المغاربة والعنف باسم الدين

مارسوه باسم الإصلاح الاجتماعي والتطرف بضاعة مشرقية دخيلة مسنودة دينيا العنف ظاهرة شمولية عرفتها كل المجتمعات البشرية وعبر مختلف الحقب التاريخية، وعلى هذا الأساس اكتسى المفهوم طابع النموذج الثقافي السائد داخل هذه المجتمعات، بما في ذلك المرتكزات التي يستند عليها لتبرير ممارسته واستمراره، سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. العنف على قاعدة الإصلاحيرى الباحث محمد مرجان، في سياق تصاعد العنف المسنود بالمبررات الدينية، وانتشاره على أوسع نطاق على الأقل بالنسبة إلى العالم العربي، أن التجربة المغربية تشكل شبه استثناء في هذا المجال.ويوضح مرجان أن الاعتراف بالوجود التاريخي للعنف يتحدد أساسا بطابعه الاجتماعي والذي يجري في اتجاه الأفراد من قبل الدولة أو السلطة الحاكمة، وكان يقوم حسب المقتضيات العقابية الخاصة بقضايا القتل والدين والجنح (السرقة والسكر والدعارة).ويضيف الباحث في علم الاجتماع أن العنف كان يمارس على قاعدة الإصلاح الاجتماعي، ويستشهد في هذا السياق بما قاله المؤرخ مارمول كارباخال في كتاب "وصف إفريقيا" الذي جاء فيه أنه "في منتصف القرن 16م عرف المغاربة سجنين: أحدهما مختص في قضايا التهرب من أداء الدين الواجب والجنح العادية، والآخر خاص بالمجرمين والقتلة، ومصير هؤلاء كان إما أن يسلموا إلى ذوي الضحايا كي يقتصوا منهم، أو يعفوا عنهم مقابل تعويض مادي (القصاص أو الدية)".ويضيف كارباخال أن "المتهم بعد إدانته، في تلك الفترة، كان يطوف في شوارع فاس عاريا مقيد اليدين أو مصلوبا على لوحة صارخا بأعلى صوته ومبررا دوافع الحكم الذي صدر في حقه، فيقاد إلى الساحة العامة، حيث يذبح أو يشنق أو يلقى به على مسامير بارزة وطويلة، وتبقى جثته ملقاة بالمكان نفسه لمدة ثلاثة أيام عبرة لمن يعتبر". سند العنف الدينيأما الجانب الآخر الذي يستند عليه العنف الرسمي، فهو الأساس السياسي، أي الشخصيات أو الجماعات التي تخرج عن الإجماع وتتملص من أداء الواجبات (الضرائب) أو تنافس شرعية الدولة. وفي هذا يكون العنف أشد وقعا وأكثر فظاظة وذلك حينما يتم قطع الرؤوس وفصلها عن الأجساد، ورمزية هذا الأمر في هذا السلوك هو الاعتراف أن الجاني مات "ميتة الجاهلية" أي بعيدا عن الجماعة وعن السلطة الشرعية وعن الطاعة الواجبة.ويستحضر صاحب كتاب "مقاربة سوسيولوجية لآليات التغير الاجتماعي بالمغرب" مفهوم "السيبة" الذي يعتبر أنه يعكس منظومة تبريرية لاستخدام العنف بكل تلويناته ضد كل من يفكر بمواجهة السلطة القائمة، مشيرا إلى أن هذه الثقافة الزجرية ضد المعارضة السياسية عرفتها تقريبا كل الشعوب بأشكال ودرجات متفاوتة، لكن ما يميز المغرب هو أنه لم يحمل في طريقة تعامله مع المعارضة المبررات الدينية.وينبه مرجان إلى أنه لا ينبغي أن نقارن ما حدث في المغرب خلال هذه الفترة، مع الأحداث التي عرفتها أوربا، في ما يعرف بالعنف الديني الخاص بمحاكم التفتيش، وإن كانت حركة البورغواطيين تمثل نوعا من الاستثناء في إطار المواجهة بين المد المالكي السني والبورغواطية باعتبارها حركة خارجة عن الإسلام. واقع العنف الديني في المغربواقع العنف هذا لم يشمل كل الفترات التاريخية اللاحقة، وكانت التنازلات الذكية التي يقدمها علماء السنة في وجه بعض السلوكات الدينية المتطرفة هي في أساس نجاح التوافق الديني الذي طبع المجتمع المغربي لعقود طويلة.وأشار مرجان إلى أن الاستعمار الفرنسي حاول أن يؤجج لغة العنف بين التدين الشعبي المتمحور حول الزوايا والأضرحة وبركة الأولياء، والدين العالم العقلاني بالتعاليم المنطقية بالسلفية المتنورة التي كانت تشكل خطورة على وجوده، لكن لم يصل الأمر إلى حد القتل وقطع الرؤوس والتنكيل بأعراض الناس وشرفهم، إذ يؤثر عن هذه المرحلة أن شيخ زاوية كفّر عالم دين واعتبره خارج ملة الإسلام، حتى ولو كان الأمر لدى بعض السلفيين يحتاج إلى نقد منطقي لبعض سلوكات أهل الزوايا والذي قد يصل في بعض الأحيان إلى حدود "التخوين" من منطلق الغيرة الوطنية والإخلاص للوطن أكثر من الاعتبار الديني.فالعنف المبرر اجتماعيا وسياسيا كان معروفا في مجتمعنا، أما العنف المسنود دينيا والقائم على التطرف والمغالاة، فهو دخيل علينا ويشكل في الحقيقة جزءا من الثقافة الشرق أوسطية التي أصبحت تحاصر المغاربة، عن طريق الإعلام، في عقر دارهم. أحداث معزولة لم تلجأ الدولة في المغرب إلى العنف المبرر دينيا حتى في الحالات التي كانت تفرض مثل هذا التوجه، دون إغفال بعض الحالات المنعزلة يكون فيها الدين سندا لطبيعة العنف المستعمل، منها فترة حكم السلطان المولى إسماعيل، وحدث أن تناهى إلى علمه بأن قبيلة أمازيغية من مريدي زاوية العكاكزة كانت تجتمع موسميا لتمارس طقوسا بدائية يختلط فيها النساء بالرجال، ويتعاطون سلوكات خارجة عن ملة الإسلام، وبعد استشارة العالم الشيخ اليوسي، أمر بقتلهم "بعد التأكد من مروقهم وفسقهم". عزيز المجدوب

المغاربة والعنف باسم الدين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الزاير: الحكومة تغري النقابات بـ500 درهم "زرورة"

جغرافيا الإسلام المسلح عبر العالم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات