موائد انتخابية ورياء وتباه

سلوكات تفقد شهر الصيام غاياته المثلى وتحوله إلى مناسبة للاستغلال السياسي وخرق القانون رائحة التوابل و"القزبر" و"الكرافس" وزيوت قلي السردين تغلق منافذ الأوكسجين بالزقاق الضيق وسط المدينة القديمة بالبيضاء، حيث تضع مجموعة من الشباب، تساعدهم فتيات محجبات، لوضع الترتيبات على خيمة صغيرة تتوسطها خمس طاولات بلاستيكية بأحجام مختلفة معدة لإفطار جماعي لمحتاجين ومتسولين وفقراء.خلف الخيمة مباشرة، تتفقد طاهية في عقدها السادس طنجرتين كبيرتين من "الحريرة الحمراء" موضوعتين فوق فرني غاز، وبجانبها مساعدتها تستعد لرمي دفعة جديدة من سمك السردين في زيت مغلى، وقربها صحن كبير من سمك مكتمل الطهو، وعلى يمينها علبتا كارتون متوسطتان توجد في الأولى حبات خبز صغير (بتي بان)، وأخرى خبز عاد من نوع "باريزيان".الساعة تشير إلى السادسة والنصف من أول أيام رمضان. مازالت مجموعة الشباب والفتيات بحجاب يتنقلن، بخفة، من خلف الخيمة إلى وسطها لجلب أوان مختلفة عبارة عن "زلاليف" ومعالق وصحون صغيرة وقارورات ماء معدني وبيض مسلوق، وترتيب كل ذلك فوق الطاولات، بشكل يحصل كل مستفيد على حصته من وجبة الإفطار."مطلوب منا أن ننتهي قبل نصف ساعة تقريبا من موعد أذان المغرب، من أجل استقبال المستفيدين ومساعدتهم على إيجاد أماكنهم ومساعدة بعض العجزة والمعاقين والمرضى منهم على الجلوس"، يقـــــــــــــــول الشاب ذو اللحية المشذبة، ويسترسل "بعد الصــــــــلاة مباشرة، يشرع أعضاء اللجنة التنظيمية في جلب أواني الحساء وأطباق السمك وأباريق القهوة وبراريد الشاي"."إنها مائدة الرحمان الرابعة على التوالي التي ننظمها في هذا الحي الفقير"، يضيف الشاب الذي بدا من كلامه أنه المنسق المسؤول عن العملية، مؤكدا أن الخير والإحسان والصدقات ترفع مباشرة إلى رب الرحمان في هذا الشهر الكريم.وليست "الحسنات والأجر المؤكد"، ما يحرك بعض منظمي موائد الرحمان التي تنتشر مثل الفطر في أحياء البيضاء، بل هناك مآرب أخرى، يفرضها سياق موسوم بقرب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، إذ أغلق عدد من المترشحين المحتملين أزقة وشوارع بخيام ونصبوا الطاولات وجندوا الطاهيات والمتعاونين وعبؤوا ميزانيات ضخمة في سبيل ضيوف الرحمان اليوم، وضيوف صناديق الاقتراع غدا.في رمضان، يرتفع منسوب كل شيء تقريبا. ويخيل لك أن المغاربة تركوا أعمالهم ودراستهم وأشغالهم وإداراتهم وتفرغوا إلى العبادة والصلوات الخمس والتراويح، والإقبال على أنواع الأكل والملابس والعطور وشراء السجادات والمصاحف، مع العلم أن خير العبادة ما اقترن بالكد والعمل والبحث عن الرزق، مصداقا لقول الخليفة عمر بن الخطاب (ض) الذي نهر مصليا سأله عن مصدر رزقه وهو الذي يقضي سواد يومه في المسجد، فأجابه أن أخاه يحطب ويبيع ما حطب ويعطيه نصيبا، فقال له ابن الخطاب "إن أخاك أعبد منـــك".وعادة ما ترافق هذه السلوكات، مظاهر الرياء وتأليه الأنا وتحويل شهر المحبة والغفران، إلى مناسبة لاستعراض أنــــــــــواع المـــــلابس والجــــــــــــلاليب والقفــــــــــاطن و"العبايات" وارتداء الحلي والتفاخر بالسيارات التي ترابط مثل "تماسيح" أمام المساجد، أو الاعتداد بالخادمات اللواتي يتكلفن بحمل السجادات ومرافقة الأطفال، والانتظار إلى حين الانتهاء من "صلاة التراويح".باسم رمضان، تفرض حالة طوارئ في عدد من الأزقة والشوارع التي تخرج منها "كاراجات" صغيرة تحول في رمشة إلى مساجد تقــام فيها الصلوات الخمس وصلاة التراويح، علما أن مجموعة من هذه "المحلات" لا تبعد إلا بأمتار عن مساجد رسمية فسيحة ومجهزة ومقسمة إلى جناحين، واحد خاص بالرجال والثاني خاص بالنساء...ولا تملأ في أغلب الأحيان.لكن الرغبة في تقريب العبادة من "الصائمين الكسالى" تعطي مبررا لهذه "الكراجات" التي لا يكتفي القائمون عليها بتجهيزها بمكبرات صوت عالية، بل يغلقون الطرقات وممرات الراجلين ويمنعون مرور سيارات الإسعاف ورجال المطافئ عبر نصب خيام في الشارع مخصصة للنساء المصليات، وهي الخيام التي تبقى في مكانها لمدة 35 يوما (ثلاثة أيام قبل رمضان، ويومان بعد انتهائه).في بعض المدن، يتنافس بعض الأئمة والمحسنين على فتح أكثر من "كاراج" في الزقاق نفسه وتنصب أمامها خيام وموائد للرحمان، في تنافس "غريب" قد لا يفهم دائما أنه في سبيل الله.يوسف الساكت

موائد انتخابية ورياء وتباه

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شهادات

ثلاثة أسئلة: تقديس الشهر الفضيل بدأ يتضخم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات