التوفيق: مفجر أركانة استند إلى فهم خاطئ للجهاد

وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية قال لـ"الصباح" إن الوزارة ستواصل تدبير الشأن الديني بما يلزم من الحياد قال أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، إن الإرهاب الذي أضحى ظاهرة كونية، يستهدف المغرب، ليس لتعاونه الدولي ضد الإرهاب، ولكن، لأنه يبني نموذجا غير قائم على الإكراه. واعتبر التوفيق أن عمل وزارته تربوي وتدبيري يتجلى في تأهيل المنابر حتى لا تستغلها دعوة الإرهاب. كما عرج التوفيق على دور العلماء والأئمة وعلى تجربة المرشدات الدينيات، كاشفا أن وزارته ماضية في استكمال ترسانتها القانونية حتى يكون الجميع على علم بضوابط التعامل معها، ومتصورا من حيث الوسائل المالية والبشرية أن تصبح مدرجة في أولويات الدولة، ومحط احترام الجميع لكي تواصل تدبير الشأن الديني بما يلزم من الحياد. شهدت مراكش، أخيراً، اعتداءً إجرامياً خطيراً استهدف أرواح الأبرياء، ما هو تعليقكم على ما وقع؟كان العنف وما يزال حاضراً في العالم بأشكال متنوعة ومبررات مختلفة وتعابير شتى. والعنف الذي وقع في مراكش يستند إلى حساب خاطئ، وهو مواجهة النموذج الغربي وتبعاته السياسية ونمط الحياة بأعمال هدفها زرع الخوف المصحوب بالمفاجأة. وفي تقدير أصحاب هذه الإيديولوجية الإرهابية، فإن الغرب يوجد حيث توجد حرية اختيار نمط الحياة في إطار قوانين ليبرالية، وكل جهة مؤيدة للغرب أو متعاونة معه ضد هذه الإيديولوجية الإرهابية مستهدفة. والمغرب ليس مستهدفاً لتعاونه الدولي ضد الإرهاب وحسب، بل مستهدف بالخصوص، لأنه يبني نموذجاً غير قائم على الإكراه، مع العلم أن غالبيته العظمى متدينة ومنخرطة في الإصلاح المفضي إلى العدل. وبناء مثل هذا المجتمع حيثما بدأ في بلاد المسلمين مستهدف من الإرهاب، سيما أن وجود سيرورة لإقامة العدل تسحب البساط من تحت أرجل الإرهابيين. أما العدل بين الدول، فإنه على كل حال لن يأتي به الإرهاب، بل المعول في الوصول إليه على يقظة ضمير الشعوب، سيما شعوب الدول المتقدمة التي تتحكم في حكوماتها مثلما وقع عندما استيقظ ضمير هذه الشعوب ضد الاستعمار. والذي يحصل الآن باستهداف الإرهاب لهذه البلاد، هو تأجيج المشاعر الوطنية وإيقاظ الرواسب الدينية بسبب الإرهاب، على اعتبار أن له جذوراً في الدين الإسلامي، وهذا ما أدى إلى الكلام عن صدام الحضارات. وحتى من يرى أن بعض الجهات الإرهابية تبرر تخريبها بمواجهة الغطرسة الغربية لا يفوته الاعتراف بأن الأسلوب المتبع يسيء إلى الإسلام، بل هو جريمة ضد الدين. يضاف إلى ما ذكر أن هذا الفكر قد انفلت من «قاعدته»، وصار في متناول كل المرضى المنغلقين عن كل أنواع الموعظة، بحيث سيتعذر على دهاقنته التحكم في آلته الخرقاء حتى لو أرادوا يوماً توقيفها أو إعادة توجيهها.هل ترون أن وقوع أعمال تخريب مثل ما وقع في مراكش يرجع إلى تقصير في مهمة وزارتكم؟إن الإرهاب، كما قد شرحنا، ظاهرة كونية. وكونه يتخذ الدين خلفية يستند إلى تفسير خاطئ لمفهوم الجهاد وشروطه الشرعية ومآلاته. أما مهمة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فهي تربوية من منطلق الشرع نفسه. فالنبي المتبع في الشرع جاء مذكراً ولم يكن مسيطراً. وعمل الوزارة التربوي والتدبيري هو في تأهيل المنابر حتى لا تستغلها دعوة الإرهاب. فعلى من يهتم جدياً بهذا الموضوع ويتثبت في القول أن يتساءل ما كان يكون عليه حالنا لو لم ينجز ما تحقق من صيانة المساجد، ومن مجهود للإقناع بوجوب حياد الفضاء الديني. إن هذا الورش حافل وزاخر، يعمل على تقوية الجسم الروحي للأمة، حتى لا تتأثر بالفيروسات الطارئة، وهذا هو مفهوم الأمن الروحي. وإن كان على هذه الوزارة تشويش ما، فهو من الغيرة تارة ومن عدم التحري تارة أخرى.ما يقع حالياً يطرح سؤالا عريضاً حول كبرى التحديات التي يواجهها تدبير الشأن الديني في المرحلة الراهنة. في نظركم ومن منطلق مسؤوليتكم على رأس وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أين تتجلى هذه التحديات؟مهمة الوزارة لصيقة بثوابت الأمة الدينية والروحية، وهذه لا تخضع للظرفيات ولا تبالي بالتحديات. أما من ناحية تدبير القطاع، فالمتوقع استكمال الآليات الإجرائية والقانونية والتوفر على الوسائل المالية الكافية لإنجاز ذلك.ومن الناحية الفكرية، هناك نقص في استيعاب ما ينبغي أن يكون عليه التجانس بين حياة الناس في التدين وحياتهم في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة. وهي مسألة وقت وتجربة تاريخية ضرورية. وكما هو متوقع، فإن سياق المطالب الحالية كشف عن بعض وجوه الانتهاز والتربص، غايتها اختبار متانة الآلية والمعايير المتبعة في التدبير، فووجهت بالحزم الضروري المصحوب بالحجة لمن يبحث عنها.بدأت في الآونة الأخيرة تطرح إشكالية إغلاق المساجد، هل هناك منطلقات واضحة لاتخاذ مثل هذه القرارات؟وقع منذ سنة، ولأول مرة، افتحاص بنايات المساجد، فتبين أن ما يفوق عشرة آلاف مسجد به خلل متفاوت الخطورة، وبنايات بعض المساجد آيلة إلى السقوط، فتقرر الإغلاق الكلي أو الجزئي لألف ومائتي مسجد، وكلف المختبر العمومي للدراسات بتدقيق الفحص. وأسفرت نتائج عمله على تصنيف الاختلالات، وعن تقدير الحاجيات المالية لإعادة البناء والإصلاح بما يفوق ثلاثة ملايير درهم. وقد حصلت الوزارة على 8 في المائة من الغلاف المطلوب برسم هذه السنة، ورصدتها للمستعجلات، مع مراعاة التوزيع على جميع الأقاليم. وأمام هذه الوضعية، لجأت الوزارة إلى تعبئة المحسنين، فبادر بعضهم إلى التكفل بجميع الإصلاحات مثل ما حدث في وجدة، ولكن الإصلاحات في أربع جهات، هي الحسيمة والرشيدية وأكادير ومراكش، ستكلف ثلثي الكلفة. لا شك أن حالة المساجد، بسبب ما ذكر من الإغلاق التقني الاضطراري، ستكون في رمضان المقبل أحسن مما كانت عليه في رمضان الماضي، ولكن برنامج الإصلاح وإعادة الفتح، سواء من حيث الاعتمادات أو من حيث المدة اللازمة للأشغال، سيمتد إلى غاية نهاية 2013، فالأمر يتعلق بمرفق لم تكن تواكبه آليات ووسائل للصيانة بقدر حجمه (ملايين الأمتار المربعة)، سيما والمساجد القديمة، ما عدا المساجد الكبرى التي استفادت من برامج ضخمة للترميم، تحتاج إلى إصلاح، بينما بني في العقود الأخيرة عدد من المساجد من طرف المحسنين بحماس وبمواصفات غير كافية في بعض الأحيان. وعندما تدخلت ميزانية الدولة بشكل متنامٍ، وإن لم يف بعد بالغرض في السنوات الأخيرة، إلى جانب المحسنين، كان هناك متأخر فادح في الحاجيات من جهة، وظهر بشكل مستعجل هذا الفراغ الكبير المتعلق بالإصلاح والصيانة. فهو قطاع له مواصفات القطاعات ذات الأولوية.راج أخيراً خبر إنشاء جمعية للعلماء المستقلين، ومن بين الأهداف التي رفعت الدفاع عن الأئمة المعزولين، كما راج أن أصحاب المبادرة تراجعوا عنها، كيف تلقت الوزارة هذا النبأ وكيف تفاعلتم مع المبررات التي قدمت بشأن هذه الخطوة غير المسبوقة وطنياً؟لو فكر في إنشاء مثل هذه الجمعية شخص وأعانه على ذلك آخرون لوجد نفسه أمام ثلاث مشاكل. الأول هو تعذر الاعتراف القانوني بمثل هذه الجمعية، لأن مجال العلماء والأئمة من الشأن الديني المنظم، التأطير فيه يتم بقوانين. فنشاط العلماء يؤدى قبل كل شيء داخل المساجد، ولا أحد في المغرب يتصور التجاذب داخل المساجد. وتتجلى المشكلة الثانية في أن هذا الشخص سيجد جمهوره من حفنة من الأشخاص المستغنى عن خدماتهم داخل المساجد أو داخل المجالس العلمية، لأسباب موجبة لذلك، أقل ما يمكن أن يقال إنها تثير الخلاف، ولو نشر على الناس بعض هذه الأسباب للقي استنكارا. والمشكلة الثالثة تتمثل في أن هذا الشخص لو وجد لوجد نفسه يخدم مشاريع للتقويض والتشكيك المبيت، وقد يتعلق الأمر بأكثر من توجه. يذكرني هذا بقصة للفيلسوف البريطاني راسل، عنوانها «الشيطان على الأرض»، وفيها يريد الكاتب أن يقول إن مصالح أطراف متناقضة قد تلتقي إذا كان القاسم المشترك هو المصلحة الخاصة دون تدبر المآلات. نعم، هناك ضرورة تأسيس آلية يلجأ إليها القيمون الدينيون إذا أرادوا التظلم، وهذا ما نحضر لتأسيسه قانونياً في المستقبل القريب إن شاء الله.لكن الوزارة تعين أئمة أو خطباء وفي بعض الأحيان يلقى هذا التعيين معارضة من قبل السكان، ما هي إستراتيجية الوزارة في التعامل في مثل هذه المواقف؟تعيين الأئمة من اختصاص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بحكم القانون، وهذا طبيعي، لأن هذا التعيين لو ترك لأي جهة أخرى لكان كل تعيين مثار خلاف بين مشارب سياسية أو فئوية مختلفة. وهذه عين الفتنة. لقد جرى العرف في المغرب على أن أئمة البوادي على الخصوص تختارهم الجماعة في إطار ما يسمى ب»المشارطة». ولحد الآن، فإن تعيين الأئمة لا يثير أي إشكال، لأن مهمة الإمام، في إطار الثوابت، واضحة لا غبار عليها. وإذا بحثت في الحالات النادرة التي تعصبت فيها جماعة ضد إمام معين لصالح إمام معزول، تجد لها خلفية بعيدة عن موقع المسجد كفضاء للجميع. ولو سايرنا المطالبين في مطلبهم، لقامت علينا وعليهم جماعة معارضة، ولو كانوا أقلية. إن الوقائع المعزولة النادرة بهذا الصدد لا تشكك في اقتناع جميع الأطياف بضرورة حياد المسجد والإمام. هنا لا بد من إثارة موضوع حساس، هل تؤمنون بأن للعلماء والأئمة حقا في التعبير شأنهم شأن باقي مكونات المجتمع المغربي؟العلماء والأئمة مواطنون يعبرون عن رأيهم كأفراد، لأن الاجتهادات المعلنة في البرامج السياسية هي فرعية بالنسبة إلى الثوابت التي يتوحد حولها الجميع. وتعبير الإمام أو العالم العامل في المجالس العلمية يكون بالطبع سرياً في كل انتخاب. أما التعبير أثناء مزاولة رسالة العالم أو الإمام فليس مجرد حق، بل هو أمر مستمد من قول الله لرسوله «اصدع بما تومر»، مما يعني ممارسة التعبير في إطار الكتاب والسنة، وهما متضمنان لكافة الحقوق والمكارم، ولكن التعبير يكون بالأسلوب النبوي المعروف، ويراعي بالخصوص عدم الخوض في قضايا من اختصاص جهات أخرى. قد يقع الإمام الواعظ أو الخطيب أو العالم في حرج إذا أتى فيها بما يضر من حيث أراد النفع وجانبه، لأنه لم يلتزم بالأسلوب المرعي. وهنالك فرص سانحة لمن تخصص في الدين ويرى نفسه عالماً فيه، إذا أراد، أن يتكلم بأسلوب السياسة أو الإعلام أو البحث الفكري. وذلك بأن ينخرط في المنبر السياسي أو الإعلامي الذي يروقه ويتكلم فيه بأسلوبه. وحتى إن ادعى أنه عالم، فلا أحد ينازعه. أما العلماء المنتدبون لتأطير الأمة، فهم منتدبون في إطار حماية الملة والدين، ومسؤوليتهم على من انتدبهم، بمقتضى الأمانة التي هو مطوق بها. أما «التحرش بالمؤسسة العلمية» التي اختار أعضاؤها بمحض إرادتهم، وبلا خداع، تأطير المواطنين في إطار الثوابت، ومن ضمنها إمارة المؤمنين، فإن هذا التحرش يدل على قلة ورع ديني من جهة، وعلى تخلف سياسي من جهة أخرى، لأن منابر الإصلاح اليوم تعددت، ومحاولات الخلط بين الأساليب غير مقبولة.منذ أزيد من عامين، أطلقت وزارتكم برنامج تأهيل الأئمة، هل قيمتم التجربة، وهل هناك حاجة لاستمرارها؟برنامج تأهيل الأئمة من ابتكارات إمارة المؤمنين في مجال تقويم الشأن الديني. وهو برنامج يعبئ 45 ألف إمام يتدارسون في لقاءين في الشهر، قضايا إطار عملهم داخل الثوابت، وقضايا الإمامة، والخطابة، وقضايا تعليم القرآن الكريم، وقضايا خدمة الجماعة في جوانب الإصلاح الاجتماعي. والبرنامج مسير تسييراً محكماً والأئمة مبتهجون به.أفرج، أخيراً، عن عدد من المعتقلين المحسوبين على السلفية ولم يحاورهم العلماء، هل لوزارة الأوقاف موقف من الحوار وتربطه بوجود شروط؟يذكرني سؤالك بالمناظرة التي جرت في حضرة أمير المؤمنين، علي بن يوسف بن تاشفين، بين المهدي بن تومرت وفقهاء الدولة المرابطية، فقد كان بن تومرت على علم بالنصوص نفسها، لكن تأويله لها كان مختلفا، وإن كانت المسألة لاتصل في مثل هذه الحال إلى حد المواجهة بين الحق والباطل. وإنما الحذلقة العلمية تعلو للشيء الذي كان في نفس الرجل، وهو مشروعه الذي صمم عليه، أي تأسيس دولة جديدة على أساس إيديولوجية جديدة. ومثل هذا الاستعمال للنصوص الدينية قد يصدر عن أمثال بن تومرت، وهو من هو في الزمن الغابر، كما يمكن أن يصدر اليوم عمن يركبون موجة الالتباس السائد في هذا العصر، سيما حول تعريف العلم. نعم، العلم بالنصوص أمر مهم، وأهم من العلم، ما يطلبه المسلم من ربه مرات في اليوم، وهو الهداية. أما ما يثار عادة بهذا الصدد مما يسمى بالمراجعات في بعض البلدان، فلها خلفيات لم يطلع عليها كثير من الناس.هناك من اعتبر أن التجربة التي كانت رائدة في بدايتها، أخذت تتراجع، بل وصف بعض المرشدات ب»التحجر في الفكر»، الأكيد أنكم تتابعون هذا المشروع، هل تثبت عملياً وجود عناصر «متحجرة» أو تنشر «الفكر المتحجر» داخل المساجد؟تكوين المرشدات من البرامج الرائدة في إطار تأهيل الحقل الديني بالمملكة المغربية. ومنذ بدأ هذا البرنامج وهو يتبع المواصفات نفسها في اختيار المترشحات للتأهيل، بينما تم تطوير برنامج دروس التأهيل. وبعد تخرج كل فوج، يتم تتبع الأداء في مختلف المحافل. ولو عرفت المقصود بالفكر المتحجر لأجبتك. على كل، فهو برنامج ناجح ولا يجوز بصدده التبخيس والتعميم.ماذا عن إسهام العلماء في الاستشارة الجارية حول الإصلاحات السياسية؟ارتأى العلماء أن يصدروا بيانا في موضوع فتح الاستشارة الوطنية حول الإصلاحات. وقد أصدروه وكان واضحاًَ، وركز على ما يهمهم على الخصوص، وهو المضمون التعاقدي لإمارة المؤمنين، ولكن العلماء الذين ينضوون في مؤسسة يرأسها أمير المؤمنين ليسوا طيفاً اجتماعياً من بين الأطياف الأخرى، لكي يستدعوا من الجهة المختصة للاستماع أو لتسليم مذكرة، بل إنهم معنيون بتفسير الثوابت الشرعية التي تهم الجميع. ولو طلب منهم شيء مفصل من هذا القبيل لقدموه. ولاشك أنهم سيفعلون إذا اقتضت الضرورة ذلك. وبهذا الصدد، لا بأس من التذكير بأن العلماء لا يبتكرون نظريات في العدل والإصلاح، فهم ينتمون إلى المشروع الذي أسس لكل المطالب العادلة، وهو الدين، مرجعاً صريحاً ملحاً، وتبليغاً يومياً دؤوبا، وشواهد على التضحية من أجل الإصلاح والعدل على امتداد التاريخ. إن جذوة المطالبة والإصرار على العدل قد غرسها الدين وصانها في النفوس. والإصلاح الذي يطالب به المتدين يكون بالضرورة لما يرضي الله، والاحتكام إلى القوة العليا للقانون متأصل عند الناس، فلو وقع الظلم على شخص عندنا في أقصى الأرض لوجدته يجابه الطغيان بالقولة المأثورة: «أنا بالله وبالشرع». فمع استحضار هذه المرجعية والممارسة التاريخية، يغدو كل لمز للعلماء بما ينافي طبيعتهم ضرباً من التجني.يرى البعض أن الحل الأنسب للديمقراطية يكمن في فصل الدين عن الدولة، ما هو رأيكم؟نعرف أي أمة نحن، فأي مشروع مجتمع نريد؟ كل مشروع مجتمع تسنده نظرية في العدل والتضامن، والمرجع هو ما تختاره الأغلبية إذا التزمنا بمنطق الديمقراطية. ولا يخفى أن عدداً من الناس لا يهمهم العيش بقدر ما يهمهم معنى الحياة. والمعنى يستمده البعض من الدين ويستمده البعض الآخر من الاقتناعات الفلسفية. فإذا كانت الدولة خادمة للمجتمع، فيجوز للمتدين ممارسة الدين أو أن ينتظر من الدولة خدمة في هذا الموضوع بدل أن ينتظره من مؤسسات خاصة. والإسلام لم يعرف خوصصة للدين، ولكن دولة الإسلام ليست دولة يحتكم فيها الحاكم إلى أفكاره الخاصة أو هواه المستبد، بل هي دولة الحقوق المكفولة، ولا مبرر دينياً يمكن أن يقف ضد ما ينفع الناس. ومن ثمة، فإن الدين يزيد الدولة قوة، ويقلل من كلفتها في الخدمات، لأن مجتمع الدين يتجانس فيه وازع السلطان (دولة القانون) مع وازع القرآن. إن المغرب يطمح إلى بناء بلد (دولة ومجتمع وأمة) يكون فيه البناء الديمقراطي مستكملاً والحياة الدينية على غاية من الاستثمار في السعادة، بمعنى الاطمئنان إلى أن الإنسان يؤدي واجبه لا نحو أمته ومجتمعه وحسب، بل نحو ربه أيضاً. وهكذا، فإن فصل الدولة عن الدين في التجارب التاريخية في بعض بلدان العالم لا يعني أن الدولة لا تلتفت إلى الحاجات الدينية، فهذه ألمانيا تجبى فيها قانونياً ضريبة مخصصة لتكاليف الشأن الديني تقدر بحوالي عشرة ملايير أورو. أما علاقات الحاكمين بالمحكومين، فإن الأسلوب الديمقراطي يحسمها بأحسن مما هو ممكن. وقد حسمتها البيعة من قبل، ليس من الناحية الشكلية فقط، لأن الناس كانوا على الدوام واعين وعياً مصحوباً بمواقف عملية بمواطن الوفاء ومواطن الخلف بالشروط.ما هو تصوركم لوزارة الأوقاف في المرحلة المقبلة؟أتصور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من حيث الهيكلة على ما هي عليه من الجمع بين تدبير أموال المساجد (الأوقاف) وبين صرفها في وجوهها الشرعية، وأتصورها ماضية في استكمال ترسانتها القانونية حتى يكون الجميع على علم بضوابط التعامل معها، وأتصور من حيث الوسائل المالية والبشرية أن تصبح مدرجة في أولويات الدولة، وأتصورها أخيرا محط احترام الجميع لكي تواصل تدبير الشأن الديني بما يلزم من الحياد.ما هو موقع المغاربة القاطنين في الخارج في خريطة تدبيركم للشأن الديني؟الشأن الديني للمغاربة بالخارج تؤطره جمعيات المساجد، ومن المتوقع أن يتعزز هذا التأطير بنشاط المجلس العلمي للمغاربة القاطنين بأوروبا، بتنسيق مع هذه الجمعيات. ومسألة التعامل مع تلك الجمعيات تجربة فتية، سيما إذا أريد منها أن تشكل هيأة واحدة على صعيد كل بلد، بحسب الانتماء إلى البلد الأصلي. إن الشعور بهذا الانتماء قوي لدى الجالية، سيما في الالتزام بالثوابت. لكن المشكلة بالنسبة للوزارة إنما تكمن في إمكانيات الدعم القانوني وحجمها المحدود جداً بالنسب لحجم الطلبات. أما قضية التوزيع، فتشترك في تدبيره الأطراف المختصة، إلى جانب الوزارة، واستفادت منه لحد الآن مساجد وأئمة وجمعيات تقوم بنشاط لصالح الجالية. التوفيق...المؤرخ التائه في عالم الثقافة أين يلتقي المتخصص في التاريخ مع السياسي؟لعل الحس التاريخي أعانني في فهم كثير من أمور السياسة، بل ربما أفلتني من براثين الوقت الضاغط الذي نعيش فيه، ومن جهة أخرى، أفادني الاحتكاك المباشر بالمؤسسة السياسية أن التفاصيل التي سقط 99 في المائة منها من كتابات المؤرخين لها أهميتها، سيما في ما يتعلق بالألم والمعاناة التي هي لحمة التاريخ، فالزمن الطويل الذي فضله المؤرخون الجدد يخفي كثيرا من الثنايا المهمة في الزمن القصير.يرى فيكم البعض رومانسيا حالما، فأين الوزير؟في الحديث أن المؤمن غر كريم، المهم ألا يكون الوزير خبا أو أبله يضيع ما عهد إليه به من أمانات.هل لديكم مشروع ثقافي شخصي في الأفق؟هنالك مشاريع عدة، وأهمها مشروع إقامة متحف للأطلس الكبير الغربي الذي فيه مسقط رأسي، فقد حصلت على تزكية هذا المشروع قبل أن أتشرف بالوزارة، وهو الآن مكتمل من حيث التصور، يبقى الإنجاز متوقفا على الوسائل المالية. التصوف يعلم الصدق وأحرص الناس على التصوف أهله لماذا تخلت الوزارة عن تنظيم لقاءات سيدي شيكر؟تعمل الوزارة على إعادة بناء مسجد سيدي شيكر التاريخي، وسبق ذلك ما هو ضروري من القيام بالتنقيبات الأثرية تحت المسجد، وقد أظهر التنقيب فوائد مهمة. ومن جهة أخرى تم شراء أرض واسعة في عين المكان نتمنى أن تستثمر وتدر على المشروع ما يقوم به من المال إذا بنيت في عين المكان قرية ملائمة للنشاط الصوفي كما تصورناه. وكل ما كنا أعلنا عنه ما يزال مخططا له، إحياء الدور التاريخي لهذا الموقع بما يتناسب مع المكانة التي للتصوف المغربي محليا ودوليا. مشروع لا يكتسي صبغة الاستعجال إذا قيس بما تتطلبه العناية بالمساجد. لكن هناك عنصرا آخر لابد من توفيره لهذا المشروع، ويتمثل في إيجاد ميثاق يوجه نشاط الملتقيات بحيث يؤدي إلى إبراز قيم التصوف التي يحتاج إليها العصر لا على شكل خطابات تمجيدية أو سجالية أو احتفالات وجدانية، بل على شكل برامج للتخفيف من آلام الناس وإيقاظ الشعور بالمسؤولية (النفس اللوامة) على نطاق واسع في العالم، وذلك بالربط بين العلم ونور العلم، بين اليقظة والتحنت، بين جذب المقربين وسلوك الربانيين. إن اللقاءات الماضية كانت طيبة للغاية. إن التصوف يعلم الصدق، والناس في عالم اليوم يتشككون في كل شيء، فعلينا الاحتياط شفقة عليهم، ولا ينجو من هذه الآفة حتى بعض المنتسبين. وأظن أن أحرص الناس على التصوف هم أهله، ومنهم ينتظر إقامة الميثاق المذكور بحيث يجعل طريقتهم تتخلص من كل السلبيات، لأن التصوف تحقق، وليس مجرد انتساب أو إراثة. ومادام هذا الميثاق المرتبط بحال مؤسسات التصوف في أرض الواقع لم يوضع، فإن مركب سيدي شيكر إذا بني سيكون مجرد مركز استقبال جماعي فيه خلوات فردية وبيئة طبيعية روحانية، مفيد لكن ليس لاستعماله أي مغزى وطني أو عالمي كما نتمنى. التعليم العتيق ودار الحديث الحسنية مشروع دمج التعليم العتيق؟التعليم العتيق نوعان: عمومي، أنشأته الوزارة وتدبره وتموله بالكامل، وتعليم خصوصي، أسسته قبائل أو جمعيات أو أفراد. وصلة هذا النوع الأخير بالوزارة محسومة وواضحة وتتجلى في الجوانب الآتية: الإشراف المقتضي للالتزام ببرامج الدروس المنصوص عليها في القانون، ودعم الدولة لهذا التعليم، ويتخذ أشكالاً عدة منها المكافآت للمؤطرين والمنح للطلبة والتجهيز والتموين وغير ذلك، بحسب ما هو منصوص عليه في القانون، ثم الإشراف على الامتحانات لضمان معادلة الشهادات. إن الأمر يتعلق بتأهيل قطاع كامل وتدخل ضروري إيجابي يقع استيعابه تدريجياً، وخريطة تنميته والتفاهم حوله واضحة.إصلاح دار الحديث الحسنية؟تعمل الوزارة على مد دار الحديث الحسنية بكل ما تطلبه من وسائل العمل. أجرت الحوار نادية البوكيلي

التوفيق: مفجر أركانة استند إلى فهم خاطئ للجهاد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأمن يحقق في عرقلة دورة مجلس مدينة سلا

انطـلاق مشروع تأهيل المـدينة القـديمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات