كثيرة هي الطرائف المهنية التي تمر خلال العمل اليومي على عدد من العدول، تختلف باختلاف الزبناء وعقلياتهم، إذ أن منهم من يؤمن أن العدل في بعض الملفات هو المشرع وكل ما يقوم به هو من صنع يديه، والحديث عن القانون أو المشرع ليس إلا من صنيعه، ومن ثم تبدأ المشكلة. هذا هو الكفر بعينيه يختلف عمل العدل بين البوادي والمدن، وما يمكن أن يتقبله سكان المدن يعتبر عند أهل البوادي، غير قابل للنقاش، بل يذهب إلى حد اتهام العدل بمخالفة الشريعة وغيرها من الاتهامات التي قد تصل إلى التهديد بمقاضاته. فهو حسبهم لم يلتزم بما حدده الشرع وساهم في انتشار الفساد والرذيلة، القصة ابتدأت عندما جاءت امرأة راشدة إلى عدل بالمركز الحضري لإحدى القرى، وسألته هل بإمكانها الزواج دون أن تحتاج إلى موافقة عمها خاصة أنها يتيمة. سؤال الفتاة وجد الإجابة المقنعة عند العدل الذي أكد لها الإمكانية نفسها وقال لها إن مدونة الأسرة منحت لها الحق في تزويج نفسها خاصة إذا كانت يتيمة. شرعت الفتاة وخطيبها في إجراء الزواج، وتمكنا بالفعل من ذلك في غياب تام لعائلتها. مرت على تلك الواقعة زهاء شهر، وبعدها حضر إلى مكتبه شخص في الثمانين من عمره يرافقه حوالي خمسة أشخاص من السن نفسه وبعض الشباب، وسألوه هل فعلا عقد لفتاة دون أن يحضر معها وليها، فكانت الإجابة بنعم. ساعتها ثارت ثائرتهم عليه واتهموه بالكفر ونشر الرذيلة، وإذا لم يقم بإلغاء العقد فلن يلومهم فيما سيقع له. لم يكترث العدل بتهديداتهم وحاول أن يشرح لهم أن المشرع هو من منح حق الزواج للفتاة الراشدة دون إذن أي كان إذا كانت يتيمة وراشدة، لكنهم لم يسمعوا كلامه، وانصرفوا. بعدها بمدة لا حظ العدل أن كل من يحاول الاقتراب من مكتبه يتم صده من قبل شابين كانا قد رافقا ذلك الشخص يوم تهديده فحاول استفسارهما عن الأمر لكنهما رفضا الحديث معه، بل تطور الأمر بعد أن رفض صاحب مقهى بالمركز أن يستقبله زبونا وقال له "إنه كافر ولا يمكن أن يجالس المسلمين"، تلك الجملة أثارت غضب العدل وسأله كيف يمكن له أن يقول عنه ذلك ويكفره، فأخبره أن الكل يرفض التعامل معه، بعد أن أكد له كبير قبيلتهم أن ذلك العدل لا يعمل بما شرعه الله ويساهم في نشر الرذيلة والفسق والفجور، وفي حث النساء على معصية أوامر الله وعائلاتهم. حاول العدل استفساره عما قام به لكن رفض ليتم الحكم عليه بذلك. تأكد للعدل أن الأمور لن تمر بسلام في حال لم يعمد إلى إيجاد حل مع ذلك الشيخ، ذهب عنده إلى منزله وطلب لقاءه فرفض في البداية، إلا أنه أصر وبعد لحظات سمح له بالدخول إلى المنزل ووجد ذلك الشيخ رفقة عدد من رجال القبيلة، فعمد العدل إلى شرح الواقعة أن الفتاة من حقها أن تتزوج دون إذن أي كان إن كانت يتيمة وراشدة، لم يتقبل الشيخ منه ذلك الكلام فتدخل عدل ثان وأكد له ما قاله زميله، وبعد ذلك وقعت مصالحة بينهما، وأثناء مغادرة العدل للمنزل خاطبه الشيخ ولكن ما قمت به "راه الكفر بعينه".كريمة مصلي