محيط المدارس… فضاء لتكوين المدمنين

اغلب الأطفال المدمنين يتحولون إلى مجرمين ويلتحقون بشبكات منظمة الحديث عن ظاهرة إدمان الأطفال على المخدرات يمكن أن يحظى إما بالتصديق أو التكذيب، إلا أن أغلب من ستناقش معهم الموضوع يواجهونك بلازمة "مستحيل الأطفال إديروها" اعتبارا لأن الأطفال في هذه المرحلة يكون همهم الوحيد هو اللعب وتعلم أبجديات المعرفة، لكن يكفي أن تقوم بجولة استطلاعية بمحيط المدارس الابتدائية لتتضح لك الصورة الصادمة حول ظاهرة "تعاطي الأطفال للمخدرات" التي لا يمكنك تصديقها إلا إذا رأيتها بأم عينيك، لأنه ليس من رأى كمن سمع.فبمجرد اقترابك من محيط المدارس الابتدائية ستصاب بالدهشة من هول الصدمة، كيف لا وصورة أطفال في سن العاشرة والثانية عشرة يجتمعون على شكل مجموعات متفرقة، وهم منهمكون في استهلاك أنواع مختلفة من المخدرات. حب الاكتشافلم يكن أنس، تلميذ في المدرسة الابتدائية بالحي الحسني يظن أنه سيصير يوما مدمنا على التدخين واستهلاك الحشيش و"السيلسيون" إلى أن جاء ذلك اليوم الذي وجد فيه بعض أصدقائه من الحي متحلقين بالقرب من باب المدرسة وبالضبط بجنباتها الدافئة والمشجعة على كل الأنشطة المحظورة. وبمجرد الاقتراب منهم وتحيتهم أثاره منظر انخراطهم في تدخين المخدرات، ماجعله يرغب في اكتشاف هذا العالم الغريب.وأضاف أنس في حديث مع "الصباح"، "إدماني على المخدرات كان سببه الفضول، في البداية هالني منظر بعض أصدقائي وهم يدخنون تلك المخدرات بنوع من الافتخار، فأردت أن أجرِبها أنا أيضا لأثبت لهم رجولتي. وبمجرد ما منحوني فرصة مشاركتهم تناولها حتى شعرت بالنشوة والسعادة، رغم أنه سيطر علي السعال وكدت أختنق".من جهة أخرى حكاية دخول محسن عالم الأطفال المدمنين على المخدرات، تختلف كثيرا عن أنس الذي يوجد في مدرسة ابتدائية، فمحسن الذي يتابع دراسته بالسنة أولى إعدادي لم يكن أصدقاؤه في الدراسة هم من جعلوه ينخرط في نادي "الأطفال والمخدرات"، بل وقوفه بمحيط المؤسسة في أوقات الفراغ أو عندما يغيب أستاذ ما جعله يلتقي صدفة مع أحد الأشخاص الأكبر منه سنا، وبعد حديث تعارف، بدأ الشخص الغريب يزرع فكرة الانضمام إليه في تجربة استهلاك المخدرات. وأضاف محسن الذي امتنع في البداية عن سرد حكايته، لكن بعد أخذ ورد في الكلام بدأ يسترسل في الحديث، أنه بعد التعرف على الشاب العشريني بدأ يغريه بمغامراته في عالم المخدرات، عن طريق مده بمخدر الحشيش إلى أن اعتاد عليه وصار يبحث بأي طريقة كانت لشرائه من الشاب الذي لم يعد يمنحه له بالمجان كما حدث في السابق. أساليب الاختراقكشفت مجموعة من التلاميذ المتعاطين للمخدرات أن أغلبية الأطفال المدمنين الذين يتحولون من بعد إلى شباب مجرمين هم ضحايا شبكات منظمة، تشتغل بشكل دقيق وتصطاد "ضحاياها" بشكل مدروس بمحيط المدارس.وتعتمد هذه الشبكات حسب ما حكاه لنا بعض التلاميذ سواء منهم المدخنون أو غير المدخنين، على البحث عن ضحية، فتاة أو شاب له معارف وشعبية في وسطه، ثم تمكينه من بعض الكميات المخدرة مجانا، ليتعاطاها، وما أن يصبح مدمنا، حتى تبدأ المرحلة الثانية من الخطة، ليفرض عليه الالتحاق بالشبكة عن طريق إغرائه بالاستفادة من امتيازات خاصة، ليروج المخدرات داخل أوساط معارفه.محمد بها "البــزناســة" من ضمن الأسباب التي ساعدت على انتشار المخدرات وسط شريحة التلاميذ، هو اقتحام المروجين للمؤسسات التعليمية، هذه هي الخلاصة التي وصلت إليها جمعية قافلة لا للقرقوبي، كما أكد رئيسها عبد الصمد تحفي، مضيفا أن المروجين لم يكتفوا فقط بالجامعات والمعاهد الكبرى، بل اقتحموا قلاع الثانويات والإعداديات، واستهدفوا الأطفال الصغار والمراهقين على وجه الخصوص. والأخطر من ذلك، يقول الجمعوي نفسه، إن مروجي المخدرات جندوا التلاميذ أنفسهم لترويج المخدرات، واستعانوا في ذلك بعدد من قدماء التلاميذ الذين غادروا المؤسسة بسبب الهدر المدرسي، و"هذا ما عايناه ميدانيا وداخل مجموعة من المؤسسات التعليمية الخاصة والعمومية". وعادة ما يبدأ الإدمان عند هذه الشريحة بالتغرير، حسب تحفي، مشيرا إلى أن التلميذ المروج يحرض صديقه في البداية على تدخين سيجارة، ثم ينتقل إلى دعوته لتجريب المعجون للضحك فقط، غير أن هذه المادة تخلط عمدا ب"القرقوبي" المطحون، دون أن يدرك التلميذ ذلك، الذي ينتقل إلى "الكالة"، "وسرعان ما يصبح ضحية إدمان، وعوض أن يبحث عنه المروج يصبح هو من يبحث عنه، للحصول على مخدر أقوى لعلاج صداع الرأس، فيتحول بشكل رسمي إلى مدمن على "القرقوبي" و"الحشيش"". ورغم أن الإدمان ظاهرة اقتحمت المؤسسات التعليمية الخاصة والعمومية، إلا أنها في القطاع العام أكثر حدة من حيث درجة الانتشار، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث يكثر مروجو "المعجون" و"الكالة" والحشيش و"القرقوبي"، حسب ما أكده رئيس الجمعية نفسها، مضيفا أن الإقبال في المؤسسات الخاصة أكبر على الكوكايين و"الإكستازي" والتنبر"، غير أنه "في هذه الأماكن الترويج يكون أوسع في الحفلات الخاصة التي ينظمها التلاميذ وفي العلب الليلية التي يرتادونها وفي أعياد الميلاد". وما تجب الإشارة إليه، يضيف تحفي بإلحاح، هو "أننا دخلنا مرحلة خطيرة جدا، إذ أصبح انتشار المخدرات كبيرا في الإعداديات، ففي السابق كنا نجد حالات قليلة في هذه المؤسسات وترتفع تدريجيا في الثانويات، لكنها اليوم تساوت وأصبح عدد المدمنين في الإعداديات مثله مثل الثانويات، خاصة في السنتين الأخيرتين من التعليم الإعدادي". وكانت الجمعية ذاتها طالبت بخلق شرطة المدارس، قبل أن تدرك أن محاربة هذه الظاهرة لن تكون منوطة بالأمن فقط، "وصلنا إلى خلاصة مفادها أنه لا يمكن الاعتماد على المقاربة الأمنية وحدها، خاصة ونحن نعلم الإكراهات التي تعيشها الدوائر الأمنية بسبب الخصاص في الموارد البشرية وفي التجهيزات". ضحى زين الدين

عماري يحتجز 49 مليارا مخصصة للمقاطعات

60 % من سلع السوق غير المهيكل لا تخضع للمراقبة

مقالات ذات صلة