“بيجيدي” بين الدين والسياسة… الجدل الملتبس

تجربة العدالة والتنمية تثبت أن رجال الدين قادرون على الابتعاد عن السياسة ورجال السياسة لا يريدون الفصل مع الدين بين الدين والسياسة جدل ملتبس لدى حزب العدالة والتنمية، فالحزب الذي بدأ حركة إسلامية وتحول إلى حزب يميني باحتوائه من قبل السلطة، سرعان ما استعاد خطابه الديني بعد أن تحول من حركة إلى حزب سياسي يشارك في الانتخابات ويقود الأغلبية الحكومية اليوم. تغير المواقف وازدواجية الخطاب وتداخل السياسي والديني لدى «بيجيدي» ظل مثار شك وريبة داخل المشهد الحزبي. اكتساح سياسي ومواكبة دعوية طيلة مراحل التكوين لم يتخل الحزب عن ازدواجيته في الخطاب والتنظيم والموقف أحيانا، فقد احتفظ بذراعه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح. في المواقف يلين تارة ويتصلب تارة أخرى، وقد يجمع بين الصفتين في الوقت نفسه، كما هو الشأن في الموقف من بعض القضايا الوطنية التي كان لقيادات العدالة والتنمية مواقف متعارضة بشأنها، وانتهت بتجميد عضوية أحد قيادات الحزب (عبد العزيز أفتاتي) بسبب مواقفه المزعجة للأمين العام ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. أما في الخطاب، فإن ما يؤاخذ على «بيجيدي» هو الازدواجية لأن الحزب الذي رفع شعار محاربة الفساد والاستبداد في الانتخابات التشريعية الماضية، سرعان ما استعاض عن شعاره بآخر عنوانه «عفا الله عما سلف».تنطبق حالة اللبس في غياب المسافة الفاصلة بين الدين والسياسة في ممارسات حزب العدالة والتنمية. فإذا كان رجال الدين قادرين على الابتعاد عن السياسة، وهي الدعوة التي حملتها رسالة ملكية رسمية إلى الوعاظ وأئمة المساجد بالابتعاد عن الخوض في أمور سياسية، فإنه من الواضح أن رجال السياسة لا يرغبون في النأي بأنفسهم عن الدين، لما يجنيه هذا المشترك العقائدي من مكتسبات سياسية على الفاعل الحزبي. ولعله المشترك نفسه الذي يدفع بعض الأحزاب منها حزب الاستقلال، إلى التذكير بين الفينة والأخرى بمرجعيته «السلفية» وبخطاب المحافظة الذي تأسس عليه الحزب منذ عهد الاستقلال.نموذج مشترك بين الحركة والحزب تختلف تجربة العدالة والتنمية عن تجارب باقي الأحزاب السياسية، فكثير من القطاعات كانت تخرج من رحم التنظيمات الحزبية، باعتبار أن الحزب سابق عن نشأتها غير أنه في حالة العدالة والتنمية يمكن القول إن الحزب هو من خرج من داخل القطاع الدعوي ما يجعل الحركة مؤطرة للمشروع السياسي لـ»بيجيدي»، ولعل هذه العلاقة هي مصدر التشويش التي تثير المخاوف لدى باقي الفاعلين الحزبيين، ولعل ما يعزز هذه الانتقادات التبريرات التي تقدمها الحركة نفسها بشأن هذه العلاقة، ومفادها أن «التصور المؤطر لمشروع الإصلاح المجتمعي للحركة يرفض اختزال مشروع الحركة في مجرد عمل سياسي انتخابي يتنافس مع الأحزاب السياسية الأخرى على مؤسسات التمثيل النيابي والجماعي أو المزاحمة على مواقع تدبير الشأن العام الحكومي والمحلي».يتعلق الأمر إذن، بإستراتيجية لا تقوم على تبادل الأدوار فحسب، بل تسعى إلى أن تجعل من الحركة رافدا من روافد الحزب، وهو ما يفسره وجود عدد من قيادات حركة التوحيد والإصلاح ضمن قيادة العدالة والتنمية بينهم وزراء في الحكومة الحالية كما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي الذي يشغل في الآن نفسه عضوا بالمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح. من هذا المنطلق تتضح خلفيات فكرة «الإيمان بدور العمل السياسي في تعزيز مسيرة الإصلاح الاجتماعي العام الذي حتم إيجاد مسار للمشاركة السياسية، يقوم على الانفتاح الواسع على المجتمع وتأسيس فضاء تلتقي فيه كافة الطاقات الراغبة في صياغة نموذج جديد في العمل السياسي». خلل في التنافس السياسي إن دعوة الأحزاب إلى رفع هذا الالتباس بين الحركي والدعوي في مشروع العدالة والتنمية لا يعني انسحاب الحركة من الحقل السياسي، وإنما توضيح العلاقة بين الدين والسياسة داخل الحركة نفسها، ما دامت أنها تقبل على نفسها لعب دور في الحياة السياسية بغطاء دعوي، لا شك أنه يخل بمبدأ التنافس السياسي بين الفرقاء لفائدة العدالة والتنمية.لقد وجد حزب العدالة والتنمية في ذراعه الدعوي، حركة التوحيد والإصلاح، منفذا إلى توظيف الدين في السياسة، وبذلك نجح في تجاوز حالة لا دستورية قد يقع فيها، لو جعل النشاط الديني غالبا في عمله السياسي. فالدستور الذي منح الأحزاب السياسية سلطة تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي لتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، منع أن تؤسس على أساس ديني. وبذلك فإن العلاقة القائمة التنظيمية بين الحزب والحركة الدعوية مكنته من تجاوز هذه الوضعية الملتبسة لعلاقة الدين بالسياسة داخل العدالة والتنمية، رغم أن صوت حركة التوحيد والإصلاح حاضر بقوة داخل مواقف الحزب إذ «لا أهمية لنجاح سياسي في غياب مواكبة دعوية»، من وجهة نظر الحركة. إحسان الحافظي

“بيجيدي” بين الدين والسياسة… الجدل الملتبس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيران يواجه مطالب المتدربين بـ"مجزرة"

الشبابيك الضريبية ترفض استخلاص واجبات "لافينييت"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات