المنتحرون احتراقا بين الشرع والقانون

الدين يجرم الانتحار وتوجه قضائي جديد لمعاقبة مضرمي النار توحد الفقهاء في اعتبار الانتحار من أعظم الكبائر بعد الشرك بالله، واعتبروا وزر المنتحر أعظم من الذي يقتل غيره، لأن المنتحر "متعد وزيادة". وخلاصة موقف الدين أنه مهما عظُم السبب فإنه لا يبيح الانتحار. وإذا كان هذا موقف الدين من الانتحار، فإن القانون الجنائي لا يعاقب على محاولة الانتحار، واستمر هذا التوجه قضائيا إلى أن اتخذ الانتحار صورة من صور الاحتجاج، وتحول إلى مشاهد مثيرة أمام البرلمان، أو في الشوارع العمومية وأيضا الساحات التي تعرف اكتظاظا، أو بوابات الإدارات العمومية.فالذي نفذ في نفسه الانتحار، لا يمكن أن تنزل عليه أي عقوبة، لأنه تحول إلى جثة هامدة، أما الذي فشل في تنفيذ الانتحار لسبب من الأسباب، فقد أصبح يواجه تهما خطيرة، سيما بالنسبة إلى مستعملي البنزين والنار في محاولات الانتحار.فإذا كان القانون الجنائي يجرم المحاولة في ارتكاب الجنايات، ويعرفها بأنها الشروع المادي في تنفيذ الجريمة، ويعاقب عليها بالعقوبة نفسها للجريمة التامة، فإن الانتحار، أصلا، ليس جريمة يعاقب عليها القانون، لأن فلسفة العقوبة هي الردع الخاص قبل العام، ومتى كان المنتحر قد فارق الحياة، فإنه لا يتصور أن تنزل عليه عقوبة، ومن هنا، فإن محاولة الانتحار، بدورها ليست جريمة، رغم أن منفذها ظل حيا ولم تتحقق رغبته، إذ لا يتصور عقاب لجريمة غير منصوص عليها في القانون، فالأصل "أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص".ومع تنامي حوادث الانتحار احتراقا، باستعمال سوائل قابلة للاشتعال، تغيرت نظرة وملاءمة النيابات العامة لهذه الجريمة، وأصبحت تزج بأصحابها ممن فشلوا في تحقيق غايتهم بالموت البشع، في السجون، لكن ليس بتهمة محاولة الانتحار بل بتهمة إضرام النار عمدا، وهي الجناية التي يعاقب عليها متى تحققت، كما يعاقب القانون عليها متى انطلق الشروع في تنفيذها، ولو أنها لم تتحقق لسبب من الأسباب. فإضرام النار للانتحار أخذ منحى جديدا، بعد تعدد الحالات التي تتم أمام المؤسسات العمومية والتي قد تلحق أضرارا بالبنيات وبالأشخاص المحيطين.ومن السوابق القضائية التي أدين فيها أشخاص حاولوا الانتحار احتراقا، تلك التي دارت أطوارها بالمحكمة الابتدائية بالرباط، إثر اعتقال مفتش شرطة ممتاز، حاول الانتحار بإحراق ذاته أمام باب رئيس المنطقة الإقليمية للأمن بالخميسات.وهو الحكم الذي أدين فيه محاول الانتحار احتراقا بسنة واحدة حبسا نافذة بتهمة "محاولة إضرام النار في نفسه وفي مرفق عمومي". أشارت المحاضر المنجزة، حينها، إلى أن محاولة الانتحار ترجع إلى ما اعتبرها المتهم/ الضحيىة في الآن نفسه، "الظروف الاجتماعية والنفسية والمادية المرتبطة بأسرته والتي لها ارتباط بتنقيله من مفوضية الشرطة ببني أنصار إلى المنطقة الأمنية بالخميسات. وتطبيق جريمة إضرام النار أو محاولة ارتكابها، تنبني أساسا على توفر أركان الجريمة، وتعليل الحكم تعليلا صحيحا، وإلا تعرض للنقض، إذ أن الفصل 580 من القانون الجنائي عدد الأشياء المعاقب بمقتضاها على إضرام النار فيها عمدا، والمحكمة ملزمة بأن تبرز ما إذا كانت الأشياء التي أضرمت فيها النار عمدا، من جملة الأشياء الوارد تعدادها حصرا في هذا الفصل، سيما أن الفصل 370 من قانون المسطرة الجنائية ينص على أن الأحكام والقرارات تكون باطلة إذا لم تكن معللة. المصطفى صفر

المنتحرون احتراقا بين الشرع والقانون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

متابعة طالب قاعدي بتهمة إضرام النار

تنقيط روتيني يوقع بنصاب "أفيتو"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات