سـاوتـومـي…شـغـف الـكـرة

الأسـود يـعـيـدون رئـيـس الـــبـلاد إلــــى الـمـلاعـبساوتومي جزيرة عدد سكانها 200 ألف نسمة، وتبتعد عن براسيبي بـ 160 كيلومترا بحرا، وكلاهما تخضعان لسلطة واحدة وعلم واحد . البرتغالية لغتهما الرسمية، وتشكل الإنجليزية والفرنسية اللغة الثانية والثالثة لسكان ساوتومي وبراسيبي.تنشط في جزيرة ساوتومي وبراسيبي مهن متعددة، بدءا بالتجارة والفلاحة، لكن يبقى الصيد البحري الأهم على الإطلاق. سفير وقنصل في الاستقبالكان في استقبال بعثة المنتخب الوطني في مطار ساوتومي، علي بوجي، السفير المغربي المعتمد في الغابون، وعلي شيري، القنصل الفخري في جزيرة ساوتومي، وهو لبناني يشرف على بعض أعمال المغرب، لهذا كانت تدخلاته مثمرة وحاسمة في مغادرة الوفد المغربي المطار بسلاسة، أثناء الحلول به في حدود الحادية عشرة من ليلة الخميس الماضي، وذلك بتوفير حافلتين للاعبين والصحافيين أقلتهم إلى فندقيهم في حدود منتصف الليل، واللذين لا يبعدان عن المطار سوى بـ 10 دقائق على أكثر تقدير. بدت ساوتومي حينها كأنها في سبات عميق، كأن سلطات هذه الجزيرة تفرض حظر التجول.كان لا بد من القيام بجولة بسيطة لاكتشاف هذه الجزيرة الصغيرة جدا الواقعة على بعد 100 كيلومتر عن الغابون، والتي تربطها بهذا البلد علاقات دبلوماسية متميزة. وأول ما يبادر إلى الذهن قلة إشارات المرور وانعدام علامات قف، أو حاجز الضوء الأحمر، غير الموجود أصلا، كما لم نعاين أي حادث سير، أو شنآن أو عراك بين السائقين، رغم وجود الدراجات النارية بكثرة، والتي تقوم بدورها بنقل المواطنين في معظم الشوارع.يقول أحد أبناء هذه الجزيرة، إنه لا وجود في مدينتهم للنشالين أو اللصوص أو قطاع الطرق، فمواطنوها مسالمون جدا، همهم الوحيد توفير قوت يومهم لمواجهة الفقر. تتوفر ساوتومي على مسجد يبتعد عن وسط المدينة بـ 10 دقائق يتولى الإمامة به الشيخان أدم وحسن، فيما يتكلف إبراهيم بتسيير أمور المسجد. وبين حين وآخر يتردد عليه مواطنون لتلاوة القرآن بالعربية وتعلم لغة الضاد. يقول إبراهيم، مسير المسجد، إن أزيد من 200 مسلم يوجدون في ساوتومي، وضمنهم لبنانيون، فيما تنعدم الجالية المغربية في هذه الجزيرة المعزولة والمهمشة. فقر وشغف بالكرةبنايات ساوتومي متهالكةـ اللهم إذا استثنينا فندق بيستانا، حيث أقام المنتخب الوطني، وقصر المؤتمرات المحاذي للفندق ذاته، وكلاهما يطلان على البحر، عدا ذلك، فساوتومي تعاني الفقر والتهميش، كما تشكو ضعف البنيات التحتية والشبكة الطرقية والفندقية، ناهيك عن غياب شبه كلي للمنشآت الرياضية، إذ لا تتوفر ساوتومي، إلا على ملعب واحد ذي عشب اصطناعي من الجيل الثاني، وبطاقة استيعابية لا تتعدى ثلاثة آلاف مقعد.ورغم قلة الاهتمام بالمنشآت الرياضية، إلا أن أهالي ساوتومي شغوفون بكرة القدم، إذ تعتبر الرياضة الشعبية الأولى، تليها كرة السلة والكرة الطائرة.في ساوتومي، التي تخلصت من المستعمر البرتغالي عام 1975، يوجد ملعب واحد لا غير، يفتقد إلى مقومات الملاعب الدوليةـ سواء من حيث تجهيزاته أو مرافقه. والغريب أن هذا الملعب يحتضن المباريات الدولية والمنافسات المحلية، إذ تتبارى على أرضيته أغلب الفرق، خاصة الممارسة بالقسم الأول، فيما تستقبل فرق القسم الثاني، وعددها أربعة في ملاعب غير محاطة بأي سياج وتفتقر إلى شروط الممارسة. المنتخب والإعجاب الكبيريحظى المنتخب الوطني بتقدير وإعجاب كبيرين من قبل سكان ساوتومي، إذ اعتبروه الأفضل، وتوقعوا فوزه قبل إجراء المباراة بحكم تجربته وتمرسه وخبرة لاعبيه. وهناك من أعلن إعجابه بالمنتخب الوطني دون تحفظ، وتوقع فوزه بثلاثة أهداف لصفر، كما أكد أحد المشجعين، ممن فضل التقاط صور تذكارية رفقة الصحافيين، دون أن يخفي أن الأسود يستحقون الفوز عن جدارة واستحقاق، وهو يشير بأصابع يده إلى أن المباراة ستنتهي بثلاثة أهداف لصفر لفائدة المنتخب. وما إن تغادر الفندق حتى يستقبلك أهالي الجزيرة بترحاب وحفاوةـ ويعرضون عليك مساعدتهم، تعتقد في الوهلة الأولى أنها ستكون مكلفة، بحكم الفقر الذي يعانونه في هذه الجزيرة المهمشة، لكنهم ينصرفون في هدوء، بعد أداء خدمتهم الإنسانية، رافضين أي مقابل مالي. هكذا هم سكان ساوتومي بسطاء جدا، وطيبون إلى أبعد حد.كان طبيعيا أن تطرح تذاكر المباراة للبيع الجمعة الماضي، وصباح أول أمس (السبت) ببعض النقاط المخصصة، إذ وصلت أثمنتها إلى 70 ألف «روبل»، أي ما يعادل 30 درهما للتذكرة الواحدة. ورغم الفقر، إلا أن الجمهور فضل متابعة مباراة الأسود، ومنهم من حضر عبر الشاحنات والعبارات، التي أقلت المتفرجين من جزيرة براسيبي.ولم نعاين شغبا سواء أثناء المباراة أو بعدها، رغم خسارة منتخب ساوتومي بثلاثة أهداف لصفر، بل انصرف الجميع في هدوء، آملين أن يحصلوا على قميص أحد لاعبي المنتخب. "فوفوزيلا" حاضرةانطلقت المباراة على إيقاع ضجيج «فوفوزيلا»، التي تكاد تلازم كل متفرج. إنها أداة رئيسية في تشجيع الفرق المحلية، ومنتخب «الببغاوات» كما هو معمول به في جنوب إفريقيا، وباقي البلدان الإفريقية المجاورة. لكن، هذا الجمهور، الذي حضر خصيصا لمساندة منتخب بلاده، ظل يتفاعل مع هجومات الأسود بين حين وآخر. أما مساندو الأسود، الذين تألفوا من الصحافيين وطاقم الطائرة التي أقلت المنتخب إلى ساوتومي، فوضعوا أيديهم على قلوبهم في الربع ساعة الأولى، بسبب اندفاع «الببغاوات» نحو مرمى الحارس منير المحمدي، تارة متحسرين على ضياع الفرص، وطورا منتقدين أداء بعض اللاعبين، قبل أن يقفزوا من أماكنهم بعد إحراز أول هدف. حلم لم يتحقققبل انطلاق المباراة توقع الحضور فوزا كاسحا للمنتخب الوطني، وحتى أحد مسؤولي اتحاد ساوتومي ظل يترقب أهداف الأسود تباعا، لكنه لم يخف رغبته القوية في أن يتمكن منتخب بلاده من إحراز هدف على الأقل، حينها كان سيعتبر ذلك إنجازا، كما أسر لأحد الصحافيين المغاربة. بيد أنه حلمه لم يتحقق، ليغادر الملعب مرتاحا، وسعيدا بهزيمة مشرفة، على حد تعبيره.خطف عسكريون رافقوا بينطو داكوسطا، رئيس جزيرة ساوتومي، إلى ملعب 12 يوليوز، الأضواء بطريقة مشيهم ونظراتهم وخطواتهم، وكأنهم في موكب عسكري مختلف تماما عن باقي البروتوكولات العسكرية المعمول بها في عديد الدول. ظل هؤلاء يجوبون الملعب بتثاقل، حتى يخيل إليك أنك أمام إنسان آلي يخضع لآلة التحكم عن بعد، فيما كان رجال الأمن يصطفون أمام المنصة الشرفية وعلى جنبات الملعب دون تسجيل أي انفلات أمني.انتهت المباراة بفوز مستحق للأسود، وبحضور رئيس ساوتومي، لأول مرة إلى ملعب 12 يوليوز، المحاط بالدور السكنية والمحاذي للبحر، علما أن آخر مباراة خاضها «الببغاوات» على أرضيته تعود إلى 2000، وفاز حينها على منتخب البنين، ليدخل بعدها في عطالة، بسبب ضعف المستوى وقلة الإمكانيات المالية. تربص لأجل قميصانتظر بعض مشجعي منتخب ساوتومي انتهاء المباراة من أجل التسلل إلى أرضية الملعب، أملا في الحصول على قميص المنتخب الوطني. وإذا كان بعضهم لجؤوا إلى أسلوب استجداء اللاعبين من أجل الفوز به، وهو ما تحقق لأحدهم بعدما أهداه إياه نبيل درار، ليعود إلى حال سبيله، مزهوا وفخورا، فإن آخرين فضلوا تحرير طلبهم عبر ورقة من الحجم الكبير كتب عليها «مرحبا بكم في ساوتومي. أريد قميص منتخب المغرب للذكرى».ولم يكن صاحب هذه البادرة سوى طالب درس في كلية الاقتصاد في مكناس، ويحمل بطاقة الإقامة في المغرب مذيلة بختم بوشعيب أرميل، المدير العام للأمن الوطني السابق. لم يتردد هذا الطالب رفقة زميلة درست بدورها في مكناس في الإدلاء ببطاقتيهما، وهما يتمنيان العودة يوما إلى المغرب من أجل الدراسة أو العمل.إنجاز: عيسى الكامحي (موفد الصباح إلى ساوتومي)

سـاوتـومـي…شـغـف الـكـرة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

هدفي إرجاع خنيفرة إلى مكانه الطبيعي

الحسيمة يعير مقران

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات