مسؤولية التدخلات الأمنية بين الحكومة والبرلمان

تطور أشكال الاحتجاج يفرض البحث عن بدائل لتدبير التوترات الاجتماعية والحد من السلطة التقديرية للإدارة في بعض الأحيان، يكون رجال الأمن أمام وضعيات غير مسؤولين عنها، فالأمن ليس مسؤولا مثلا عن مسببات الاحتجاج الاجتماعي الناتج عن فشل السياسات العمومية الحكومية، أو تخلف السياسة الاجتماعية للدولة أو فشل وزارة في إدارة ملفات قطاعات مهنية تابعة لها. ورغم ذلك فإن رجل الأمن سرعان ما يجد نفسه في مواجهة هذه الوضعيات. في قضية تعنيف الأساتذة المتدربين، يتهم البرلمان الحكومة بتعنيف المتظاهرين وترد الداخلية بأن تدخلاتها كانت مشروعة. وبين الموقفين تنبعث أطروحة جديدة حول تقييم التدخل الأمني العنيف في حق المتظاهرين، في وضعية غير قانونية لأنهم لم يحصلوا على ترخيص، وحول ما إذا كان انعدام الترخيص يجيز التعنيف، في ظل دستور مثقل بصك الحقوق والحريات، جعل المواثيق الدولية تسمو فوق التشريعات الوطنية.وبنفيه العلم المسبق بقرار التدخل الأمني ضد «أستاذة الغد»، يكون رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، قد خرق قاعدة دستورية أساسية، تقضي بتفعيل آثار قاعدة الحكومة مسؤولة بشكل تضامني عن العمليات الأمنية وحفظ النظام العام، ضمن ما يطلق عليه في الأدبيات الحقوقية بالمسؤولية الحكومية في مجال الأمن.إن تقييم التدخل الأمني يكشف أن الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة، يجب أن يفتح نقاشا واسعا حول حدود تدخل قوات الأمن في علاقة بطبيعة نشاط التدخل. وأول ملاحظة تثار في هذا الشأن، تكمن في قصور الإطار القانوني الحالي المنظم للتجمعات العمومية، في استيعاب أشكال جديدة من التعبيرات والممارسات ذات العلاقة بالحق في التظاهر السلمي، والتي تزايد اللجوء إليها، منها الأشكال الاحتجاجية الثابتة كالاعتصام واقتحام المرافق العمومية والوقفات السلمية.ونشير هنا إلى أن المشرع المغربي حدد، بموجب ظهير الحريات العامة 1958، ثلاثة أنواع من التجمعات العمومية، وهي الاجتماعات العمومية والمظاهرات بالطرق العمومية والتجمهر، إلا أن هناك أنواعا أخرى من التعبير الجماعي، كالوقفات الاحتجاجية والاعتصام صعُب على المشرع تنظيمها في قانون التجمعات العمومية، بالنظر إلى خصوصيتها، وتراوح تعامل السلطات العمومية معها، بين المنع أو التدخل العنيف أحيانا، باعتبارها نوعا من التجمهر، أو احتلالا غير مشروع للملك العام أو عرقلة للسير، وهو ما كان عليه الحال في قضية تعنيف الأساتذة المتدربين.الملاحظة الثانية، تكمن في المعنى الواسع الذي اتخذه مفهوم الحفاظ على النظام العام، فإذ كان السهر على استتباب الأمن والحفاظ على النظام العام، من الوظائف المركزية لرجل السلطة، وفقا لمقتضيات الفصل الثالث من ظهير 15 فبراير 1977، المنظم لاختصاصات العمال، فإن المطالب الاجتماعية لا يمكن أن تشكل مبررا لتدخل أمني عنيف، في حين أن التوسع في تأويل فكرة المس بالنظام العام قد تنتج عنه قرارات تشكل تهديدا للنظام العام نفسه. وهنا يمكن للإشراف السياسي على عمليات حفظ الأمن فوريا ومباشرا، وإعداد تقارير عن العمليات الأمنية وعما خلفته من خسارة وأسبابها، وإجراءات التصويب المتخذة، أن تشكل مدخلا لتضييق الخناق على كل التجاوزات المحتملة.إن ما وقع يتطلب فتح نقاش للبحث عن بدائل لتدبير التوترات الاجتماعية، ومنها حق الاحتجاج السلمي، قصد الحد من السلطة التقديرية للإدارة، وتقوية دور القضاء وتفعيل آليات الوساطة الجماعية، المحلية والإقليمية، التي وضعها المشرع لهذا الغرض.إحسان الحافظي

مسؤولية التدخلات الأمنية بين الحكومة والبرلمان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ارتباك في اختتام الدورة الخريفية للبرلمان

العماري غاضب على أعضاء حزبه بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات