل كثيرة ليس هنا مجال استحضارها، لكن ما أريد قوله في هذا السياق هو أنه لاحظت أن والدتي التي كانت تقضي ساعات أمام التلفزيون، كانت تشعر بفرحة غامرة بمجرد ما يبث التلفزيون، في تلك الفترة، نتفا نادرة عن الأمازيغية أو فنونها، وهو ما حفزني على التفكير في اقتحام هذا المجال من أجل التعريف بالآداب والفنون الأمازيغية وتاريخها، خاصة أن فئات عريضة من المغاربة كانت تنتظر بشوق أن يتم تمثيل هذا المكون في وسائل الإعلام، كما أنني آمنت حينها بأن الاشتغال الأكاديمي وحده غير كاف بل كان لا بد من إحداث نوع من التكامل بين البحث الجامعي ونشر خلاصاته عبر وسائل الإعلام والعكس صحيح أيضا. فكانت البداية إذاعية وبعد استئناسي بالميكروفون انتقلت تدريجيا إلى التلفزيون عبر برامج شهيرة، آنذاك، منها «تيفاوين» و»من تراثنا» ثم «الأصيل» و»كنوز». وعبر هذه البرامج اشتغلت على تطوير فكرة أساسية تتمحور حول توثيق التراث المغربي بمفهومه الموسع. كما لم يعد الأمر يقتصر فقط على الموسيقى بل صار يشمل كل مظاهر الحضارة بما فيها المعمار والعادات والتقاليد والطبخ وغيرها. < هل واصلت الاشتغال على هذه المواضيع خلال التحاقك بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؟ < منذ بدايات مطلع السبعينات إلى مطلع الألفية الثالثة، كما سبق أن قلت، جمعت ما بين البحث الأكاديمي والتوثيق الإعلامي، وعند إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لم ألتحق به منذ البداية، إذ فضلت أن أستمر في مهامي أستاذا جامعيا بكلية الآداب ابن امسيك بالبيضاء، فوظيفتي هاته تتكامل مع مشروعي العلمي والإعلامي، خاصة أن أغلب البحوث التي أشرفت عليها كانت تصب في اتجاه الاهتمام بالثقافة الشعبية بالدار البيضاء. لكن بعد إحداث «ليركام» تم الاتصال بي من أجل الالتحاق به درءا لكل من شأنه أن يعتبر عدم التحاقي به بأنه موقف معين، خاصة أن الكثير من الهمز واللمز طاله، المهم أنني التحقت بالمعهد بعد حوالي سنة من إحداثه، فوجدت نفسي ملزما بتوقيت خاص يحتم علي الانتقال من البيضاء إلى الرباط من الثامنة صباحا إلى الرابعة عصرا، وغارقا في مهام وانشغالات أبعدتني عن اهتماماتي الأكاديمية والبحثية إذ تحولت إلى كائن إداري، لا أقرأ ولا أكتب. كما أثر ذلك سلبا على مستوى تمدرس أبنائي وهو ما كان ينذر بمشاكل أسرية كانت ستستفحل. وهو ما عبرت عنه في أحد الاجتماعات مع عميد المعهد، آنذاك محمد شفيق، إذ أخبرته أن مجالي الطبيعي هو البحث الميداني والتوثيق الأكاديمي والسمعي البصري، ووجهت عبر هذه الملاحظة إشارة غير مباشرة بأنني زاهد في أي منصب داخل «ليركام»، فما يهمني بالأساس هو البحث العلمي والإعلامي، وهو ما وجدته يتعارض مع مهامي داخل «ليركام»، لذا تحينت أول فرصة أتيحت فسلكت مسطرة المغادرة الطوعية لأتحرر وأعود إلى العمل التلفزيوني والبحث بعد غياب ثلاث سنوات. < لكن خلال هذه السنوات أكيد أنه كانت هناك متغيرات بشأن التعاطي مع المسألة الأمازيغية؟ < بطبيعة الحال، فقد حدث هناك تغير جذري إذ قفزت القضية الأمازيغية إلى واجهة الاهتمام، بعد أحداث مفصلية عاشها المغرب، منها خطاب أجدير وإحداث «ليركام» وتعزز المشهد الإعلامي أيضا بإحداث القناة الثامنة. وما ساهم في كل هذا بروز جيل شاب ومتحمس كرس الاهتمام المتزايد بالمسألة الأمازيغية بإمكانيات أخرى ومنظور مغاير يسير في اتجاه التكامل نحو إعادة الاعتبار لمكون من مكونات الهوية المغربية الأصيلة. < لماذا ركزت اهتمامك الإعلامي فقط على المكون الأمازيغي فقط ولم تتوسع إلى بقية مكونات الثقافة الشعبية المغربية؟ < غير صحيح هذا فقد سبق لي أن اشتغلت أيضا على فن العيطة، رفقة الراحل حميد بوحميد، خلال الفترة التي كنت أعد فيها برنامج «كنوز» إذ وثقنا العديد من العيوط الحصباوية من خلال وثائق صوتية وبصرية لشيوخ من قبل الدعباجي والشيخة عايدة والحامونية وغيرهم. بمعنى أنني حاولت البحث في الثقافة المغربية بشكل عام وتركيزي على المكون الأمازيغي نابع من إتقاني اللغة الأمازيغية وانتمائي إليها دون تعصب أو شوفينية. ومن أجل هذا سعيت إلى توثيق وتسجيل مئات الساعات مودعة بأرشيف الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ومن هذا المنبر أهيب بالمسؤولين على الأرشيف إنقاذ هذا الإرث السمعي البصري الذي يمثل الذاكرة المغربية في شتى تمظهراتها، لأنه، لا قدر الله، إذا ضاع هذا الأرشيف فلن تكفي الملايير لإعادة تسجيل مواده لأنه لم يعد ينتمي إلى الواقع فكثير من الشخصيات والوجوه والأماكن التي وثقتها لم يعد لها وجود إلا فيه. < طريقة تعاطيك مع المسألة الأمازيغية تم بشكل مختلف إذ حاولت أن تبلور خطابا مغايرا لما أنتج من خطابات صدامية في هذا الإطار؟ < منذ البداية اخترت طريقا مغايرا. عندما اخترت منذ بداية السبعينات تخصيص أطروحة بحثي الأولى في الإجازة حول الشعر الأمازيغي، ترسخ لدي اعتقاد بأن ما أشتغل عليه قد يعطي نتيجتين لا ثالث لهما، إما أن تظل الجوانب التراثية التي اشتغلت عليها هي القائمة لوحدها، وهذا أمر كان مستبعدا حينها، أو يكون هناك تغيير في المغرب يفتح المجال أمام ما بدأته بتؤدة وخجل وحيرة، ترسخ وعي لدى نخبة من المثقفين والجامعيين أن المغرب له حضارة وثقافة وتراث يجب بذل مجهود للتعريف بها. ومن منطلق أنني أتحدث الأمازيغية ومحتك عن قرب بآدابها وفنونها ومتذوق لها، فقد ارتأيت أن أنطلق من هذا المعطى، لكن لكي أبدأ لم يكن بإمكاني أن أسلك طريق النضال السياسي من أجل التعريف بالثقافة الأمازيغية لأن الأحزاب المغربية أصلا لم تكن تضع في حسبانها شيئا اسمه الأمازيغية، فكانت أسلم طريق وأكثرها إفادة هي طريق البحث العلمي في الجامعة المغربية وتحت إشراف الجامعيين، وهو السبيل لإقناع المغاربة على مختلف مشاربهم، لتتوالى البحوث والدراسات التي قدمتها في هذا المجال. في سطور: ـ من مواليد 1949، بمنطقة كاكت نواحي أكادير. ـ تابع دراسته الابتدائية بكل من الدارالبيضاء ومراكش وتارودانت وحصل على الاجازة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس سنة 1972، ثم على دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب بالرباط سنة 1985. ثم حصل على دكتوراه الدولة سنة 1998 بكلية الآداب بن مسيك البيضاء حيث اشتغل فيها أستاذا. ـ أغنى خزينة الإذاعة و التلفزيون المغربي بالعديد من البرامج مثل «تيفاوين» و»كنوز»،و»حضارة المدن»، ـ له العديد من الإصدارات منها: - «الشعر المغربي الأمازيغي: لهجة سوس». - «أمالو من الفنون الشعبية المغربية». - «الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو طالب». - «المتنبي في دراسات المستشرقين». ـ «جذور الديمقراطية في المغرب». ـ «السوسيون العصاميون في الدار البيضاء».

أعمل على توثيق آخر شهود الحضارة المغربية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حجز 461 ألف أورو بميناء طنجة المتوسط

أسامة بسطاوي يحتفل بالخطبة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات