مستشفى محمد الخامس… “الخصاص عذب الناس”

المرضى يشتكون غياب الأطباء والمتاجرة في الأسرة والمستلزمات الطبية والعاملون يعانون غياب الأمن والقدرات الاستيعابية ما زالت البيضاء تحتفظ ببعض مظاهر البداوة، وسط "غيتوهات" مناطق الحي المحمدي وديور الأمان والبرنوصي. تتسابق العربات المجرورة في ما بينها لاصطياد الزبناء ونقل البضائع، على طول الشارع المحتضن لمستشفى محمد الخامس الشعبي. صياح الباعة المتجولين وطقطقة حوافر الخيل تنسج نوتات سمفونية نشاز، تقلق راحة المرضى وتزيد معاناتهم، فالمستشفى الذي ظل على مدى سنوات بعيدا عن أضواء الإعلام بخلاف غيره، استقر في عين الحدث، عندما حقق مقطع فيديو مسرب من داخله "البوز" في مواقع التواصل الاجتماعي، يوثق لأوضاع أمنية خطيرة بالمستشفى وبنيات تحتية متهالكة، و"خصاص عذب الناس"، حسب تعبير أحد العاملين فيه، في إشارة إلى معاناة المرضى في ظل غياب بعض الأطباء في تخصصات حيوية، على رأسها مصلحة النساء والتوليد، التي يداوم فيها حاليا بين ثلاثة وأربعة أطباء فقط، بسبب نزيف الكفاءات الذي شهدته المؤسسة الصحية أخيرا، عبر التقاعد العادي والنسبي. شمس الصيف الحارقة، لم تترك مستظلا لبشر أو طير، اللهم الشجيرات الممتدة أوراقها خارج جدران المستشفى المنزوي بالحي المحمدي، التي وفرت فضاء ركن مغطى للسيارات الزائرة. حركة غير عادية عند البوابة، إيذانا بقدوم إحدى الحالات الحرجة إلى قسم المستعجلات، وما هي إلا دقائق حتى خرق صوت منبه سيارة الإسعاف الآفاق، ليتم إيداع مصاب في حادثة سير القسم الحيوي بالمستشفى. الحراس الخاصون "سيكيريتي"، بادروا قبل ذلك، إلى إخلاء بوابة المصلحة الطبية، لغاية تسهيل ولوج المصاب، طالبين من المرتفقين التنحي عن المداخل والمخارج، لكن دون جدوى، فكل مرتفق يصحبه بين أربعة وستة أفراد آخرين من عائلته أو أصدقائه، أو في حالات عدة معارفه، الأمر الذي أثار حنق أحد الحراس، الذي علق بالقول، "المغاربة مكيفهموش شنو هو النظام في مستشفى، اللي كتبغي عدد قليل من الزوار بلا صداع". "بيزنس" المرض الحديث عن زيارة المستشفيات العمومية، لطالما كان حديثا ذا شجون، يسترسل فيه المرء بالشكوى بلا كلل أو ملل، والأمر يصح هنا في مستشفى محمد الخامس، الذي ينضح بقصص تقشعر لها الأبدان، عن "بيزنس" مرض متشعب، يهم البيع والشراء في الأسرة والمتاجرة بالمستلزمات الطبية المستعملة، مثل الصفائح الفولاذية المستخدمة لجبر كسور العظام والمفاصل، وكذا حالات رشوة مقابل خدمات "في آي بي"، إذ يتحدث يوسف، ضحية حادث سير شاب، عن معاناة تجاوزت مدتها 48 ساعة، قبل معاينته من قبل طبيب متخصص، حين ولج إلى المستشفى مصابا بكسور مزدوجة على مستوى الساق. وأوضح أنه تعرض لسوء معاملة عند استقباله من قبل العاملين في المستشفى، خصوصا عند سؤاله المتكرر عن وجود الطبيب المتخصص في جراحة العظام لمعاينته، إذ يمثل الخصاص في الأطباء قاسما مشتركا في مجموع الشكاوى التي استقتها "الصباح" من مرضى ومرتفقين، وهو ما لم تخفه إحدى العاملات في المستشفى، التي أكدت وجود خصاص في بعض التخصصات على رأسها النساء والتوليد، الأمر الذي يتسبب في معاناة المرضى، حين يستفيد أحد الأطباء الأربعة الموجودين في عطلة مرضية أو سنوية. وتابعت العاملة، التي طلبت عدم ذكر اسمها، أن الطاقم الطبي للمستشفى يعمل على قدم وساق لخدمة المرتفقين، نافية الادعاءات التي تتحدث عن المتاجرة بالمستلزمات الطبية، موضحة أنه يصعب التثبت من قبول الجسم لمستلزم طبي كان مثبتا لفترة طويلة بجسم مريض آخر، مؤكدة أن تعقيم هذا المستلزم ومعالجته ليكون صالحا للاستعمال مرة أخرى، يفرض مروره بمجموعة من المراحل، الأمر الذي يجانب المنطق في هذه الحالة، باعتبار أن حالة المستشفيات العمومية تغيرت عن السابق، مع توفر الأدوية والمستلزمات الطبية بكثرة، وانخفاض أسعارها في الخارج. وأشارت إلى أن المشكل في حال الصفائح المعدنية الموجهة لتقويم كسور العظام، يرتبط بضرورة اعتماد رأي الطبيب الذي ثبت هذه الصفائح، قبل إزالتها من الجسم، وما يرافق ذلك من تعقيدات، حين يكون الطبيب المعالج أحيل سلفا على التقاعد العادي أو النسبي، أو نقل إلى مستشفى أو مدينة أخرى. فوضى أمنية تتواصل الحركة في مستعجلات مستشفى محمد الخامس، بقدوم حالات حرجة جديدة، الأمر الذي تسبب في اكتظاظ عند المدخل، وكذا في غرف الفحص الأول والفحص بالأشعة، وهو الأمر الذي يعلق عليه مصدر مهني في المكان عينه، بامتعاض، قائلا، إن "المستشفى لا يمتلك حاليا القدرات البشرية والتقنية، التي تؤهله لاستيعاب الكم الهائل من المرضى والمرتفقين يوميا، إذ يلبي خدمات مجموعة من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية"، في إشارة إلى استقبال مرضى من الحي المحمدي وعين السبع وسيدي البرنوصي، وكذا سيدي مومن وديور الأمان وعين حرودة، ناهيك عن الضواحي، بحلول مرضى من الهراويين والسالمية والمدينة الجديدة". هذا الضغط أفقد المستشفى توازنه، وصار يكتفي فقط بالعلاجات قصيرة الأمد، من خلال التخصص في الإسعافات الأولية، قبل تحويل المرضى إلى المستشفيات الكبرى بالبيضاء، لغاية استكمال علاجهم، إلا أن العمل في ظل هذا الضغط من الزوار والمرتفقين، تسبب في فوضى أمنية عارمة، خصوصا في المناسبات، التي تشهد ذروة الإقبال، من قبيل نهايات الأسبوع والأعياد، إذ تعرض أفراد الطاقم الطبي لاعتداءات متكررة من قبل مرضى وذويهم. وبهذا الخصوص، تستسرل إحدى العاملات في مستشفى محمد الخامس في الحديث عن حالات اعتداء مختلفة تعرض لها الطاقم الطبي أثناء عمله، منها اعتداء من قبل مريضة على طبيبة، نتج عنها كسر أنف ورضوض، قضت إثرها الجانية عقــوبة حبسيــة لمــدة شهر، وكـذا تهديد ممرضة بالسلاح الأبيض من قبل جانح، لغاية إجبارها على رتــق بعــض جروحه عنوة، ناهيك عن تعـرض طبيبــة أخرى لضرب مبـــرح على يد ذوي مريضة مقبلــة على الولادة، وغيـــرها من الحـــوادث التي دق مقطــع فيــديـــــو مســـرب مــــن داخل المستشفـــى ناقــوس الخطـــر حـــولها، إذ يـــواجه الأطباء والممرضـــون يــوميا تهــديــدات تمس سلامتهــم الشخصية، حين استقبـــال حالات الاعتداء بالضرب والجــرح المتبادل، ذلك أن قسم المستعجـــلات تحــــول أكثـــر من مرة إلى ساحة اقتتـــال بين أسر الجنـــاة والمعتدى عليهـــم، في ظـــل غيـــاب تـــدابير أمنية صارمة، فالمستشفــــى يعتمـــد شــــركة حــــراسة خاصة، وعناصرها غير مخــــولين بقـــوة القانون، للتدخل من أجل حماية الطاقــم، فيكتفون بالمعاينة والتبليغ عن الحوادث فقط. بدر الدين عتيقي رجل أمن وحيد للحراسة عاينت "الصباح" خلال زيارتها لمستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي، حضور رجل أمن وحيد، يرابض عند مدخل قسم المستعجلات، إلى جانب الحراس العاملين في شركة خاصة، تؤمن أيضا خدمات النظافة في المستشفى، وهو الأمر الذي علقت عليه إحدى العاملات في المستشفى بسخرية، باعتبار أن عنصرا واحدا لن يستطيع حماية الطاقم الطبي لمستشفى يستقبل مئات المرضى يوميا، موضحة أن الأمني الموجود، غالبا ما يرتبط حضوره بأوقات ذروة عمل المستشفى، وكذا بعض الأعياد وخلال الزيارات الملكية.

مستشفى محمد الخامس… “الخصاص عذب الناس”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال المتهم الرئيسي في قضية "نادلة مكناس"

"الحنش" ... حياة الأمنيين بصيغة فكاهية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات