القري: امتهان التسول صفارة إنذار

< هل يمكن القول إن التسول أضحى مهنة تدر على محترفها مدخولا ماليا مهما، بالنظر إلى "إبداعات" المتسولين التي لا تنضب؟ < ينبغي القول إن التسول ظاهرة ارتبطت منذ القدم بالفقر وضيق ذات اليد، إلا أن قولا كهذا بالمطلق سيجعلنا نركب تبسيطية لا قوة تفسير لها، ذلك أن الفقر والحاجة وحدهما سيحتاجان عوامل أخرى لجعل التسول مقنعا لشخصية سوية بالمعنى النسبي للكلمة. أقصد أن كل من له قوة جسدية وكرامة وحس إنساني سليم لن يرضى بالتسول ولو أكره على ذلك. أما وقد أصبحنا نلاحظ انخراطا جماعيا بالآلاف في سلوك اجتماعي منحرف فذلك يدعو إلى تفكير أعمق سينتهي لا محالة إلى ربط هذه الظاهرة بتراجع الإحساس بالكرامة وعزة النفس والإحساس بالمسؤولية والوعي بالحق مقترنا بالواجب. فأن تتسول وأنت قادر جسديا لا يعني سوى قبول الذل وتسويغه بأفكار غير مقبولة بالمنطق الإنساني البسيط. أما الاندماج في التسول واتخاذه مهنة والإبداع في أشكاله بما فيها استغلال الأطفال والنساء والقاصرين وتنظيم هذا الشكل من الانحراف في تنظيمات منسقة، فإننا هنا أمام ظاهرة إجرامية لا أخلاقية مستفحلة هي عبارة عن صفارة إنذار قيمية وثقافية أيضا يمكن اعتبارها نتيجة لشبكة عوامل مركبة. < ما هي أبرز أسباب الظاهرة علما أن العديد من المتسولين حاليا يبدون قادرين على العمل لكنهم يفضلون التسول بدلا عنه؟ < ليس من السهل الخوض في تحديد الأسباب، والمجازفة بتحليل في غياب دراسات سوسيولوجية متقاطعة مع الأبعاد الاقتصادية والتربوية والثقافية، كل ما يمكن قوله انطلاقا من ملاحظات مرافقة لسنوات هو أن الأمر يتميز اليوم بانتشار التسول بين الأطفال والشباب والشابات، بل والرجال السليمين جسديا، إضافة إلى ما يمكن تسميته التسول العرضي (تقطاع الحبل) وهذا له دلالات خطيرة ليس أقلها ضعف البعد التعليمي والتربوي للمدرسة وللإعلام وللأسرة على القيم عموما التي نعلم جميعا أن وظيفتها التنشيئية والتأهيلية لشخصية المواطن المعتز باستقلاليته وبحريته الفردية قد ضعفت بشكل ملموس. ولعل من مظاهر هذا الضعف انتشار التسول الذي أعتبره نوعا من الذل والرضى به في نظام اجتماعي وطني كان ملؤه الأنفة والاعتزاز بالذات. < هل صحيح أن الإناث أكثر لجوءا إلى التسول؟ < نحن مرة أخرى أمام ذكورية مبالغ فيها تنتج أكاذيب لا تبرهن إلا على تجذر ديكتاتورية الذكر وليس الرجل. كان الذكور أكثر تفوقا في الدراسة وأكثر تفوقا في قيم الرجولة المرتبطة بالواجب والمسؤولية والتضحية والمثابرة، وكانت المرأة حينها بالبيت في الغالب، كما لو أنها معمل متعة وإنجاب وخدمة للآخرين. اليوم نشهد تحولا ملفتا يكمن في تفوق الإناث في الدراسة والواجب الوظيفي والمسؤولية والاستقامة، مقابل انتشار تسول الشباب الشداد الغلاظ والرجال السليمين الأقوياء مع بقاء العنف ضد النساء والتحرش بهن وتهميشهن في مراكز القرار والمسؤولية مع تسجيل التطور الطفيف الحاصل في المناصب الأقرب، بمنطقنا للدور الطبيعي للمرأة معالجة ومربية بالخصوص. إن قلنا إن النساء أكثر تسولا من الرجال فالشيء نفسه ينطبق على أنهن أكثر تعاطيا للشعوذة و"التبركيك"، أي أن قمع وظلم وتهميش واستغلال النساء هو ما يصنع منهن كائنات بدون كرامة، وبالنسبة إلي صار من الضروري التوقف عن إذلال المواطنين في عملهم ولقمتهم وتعليمهم وتثقيفهم كي يرفعوا عاليا هاماتهم. أجرت الحوار: هجر المغلي ادريس القري * (أستاذ باحث في علم الاجتماع، أستاذ فلسفة)

القري: امتهان التسول صفارة إنذار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأحياء الهامشية ... وجه واحد لعملة الإجرام

لقجع "يبهدل" بلخيضر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات