الرشوة تهزم إجراءات الحكومة

رئيس الحكومة يفشل في محاربة الفساد ومنتخبون جنوا الملايير في سنوات لم تتمكن حكومة عبد الإله بنكيران، من محاربة الفساد المستشري داخل دواليب الإدارة والوزارات والمصالح الخارجية لها، والمؤسسات العمومية، وشبه العمومية، والقطاع الخاص وكل المرافق الاجتماعية والمالية والاقتصادية، رغم كثرة الخطابات والإجراءات القانونية المتخذة. وبذلك لم تتمكن حكومة بنكيران، من إحداث قطيعة سياسية مع الفساد، كما لم تجرؤ على محاربته فعليا، إذ انتصرت الشعارات على الإجراءات. وأقر عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وهو يتنقل بين المدن والقرى، أنه انهزم أمام أخطبوط الفساد، لأنه متشعب، وقوي في جميع الواجهات، ومتمكن من فرض وجوده، وقالها بالعامية « راه الفساد محني بزاف»، وهي الجملة نفسها التي رددها بمجلس النواب» هزمني الفساد». والأخطر من ذلك أنه كرئيس للحكومة، أكد مرارا أن العشرات من رؤساء الجماعات المحلية، بينهم قياديون في أحزاب سياسية، تمكنوا من خلال العمل السياسي من جني الملايير، بعدما كانوا إلى عهد قريب فقراء ومحسوبين على الفئات الاجتماعية الهشة، مشيرا إلى أنهم اغتنوا غنى فاحشا من خلال التلاعب بالصفقات العمومية المشبوهة، واقتناء الأراضي الفلاحية بثمن بخس من صغار الفلاحين، الذين يجبرونهم على الرحيل نحو هوامش المدن للسكن في «البراريك»، كي يشكلوا منهم خزانا انتخابيا، وإدخال تلك الأراضي الفلاحية، إلى المدار الحضري، وبيعها على شكل شقق سكنية في عمارات بأسعار خيالية.ولا يحتاج المغاربة إلى كثير عناء، لمعرفة أن بلدهم المغرب يعاني آفة الرشوة والفساد عموما، إذ لا ينتظرون صدور تقارير للمنظمات الدولية المختصة في هذا المجال، أو المغربية، للاطلاع عليها ومعرفة ما يجري في البلاد، رغم كل المجهودات التي وضعت في سبيل مواجهة الفساد الإداري والمالي.وحسب الحصيلة الحكومية المقدمة في هذا المجال، تمت إحالة 17 ألفا و968 قضية فساد بين 2012 و2013 على القضاء، بينها 17 ألفا و225 قضية رشوة، و479 قضية اختلاس و91 قضية غدر، و19 قضية استغلال النفوذ و154 قضية تبديد أموال عمومية.كما تمت إحالة 40 ملفا من المجلس الأعلى للحسابات، الواردة على وزارة العدل والحريات، التي أحالتها بدورها على القضاء بين 2012 و2014، ويتعلق الأمر ب16 قضية تخص المؤسسات العمومية و24 قضية تهم الجماعات المحلية، مقابل 38 ملفا فقط أحيلت على النيابة العامة بين 2001 و2011، ما يعني أن حكومة بنكيران، تريد أن تؤكد للمواطنين، أن عملها في ظرف سنتين، في محاربة الفساد، يفوق عمليا عمل ثلاثة حكومات سابقة.ولم تتوقف الحكومة عن التأكيد أنها لم تشرع للفساد بالترويج لمقولة بنكيران في البرلمان «عفا الله عما سلف»، موضحة أنه في هذه القضية أراد رئيس الحكومة، استرجاع الأموال التي تم تهريبها خارج المغرب، والمقدرة بنحو 5 ملايير درهم، فإذا بقراره بتبرئة ذمة المهربين، تمكن من إدخال 28 مليار درهم خلال 2014، تم ترويجها داخل الحركة المالية والاقتصادية للمغرب.لكن الخصوم السياسيين من أحزاب المعارضة، يعتبرون أن بنكيران، كان عليه إدخال هؤلاء المهربين للأموال، إلى السجن، عوض أن يتسامح معهم لضمان استرجاع الأموال المهربة، مما يعني أن الحكومة، حسبهم، تطبق الكيل بمكيالين في التعامل مع المواطنين الذين خرقوا القانون، وبالتالي لا توجد المساواة في التقاضي بين الفئات الاجتماعية، فهناك صنف الدرجة الدنيا، الذين يفرض عليهم أداء الضرائب وما بذمتهم من ديون، أوالتعرض للمحاكمة والدخول للسجن، والكبار الذين يتم التعامل معهم بجبر الخواطر لأداء ما عليهم سواء بإعادة جدولة ديونهم، أو العفو الضريبي.ولا يعتبر الفساد نابعا من عمليات الارتشاء وأداء الرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ، ولكنه سلوك تشبع به المغاربة بفعل غياب الضمير المهني، والتسابق للاغتناء السريع، إذ رغم إقرار الرقم الأخضر من قبل وزارة العدل والحريات، للتبليغ عن الابتزاز وتلقي رشاوي، ترى السياسيين أنفسهم من بعض أحزاب المعارضة، يحتجون حينما يعتقل أحد المنتمين إليهم، ويدعون كذبا أن رؤساء جماعتهم، وقادتهم ومرشحيهم الذين اعتقلوا بتهمة الفساد والرشوة، هم نزهاء، وأن الدولة سعت إلى تصفية الحسابات، بجعلهم أكباش فداء.والأغرب في أمر محاربة الفساد بالمغرب، أن الفاعل السياسي، هو المسؤول الأول عن إشاعة سلوك الفساد، لأنه صرخ ولا يزال دون « حشمة» أن وزارة العدل والحريات، تحرك الدعاوى القضائية ضد بعض كبار المسؤولين المعروفين، في إطار سياسية « انتقائية انتقامية»، لا لشيء إلا لأن أولئك المسؤولين ينتمون لأحزاب ما، علما أنه ثبت أنهم متورطون في الفساد بالأدلة وفي حالة تلبس، أما إذا كان الأمر يتعلق بمسؤول غير متحزب، فإنهم يطالبون القضاء بإنزال أقصى العقوبات كي يكون عبرة لمن لا يعتبر من باقي المسؤولين، ويثمنون رئاسة النيابة العامة على عملها الذي يصفونه « بالجبار»، ويشجعونها على إحالة المزيد من ملفات الفساد على العدالة.وعملت وزارة الداخلية مثلا على عزل العشرات من رؤساء الجماعات المحلية، كل سنة، تثبت في حقهم خروقات واختلالات في التسيير، بل تصل إلى حد اختلاس أموال عمومية، والاتهام بتحويل تلك الأموال لحسابات شخصية، لكن تنتقد الحكومة بأنها تتحايل على القانون، لأنه كان على وزارة الداخلية إحالة هؤلاء على القضاء، وليس عزلهم، كما تفعل مع رجال الأمن والدرك الذين يحاكمون سنويا كلما ثبت أن أحدهم حصل على رشوة، أو تستر على مجرم مبحوث عنه، أو ساعد تجار المخدرات. فشل عدلت الحكومة قوانين الصفقات العمومية لسد المنافذ على الفاسدين، بفتح الأظرفة وإعلان أسماء الشركات المتنافسة ونشر الخلاصات لعموم المواطنين، ومراجعة قانون التصريح بالممتلكات، وحماية المبلغين والشهود عن قضايا الفساد، ومراقبة الموظفين عبر استعمال بطائق الحضور الممغنطة، كي لا يحصلوا على أجور شهرية، عن أعمال لا يقومون بها، لأن ذلك يدخل أيضا في الفساد بالنسبة إلى الموظفين الأشباح الذين تم التشطيب عليهم بنسب متفاوتة منذ 2012 إلى 2014، واسترجاع ممتلكات الدولة للسكن الوظيفي خاصة في سلك التعليم، الذي نهبه بعض المدرين، ومناقشة مشروع قانون استرجاع ممتلكات الدولة البحرية المطلة على الشواطئ، من قبل أشخاص كانوا أيضا فقراء، وبفعل الفساد والارتشاء، أضحوا أغنياء، بل صنعوا لأنفسهم هالة أنهم من الشخصيات النافذة، قصد إخافة المراقبين الإداريين، لكن الحكومة لحد الآن عجزت عن استرجاع أراضيها المطلة على البحر. لكن رغم كل هذه الإجراءات العملية القانونية، والزجرية بالإحالة على المحاكم، لم تتمكن الحكومة من محاربة الفساد بشكل يصل إلى نسبة 50 في المائة، نظرا لتواطؤ الشعب مع الفاسدين، وتقديم خدمات لهم، ولحماية كبار المسؤولين في دواليب الدولة لهم، رغم علمهم أنهم يشكلون خطرا على البلاد.أحمد الأرقام

الرشوة تهزم إجراءات الحكومة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أبودرار : غياب إستراتيجية لمكافحة الفساد

تصنيف مخجل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات