تحويلات مغاربة العالم … فاوزي: رأسمـال ضخـم مهـدور

أكد مروان فاوزي، الباحث الاقتصادي، أن تحويلات مغاربة العالم تعد أداة دعم اجتماعي واقتصادي تساهم في تخفيف الضغط المعيشي عن الفئات الهشة وتعزز استقرارها، وأضاف في حوار مع «الصباح» أن هذه التحويلات نجحت، مع تصاعد الأزمات، في سد الفجوات وتحقيق نوع من العدالة التضامنية العابرة للحدود، وأكد أن المطلوب اليوم ليس مجرد خطاب عاطفي، بل توفير بيئة عملية تتحدث لغة الابتكار وتحفز أبناء الوطن على المساهمة الفعلية في تنميته من الداخل والخارج معا، وفي ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار : عبد الجليل شاهي (أكادير) كيف ترون الدور الذي تلعبه تحويلات مغاربة العالم في دعم الأسر المغربية؟ > تعد تحويلات مغاربة العالم رافعة اقتصادية واجتماعية حيوية، بلغت قيمتها سنة 2023 أكثر من 114 مليار درهم، متجاوزة الاستثمار الأجنبي المباشر، وفق معطيات مكتب الصرف، كما تكتسي هذه التحويلات أهمية مضاعفة في ظل موجة غلاء استثنائية، فالتضخم، الذي تجاوز 6 في المائة، جعل منها موردا أساسيا لصمود الأسر، خاصة في العالم القروي. إنها ليست مجرد تحويلات مالية، بل أداة دعم اجتماعي واقتصادي تسهم في تخفيف الضغط المعيشي عن الفئات الهشة، وتعزز استقرارها، ومع تصاعد الأزمات، يتأكد دور الجالية في سد الفجوات وتحقيق نوع من العدالة التضامنية العابرة للحدود. هل يمكن اعتبار هذه التحويلات أداة فعالة لمحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية في المغرب؟ > رغم أهمية التحويلات المالية في دعم الأسر الهشة، إلا أنها تبقى حلا ظرفيا أكثر منه هيكليا، إذ تصرف في الغالب لتغطية النفقات اليومية من غذاء وسكن وعلاج، دون أن تترجم إلى استثمارات منتجة أو مشاريع مدرة للدخل، وهذا ما يجعل أثرها محدودا على المدى البعيد، خصوصا في غياب سياسات مواكبة للتمكين الاقتصادي، ومن دون رؤية إستراتيجية تحفز المبادرة الفردية، وتوفر تمويلا ملائما للمشاريع الصغرى، تبقى هذه التحويلات مجرد مسكنات ظرفية، غير قادرة على إحداث التغيير المنشود في بنية الفقر والهشاشة. ما هي الفئات الاجتماعية أو الجهات الجغرافية التي تستفيد بشكل أكبر من هذه التحويلات؟ > تسجل أعلى نسب الاستفادة من تحويلات مغاربة العالم في المناطق ذات التقاليد العريقة في الهجرة، مثل جهات الشرق والشمال وسوس، حيث حافظت الروابط العائلية والحنين للوطن على تدفق الدعم المالي. وعلى الصعيد الاجتماعي، توجه هذه التحويلات بشكل مباشر إلى الأسر محدودة الدخل، لتشكل في بعض الحالات ما يفوق نصف مداخيلها السنوية، إنها شريان حيوي يعزز الأمن الاجتماعي، ويخفف من تداعيات الفقر والتهميش، خصوصا في المناطق القروية، غير أن غياب استثمار منتج لهذه الأموال يقلص من أثرها التنموي، ويجعلها رهينة الاستهلاك، بدل أن تتحول إلى أدوات لبناء مستقبل اقتصادي مستدام. رغم الحجم الكبير للتحويلات، يلاحظ أن استثمارها في الاقتصاد المنتج ما يزال محدودا، ما تفسيركم لذلك؟ > رغم ضخامة تحويلات مغاربة العالم، إلا أن استثمارها يظل محدودا، إذ توجه في الغالب نحو الاستهلاك أو اقتناء العقارات، هذا التوجه لا يعزى لغياب الرغبة في الاستثمار، بل لضعف الثقة في بيئة الأعمال، وافتقار السوق لآليات مبتكرة تحول هذه الأموال إلى رأسمال منتج. فالبنوك والمؤسسات المالية ما زالت تقصر في تقديم عروض تنافسية تربط بين الادخار والاستثمار، وتفتقر إلى مقاربات تراعي خصوصية الجالية واحتياجاتها، النتيجة، رأسمال ضخم مهدور خارج مسارات التنمية، في وقت تعاني فيه البلاد حاجة ماسة إلى تعبئة الموارد لتمويل الاقتصاد وتحقيق الإقلاع المنشود. ما هي المعيقات التي تحول دون توجيه جزء من تحويلات الجالية نحو مشاريع استثمارية؟ > تواجه تحويلات مغاربة العالم عدة معيقات تحد من أثرها التنموي، أبرزها طول وتعقيد المساطر الإدارية، وضعف المواكبة من قبل المراكز الجهوية للاستثمار، إلى جانب غياب منتجات بنكية مخصصة تستجيب لحاجيات الجالية، كما تسجل تأخيرات في معالجة التحويلات عبر القنوات البنكية التقليدية، قد تمتد في بعض الحالات إلى 5 أيام أو 7، ما يضعف ثقة المرسلين ويدفع البعض إلى اللجوء لمسالك غير نظامية، ويطرح السؤال بإلحاح حول مدى كفاءة النظام البنكي الوطني في مواكبة التحولات الرقمية العالمية، في ظل التوسع السريع للأنظمة الفورية المعتمدة في مؤسسات تحويل الأموال الدولية. ما السبل الكفيلة بتحفيز مغاربة العالم على توجيه استثماراتهم نحو القطاعات الحيوية داخل المغرب؟ > يتطلب تحفيز مغاربة العالم على الاستثمار مقاربة شاملة تعيد بناء الثقة وتوفر أدوات مالية مبتكرة، المطلوب هو تقديم منتجات بنكية شفافة ومخصصة، ذات عوائد واضحة، مرتبطة بقطاعات ذات أولوية كالفلاحة المستدامة، الطاقة المتجددة، والتعليم، كما أن تسريع رقمنة النظام البنكي، وتقليص مدة التحويل لأقل من 48 ساعة، يعدان ضرورة قصوى، ويستحسن إطلاق برنامج وطني على غرار "استثمر في وطنك"، يمنح تخفيضات ضريبية وضمانات ضد المخاطر، في المقابل، يجب ترسيخ ثقافة التقييم والمحاسبة للمشاريع الممولة من التحويلات، وتفعيل منصات رقمية تمكن الجالية من ولوج فرص الاستثمار بثقة وشفافية. ما هي الإمكانات الاقتصادية غير المستغلة التي يمكن تعبئتها من خلال تعبئة موارد الجالية المغربية في الخارج؟ > رغم تجاوز عدد مغاربة العالم 5 ملايين، لا نستغل سوى جزء ضئيل من إمكاناتهم الهائلة، فبإمكان المغرب خلق شبكات للتمويل الجماعي، وصناديق للابتكار، بل وحتى بورصات جهوية مصغرة بدعم من الجالية، غير أن ما ينقص هو رؤية مؤسساتية ناضجة، وحوافز واضحة تضمن الثقة والاستدامة، وإدماج الكفاءات يمر عبر فتح قنوات للهجرة المعكوسة المؤقتة، واحتضان الأفكار الريادية داخل المغرب، أو عبر شراكات فعلية مع الجامعات والمراكز التكنولوجية، فالمطلوب اليوم ليس مجرد خطاب عاطفي، بل بيئة عملية تتحدث بلغة الابتكار وتحفز أبناء الوطن على المساهمة الفعلية في تنميته من الخارج والداخل. هل هناك تجارب دولية يمكن أن يستفيد منها المغرب في تحسين توظيف تحويلات الجالية لتحقيق تنمية مستدامة؟ > استطاعت دول مثل الهند استقطاب مدخرات جاليتها عبر إطلاق "سندات المهجر" لتمويل مشاريع بنيوية كبرى، بينما ذهبت الفلبين أبعد من ذلك، بإنشاء وحدات بنكية داخل قنصلياتها لتقريب الخدمات المالية من مغتربيها. المغرب، الذي يتوفر على جالية تفوق 5 ملايين، قادر بدوره على اعتماد مقاربة ثلاثية تجمع بين الثقة، والعائد، والشفافية، بهدف تحويل التحويلات من مجرد دعم عائلي موسمي إلى رأسمال وطني منتج. المطلوب الابتكار في أدوات الادخار والاستثمار، وربطها بفرص إستراتيجية تخدم التنمية، وتشعر مغاربة العالم بأنهم فاعلون حقيقيون في اقتصاد وطنهم، لا مجرد مصادر للعملة الصعبة. في سطور: - باحث في سلك الدكتوراه في التسويق. - ماستر في التحليل والسياسة الاقتصادية. - خبير في التنمية المالية.

تحويلات مغاربة العالم … فاوزي: رأسمـال ضخـم مهـدور

مروان فاوزي المحلل الاقتصادي قال إن تحويلات مغاربة العالم مهمة لا يوازيها حجم استثماراتهم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اختيارات "موازين" تثير الجدل

الشابات يواجهن بنين بالقنيطرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات