3 أسئلة < هل لدى «داعش» مرجعية فكرية مميزة عن باقي الجماعات الإسلامية، أي ماذا يميز تأصيلها للعنف والجهاد؟< الأكيد أن لكل تنظيم مرجعية فكرية وهي التي تحدد هوية التنظيم وتحدد في الوقت نفسه الاختيارات الإستراتيجية والتكتيكية التي ينتهجها كما تحدد تصورها للعلاقة مع الآخر، لكن لا بد من الإشارة إلى مسألة أساسية، إن المرجعية الفكرية لا تصوغها النصوص الدينية بقدر ما هي نتاج تفاعل عناصر متعددة منها ما هو تاريخي وسياسي و ثقافي، لذلك لا نسلم بالخطاب الاختزالي الذي يصنف كل التنظيمات الإسلامية في خانة واحدة. والأكيد أيضا أن «داعش»، لا تمثل الثقافة الإسلامية لا من قريب و لا من بعيد، بل هي بالدرجة الأولى، تمثل ثقافة الأزمة التي وجدت الحاضنة الآسنة لها والتي مثلها الاستبداد السياسي، والهشاشة الثقافية والعلمية، الأمر الذي دفع إلى بروز هذه القراءة الشاذة للنصوص الدينية من خلال استحضار اجتهادات معينة مفصولة عن سياقها التاريخي.نحن أمام ظواهر إيديولوجية شاذة، فـ»داعش» والقاعدة، ومن على شاكلتهما، ليسوا مجرد تنظيمات بل حالة فكرية على هامش الحضارة، وبنيتها التصورية واحدة وإن اختلفت الإستراتيجيات و التكتيكات. < أعادت هجمات «داعش» في باريس، طرح مسألة الإصلاح الديني آلية أساسية لمواجهة الإرهاب، إلى أي حد يعتبر الأمر ضروريا وناجعا؟< في اعتقادي الإصلاح الديني تفرضه الحاجة الحضارية «للأمة الإسلامية»، فالأمر إذن يتجاوز مجرد التفاعل مع حدث إجرامي إنه فعل حضاري معرفي ينشد بناء إنسان مسلم مساهم في صناعة الحضارة المعاصرة بمقوماته الخاصة والتفاعل مع المنجز المعرفي، إنه فعل لتحرير الإنسان وتحرير الدين من سطوة الثقافة الاختزالية.وهذا الأمر يحتاج إلى جرأة معرفية وعلمية تعيد للفكر الديني حجمه الطبيعي، بوصفه منتجا بشريا يعتريه ما يعتري الفكر البشري من نقائص، وبالتالي تفتح إمكانية المراجعة والاستيعاب والتجاوز. قد يتطلب الأمر عقودا من الزمن لكنه المدخل السليم لحل مشاكلنا بما فيها التطرف و تعيد للمسلم فعاليته الحضارية، وتجعله في الوقت نفسه منخرطا في بناء مجتمعه ومتفاعلا مع قيم الحداثة. < ماهو تقييمك لتجربة المغرب في دمج الديني مع الأمني والتنموي في مقاربته ضد الإرهاب، وهل صرنا بمنأى عن «داعش»؟< صحيح أن المغرب أعطى الأولوية للمسألة الدينية في مقاربته لقضية التطرف، لكن اعتقد أننا لا نزال بعيدين عن سؤال الإصلاح الديني، ولعل عبارة إعادة هيكلة المجال الديني خير دليل على ذلك، فالأمر لا يخرج عن الإطار الأمني بما يعنيه ذلك من الرغبة في ضبط الحقل الديني في الإطار الرسمي والمؤسساتي (الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف على طريقة الجنيد)، دون أن يتجاوز إلى العمق إلى الأسئلة الأكثر إحراجا كالحرية والإبداع والتعددية.أما إن كنا بمنأى عن «داعش»، فالإجابة طبعا بالنفي، لأن الإرهاب ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية، ونحن نسمع كل يوم عن خلية تم تفكيكها هنا أو هناك، وإذا كان المغرب إلى حدود الساعة ناجحا على المستوى الأمني فإن الأمر غير مضمون، والحقيقة أننا أمام هذه الظاهرة كمن يعالج السرطان بالأسبرين، أي علينا أن نستأصل الخلايا السرطانية والتي ليست سوى الأفكار المسمومة.ولا يمكن ذلك إلا بالإصلاح الشامل وعلى مستويات عدة أهمها الإصلاح التربوي فمنظومتنا التربوية لا تزال رهينة أسلوب التلقي ولا تنمي في نفوس أبنائنا ملكة النقد والانفتاح والتعددية، إلى جانب الإصلاح السياسي وترسيخ قيم الديمقراطية، وإعادة الثقة في المؤسسات السياسية، لأن المستفيد الأكبر من حالة الإسفاف والرداءة الحزبية هي التنظيمات المتطرفة.أجرى الحوار: امحمد خيي* باحث في الفكر الإسلامي المعاصر، أنجز أطروحة الدكتوراه حول «النزعة الإنسانية في الفكر الإسلامي المعاصر»