يحفظ المحلات التجارية والمحلبات ومقاهي دائرته أكثر من أسماء أبنائه الستة من زوجته السابقة التي كتب باسمها شقة "هوت ستوندين" بوسط المدينة. أكثر ما يستهويه جولاته المنتظمة بالسوق الكبير الذي يضم محلات لبيع السمك والتوابل، و"موالين الدجاج" ومحلات الجزارة وبيع الخضر والفواكه، التي يلقي على أصحابها السلام فيردونه عليه بأكياس بلاستيكية مخبأة بعناية تحت "الكونطوارات" يتكفل حمالون بإيصالها لسيارة الخدمة بحرف الجيم الأحمر الفاقع خلفها. أما أصحاب المقاهي والمطاعم ومحلات الأكلات السريعة، فلا يقبل بأقل من إتاوات منتظمة تصله نهاية كل شهر، اتقاء لشر زياراته المباغتة مصحوبا بعون قضائي وشهود من الجماعة ويحمل في يده محضرا كبيرا لتسجيل المخالفات، وفي بعض الأحيان يركن سيارة "هوندا" أمام المحل المعني، استعدادا لمصادرة البضائع أو المواد الفاسدة.لا تخطئه العين، بقامته القصيرة ووجهه الحليق ورأس نصف أصلع وبذلته الزرقاء التي تبدو أكبر من مقاسه. يعرفه التجار من سنوات ويعرفون طباعه ومزاجه الحاد، لكن يعرفون أيضا ميوله الفطري لغض الطرف عن أنواع الغش والتدليس في المواد الغذائية والمواد الفاسدة، مقابل ملء صندوق سياراته بكل ما لذ وطاب كلما حل بالسوق الشعبي.يلقبه التجار بـ"السيزو"، أي المنشار، لاستفادته في كل الأحوال، سواء أثناء "طلوعه" الدرج لتفقد دكاكين الفواكه الجافة في الطابق العلوي، أو في "نزوله" إلى البهو، حيث تصطف محلات الجزارة وبائعي الدجاج والسمك. "طالع واكل نازل واكل"، يقول تاجر.نظريا، يشتغل صاحبنا مسؤولا في قسم لحفظ الصحة مهمته إنجاز دوريات مراقبة للمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم ومحلات بيع المأكولات الخفيفة التابعة لمنطقة نفوذه، وضبط المخالفات ومصادرة المواد الفاسدة أو منتهية الصلاحية وتحرير محاضر بذلك، وأحيانا إصدار قرارات إغلاق في حق المخالفين بتنسيق مع المصالح الإدارية المختصة.لكن عمليا، لا يأبه "السيزو" إلى كل هذه المسؤوليات التي يعتبرها مجرد شكليات يتوارثها الرؤساء منذ سنوات. فالأهم بالنسبة إليه، على المدى القريب، أولا، استعادة مبلغ 5 ملايين سنتيم الذي ضخه في حساب إلى رئيس الجماعة، مقابل موافقته على تعيينه في هذا المنصب، وعلى المدى البعيد، تعويض سنوات الجوع والفقر والضياع، موظفا في السلم الخامس يتقاضى أجرة هزيلة ينهشها أصحاب القروض بمجرد أن تسقط في الحساب البنكي.لا يخفي "السيزو" آثار النعمة الذي بدأت تظهر عليه، بل يتباهى أمام زملائه بانتقاله إلى شقته الجديدة وسط المدينة، وتغيير سيارته المتهالكة بأخرى دفع ثلثي ثمنها "كاش"، وابنه البكر الذي يتابع دراسته بمعهد خاص بفرنسا.خلال يومين، فاجأ زميله في المقهى بقرار وضع طلب للمغادرة الطوعية من الوظيفة العمومية، بعد أن وضع اللمسات الأخيرة على مشروعه التجاري بحي راق بالمدينة. اندهش الزميل لقرار "السيزو" الذي لم ينتظر سماع رده، بل وقف وأخرج من جيبه ورقة بقيمة 50 درهما رماها فوق الطاولة، ثم غادر إلى جولة أخرى بالسوق الأسبوعي. ي.س