أكد منتصر حمادة، الباحث المتخصص في الشأن الديني ورئيس تحرير مجلة "أفكار"، وجود تعامل استثنائي للمغاربة مع رمضان، تقف وراءه خلفيات دينية انضافت إليها أخرى ثقافية واجتماعية وعرفية، معتبرا أن عدم انعكاس الصيام على السلوكات في الشارع، معضلة أخلاقية وليست دينية. الملاحظ في المغرب وجود تقديس استثنائي أو مفرط لشعيرة الصيام مقارنة بباقي الفرائض الإسلامية، فبماذا يمكن تفسير ذلك؟خلفية هذا المشهد مركبة، فيها ما هو ديني صرف، وفيها ما هو ثقافي واجتماعي وعرفي وغيره، ولكن الأولوية أو أرضية هذا التفاعل الذي وصفتموه بالمفرط أو التقديس الاستثنائي، مردها النصوص الدينية المقدسة والمؤسسة عند المسلمين، تلك المرتبطة بالصوم، باعتباره فريضة، وليس ترفاً دينياً أو اجتماعياً. فإضافة إلى النصوص القرآنية التي تطرقت لفريضة الصوم، هناك ميزة أساسية خاصة بالصوم، لا نجدها مع فريضة الصلاة أو الزكاة أو الحج، وتم التطرق إليها في حديث قدسي شهير، جاءت صيغته المتداولة كالتالي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، وهذا التميز التعبدي الخاص بالصوم، يُضفي ميزة نوعية على التعامل المفترض مع فريضة الصوم.هذا الحديث القدسي جوهري ومفصلي في معرض الحديث عن تفاعلنا مع الصوم، بصرف النظر عن أن الصوم جاء في ديانات سابقة، وبصرف النظر أيضاً عن كون الصوم، من الناحية المادية، أصبح أحد أبواب الاستشفاء في الغرب. ولكن الأمر يتجاوز مجرد التعبد وأداء فريضة، إلى طقوس استعراضية جماعية وإقبال على الأزياء "الدينية" والفتاوى وملاحقة نجوم الأئمة، سيما في السنوات الأخيرة، ما يوحي بأن التغير طارئ وليس قديما، وبالتالي أليس للأمر خلفيات من خارج النص الديني؟ إن الحسم في هذا السؤال يتطلب إجراء مقارنات بالأرقام عن واقع المساجد والتراويح والأزياء الدينية في المغرب، بين الأمس واليوم، بين سنوات ما بعد الاستقلال مثلاً واليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد السكان في ارتفاع، وعدد المساجد بالكاد يوازي متطلبات ارتفاع نسبة السكان في المدن والقرى، والأخذ بعين الاعتبار أيضاً الدور النسبي للفضائيات والقنوات الدينية التي تستعرض وتتطرق لهذه الظاهرة. ولا ننسى دور وتأثير ما يمكن الاصطلاح عليه بـ"نجومية القراء"، من طينة القزابري والعيون الكوشي والعديد من الأسماء، كما لا ننسى أن المغرب بالذات، هو الذي يتميز بتنظيم الدروس الحسنية الرمضانية، وهذه لوحدها ظاهرة علمية/ دينية، تضفي الكثير من الإشعاع الديني على صوم المغاربة، على الأقل منذ إطلاق هذه المبادرة في عهد الملك الحسن الثاني.والخلاصة هنا أن هذا التعامل الاستثنائي للمغاربة مع شهر رمضان مسألة متجذرة وطبيعية، وليست طارئة، ولكن المستجد أنها تتضخم اليوم بسبب العوامل سالفة الذكر. رغم مظاهر التدين في رمضان، يلاحظ أن الأمر لا ينعكس على السلوك الأخلاقي، إذ ينتشر العنف و"الترمضين"، وبالتالي هل نفترض أن تقديس رمضان قسري، ووراءه، مثلا، تدخل المشرع عبر القانون الجنائي لفرض الصيام؟ هذه معضلة أخلاقية وثقافية أساساً وليست معضلة دينية بالدرجة الأولى، رغم أن الدين كله أخلاق، بتعبير الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، ولكن هذه الممارسات تسقطنا في فصل الأخلاق عن الدين، وهذه ميزة خاصة بسكان منطقة المغرب الكبير، وقد سبق لعالم الاجتماع الفرنسي بول باسكون أن اشتغل على هذه الازدواجية التي أصبحت لصيقة بنا، وتفسر هذا التناقض الرهيب في وجود هذه الممارسات المعادية للدين، في عز رمضان.أعتقد أنه لو كان سؤال الأخلاق والتربية والخطاب الدعوي الذي ينتصر للترغيب، وغيرها من المُحددات، حاضرة في التعليم والإعلام والأسرة، لما اضطررنا إلى لجوء المشروع إلى فرض الصيام دون غيره من الفرائض في القانون الجنائي. نقول هذا أخذاً بعين الاعتبار أن حرية المعتقد في الإسلام لا تضاهيها حرية في باقي المجالات التداولية، لكن نسب الأمية والجهالة والتطرف والفتن السائدة اليوم، لا تخول لنا الانتصار لمقتضى تلك الحرية، وبالتالي يُراهن عقل الدولة حالياً ومؤقتاً على البوابة الجنائية من أجل المساهمة في ضبط الأمور.أجرى الحوار: امحمد خيي(*) باحث في الشأن الديني