غيب الموت، أول أمس (الأحد)، المعلم الكناوي محمود غينيا، أحد رموز فن تاكناويت بالمغرب، وأحد المعالم الإنسانية التي ميزت الصويرة وشكلت جزءا من ذاكرتها الفنية ووجها من الوجوه التي تشكلت بها هوية مدينة الرياح.غينيا الذي رحل عن سن الرابعة والستين وووري جثمانه بالصويرة، كان وقع رحيله قاسيا على عشاق فن كناوة، وكل معارف الراحل وأصدقائه ومحبيه، بالنظر إلى القيمة الفنية التي كان يشكلها الراحل، والتي بفضلها عُدّ من أبرز حفاظ هذا الفن التراثي العريق، وواحدا من المطلعين على خباياه الغارقة في غموض الأنغام والإيقاعات المتحولة والألوان والأبخرة. ويعتبر المعلم حميد القصري الراحل غينيا واحدا من الذين طبعوا فن تاكناويت ببصمة خاصة، خاصة أن أجيال من المعلمين تتلمذوا على يديه وتأثروا بأسلوبه، سيما أنه احتك بالعديد من التجارب مع فنانين محليين وعالميين.ويضيف القصري، في حديث مع «الصباح»، أن ما ميز محمود غينيا هو أنه تشرّب فن تاكناويت من منابعه الأصلية، فهو ينتمي إلى واحدة من العائلات القادمة من التخوم الإفريقية والتي جلبت معها هذا الفن العريق وأدخلته إلى الصويرة منذ زمن، وهو ما جعله يبرع في تاكناويت في مرحلة مبكرة من عمره ويضفي عليها لمسته الخاصة.وكان محمود غينيا تتلمذ بشكل مباشر على يد والده المعلم بوبكر غينيا، فتعلم العزف على «السنتير» وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، كما كان لتردده على زاوية «سيدنا بلال» بالصويرة أثره الخاص في صقل مواهبه، إذ كان يغشى «الليلات» الكناوية وهو ما أكسبه مرانا ودربة خاصين أهلتاه لينتزع لقب «المعلم» وهو في العشرين، بعد اجتيازه اختبارات معقدة أمام «معلمين» كبار أجازوه.تألق غينيا على وجه الخصوص في تنفيذ الصيغة الصويرية لتاكناويت التي تتداخل فيها عناصر وروافد موسيقية ومعجمية تنتمي إلى العمق الإفريقي، وهو ما يظهر في طريقة أدائه لمراحل «الليلة» في مدينة الرياح التي تتميز بتفاصيل لا توجد إلا فيها مثل «الصلاة على النبي الصويرية» و»الموساويين» و»الحومر» وهو الأمر الذي ما زال موثقا في «أنطولوجيا موسيقى كناوة» التي صدرت السنة الماضية.لم يتوقف طموح غينيا عند إحياء «الليلات» محليا، فقد مكنه احتكاكه المبكر بالفنانين الأجانب، خاصة خلال الفترة التي اجتاحت فيها جحافل «الهيبيين» الصويرة، نهاية الستينات وبداية السبعينات، من تكوين أسلوب خاص في المزج الموسيقي الذي يعد الراحل أحد رواده في المغرب. وستظهر براعة محمود غينيا في المزج الموسيقي من خلال لقاءاته مع فنانين عالميين من قبيل كارلوس سانتانا وآدم رودولف وويل كالون وإيسا كاسو وعلي كيتا والموريتاني دابي توري وآخرون.وشارك غينيا في العديد من المهرجانات بإسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وكندا والنمسا وبلجيكا وهولندا، وشاءت الظروف أن يكون غينيا آخر من يختم الدورة الأخيرة لمهرجان كناوة بالصويرة، عبر حفل جمعه بالفنان الجزائري كريم زياد، أظهر فيه غينيا خلاصة تجاربه في المزج الموسيقي وكأنه يودع جمهوره وعشاقه لآخر مرة.عزيز المجدوب