كرونولوجيا مطلب الملكية البرلمانية

تقاعس الأحزاب في الإلحاح على الإصلاحات الدستورية جعل الشباب يركب على الموجة هل يدري شباب 20 فبراير مغزى مطلب الملكية البرلمانية؟ وهل تتجرأ الأحزاب على تبني هذا المطلب الأساسي الذي لم يكن حاضرا يوما ما في مذكراتها بالوضوح الكافي؟ فالمعلن والصريح في مذكرات أحزاب الكتلة وبعدها الاشتراكي الموحد لا يتعدى حاجز تقوية صلاحيات الوزير الأول وتوسيع اختصاصات البرلمان، وأن تكون الحكومة منبثقة من أغلبية برلمانية ومتمتعة بصلاحيات واسعة، أما مبدأ ملكية تسود ولا تحكم، فغائب في الأدبيات السياسية لهذه الأحزاب، لأنها تريد ملكية تحمي المسلسل الديمقراطي وتضمن استقرار البلاد انطلاقا من شرعيتها ورمزيتها بالمزاوجة بين مصدرين للسلطة و الشرعية لا يلتقيان. وإذا كانت حركة 20 فبراير قد اكتفت بتسطير شعار الملكية البرلمانية دون التدقيق في مضمونه، ورددته في مختلف المسيرات، وعبرت عنه في الندوات الصحافية التي عقدتها في الرباط أو البيضاء، فإن تقاسم هذا الشعار مع عدد من القوى السياسية في الساحة الوطنية والفعاليات المدنية وشخصيات فكرية، يفرض مناقشة هذا المطلب في تفاصيله والمداخل الأساسية لتحقيقه. ومن أجل ذلك، نستعرض مدلول الشعار والمسار الذي أخذه خلال العقود الأخيرة، من طرف عدد من الأحزاب المغربية. طرح مطلب إصلاح النظام السياسي بالمغرب منذ عقود، وحملت العديد من القوى السياسية الديمقراطية لواء الدفاع عنه من خلال المذكرات التي قدمتها أحزاب الكتلة للملك في بداية عقد التسعينات، وقبل ذلك بكثير كان دستور 1908 الذي وضعه إصلاحيون مغاربة طالبوا بالخروج من نظام السلطنة التقليدي إلى نظام ملكية دستورية تؤمن بفصل السلط وتعترف للشعب بالحق في السيادة عبر ممثليه في البرلمان، إلا أن اللحظة التاريخية الأساسية التي عرفت تنامي مطلب الإصلاحات الدستورية العميقة هي التي بدأتها الكتلة سنة 1991 ثم في سنة 1996 ، والتي حملتها إلى القصر على أساس تمكين البلاد من إصلاح دستوري متوافق حوله بين الملك وأحزاب الحركة الوطنية تمهيدا لإشراكها في الحكم في ما سيعرف بعد ذلك بحكومة التناوب التوافقي.لم تحد المذكرتان المذكورتان اللتان كانتا بمبادرة من حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في البداية قبل أن تطول منظمة العمل الديمقراطي بعد ذلك، عن مطلب إضفاء الملكية البرلمانية، بدلا من ملكية رئاسية ميزت حكم الملك الراحل الحسن الثاني، والتي كانت تتسم بمركزة السلطات الأساسية بيد الملك، من تعيين للحكومة وإقالتها وإعلان لحالة الاستثناء والأمر بتنفيذ القوانين وتعديل الدستور دون قيود، وترؤس المجلس الوزاري، وطلب إجراء الاستفتاء على قوانين رفضها البرلمان وإعلان الحرب دون الرجوع إلى البرلمان، والتوقيع على الاتفاقيات الدولية وغيرها من الاختصاصات التنفيذية والتشريعية التي جعلت من الملكية القناة الأساسية التي تلتقي عندها باقي السلطات دون أن تتجاوزها، كما أن الفصل 19 من الدستور الذي يجعل من الملك أميرا للمؤمنين والممثل الأسمى للأمة والمدافع عن وحدتها والضامن لاستقرارها، جعل البعض يقر بأن هذا الفصل يعد دستورا داخل الدستور والبعض الآخر يعتبره دستورا جوهريا وسط دستور شكلي وغيرها من التفسيرات التي أعطيت له في دساتير 1962 و1970 ثم 1972 ، إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار تمسك قوى المعارضة آنذاك بضرورة إضفاء توازن نسبي للسلطات بدلا من مركزتها بيد الملك، إلا أنه توازن لا يعني في ثقافة هذه الأحزاب معادلة ملكية تسود ولا تحكم، بل فقط توسيع مجال القانون لفائدة البرلمان والحكومة ومنح الأحزاب التمثيلية الحقيقية في الحكومة وتعيين الملك للوزراء باقتراح من الوزير الأول وإمكانية ترؤس الوزير الأول لمجلس الوزراء وممارسته للسلطة التنظيمية كاملة، إضافة إلى التعيين في المناصب المدنية وغيرها من الإجراءات الدستورية الرامية إلى إضفاء الطابع البرلماني على النظام السياسي المغربي.وكانت أحزاب الكتلة تسعى من خلال ذلك إلى الحصول على ضمانات دستورية لاقتسام السلطة مع الملك قبل الدخول في تجربة التناوب التوافقي، وبالتالي فهي جعلت من مطلب الإصلاح الدستوري آلية من آليات التفاوض السياسي بتعبير الباحثة رقية مصدق في أطروحتها الجامعية حول لعبة التوافق في مطالب الإصلا ح الدستوري لأحزاب الحركة الوطنية.لذلك حاولت هذه الأحزاب أن تدفع باتجاه تكريس مبدأ السيادة الشعبية بشكل تدريجي في الدستور من خلال توسيع الطابع البرلماني للمؤسسة الملكية بتوسيع صلاحيات الجهاز التنفيذي ومؤسسة البرلمان، فضلا عن ضرورة انخراط المغرب في كونية حقوق الإنسان وتكريس سموالاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية...وتجددت المطالب بالإصلاحات الدستورية خلال العهد الجديد من خلال مبادرات انفرادية لأحزاب توجد في صف اليسار الجذري وهيآت حقوقية ومدنية، وإن كانت هذه المبادرات تتم بشكل انفرادي وتبقى حبيسة الرفوف في الغالب أو أنها تشارف موعد الانتخابات، لتختفي بعد ذلك.لكن لم يسبق في الماضي أن كانت القوى السياسية المغربية تتقدم بمذكرات خاصة بالإصلاحات الدستورية، وفيها مقتضيات تفصيلية إلى حد ما، بل كانت في مناسبات المفاوضات بين النظام السياسي وأحزاب المعارضة سابقا، إذ طلب منها مستشارو الملك من أمثال أكديرة وعصمان، مد النظام بتصورات في موضوع التعديلات الدستورية منذ سنة 1972، لكن تقديم مذكرات مكتوبة لم يبدأ سوى في سنة 1991. إلا أن هذا التقليد ظل مطبوعا كما يقول محمد الساسي، بنوع من التقاليد المرعية، بحيث أن المذكرات التي وجهت للملك لم يتم نشرها على العموم. واستمر هذا التقليد إلى ما بعد أن صدرت الدساتير التي جاءت هذه المذكرات بمقترحات لتضمينها فيها.بعد ذلك، ستعرف هذه الممارسة تحولات هامة، تجلت في انخراط المجتمع المدني في موجة المطالبة بإصلاحات دستورية، من خلال تقديم تصورين، الأول تم عن طريق للنسيج الجمعوي، الحقوقي على وجه الخصوص، وهذا العمل برزت فيه مطالب تخص أخرى للإصلاح الدستوري. مثل مطالب الجمعيات الأمازيغية بالنسبة لقضية الهوية، ثم بعد ذلك ستأتي مطالب متعلقة بالتنظيم الترابي والحقوقية المدنية والجيل الجديد من الإصلاحات وغير ذلك..أما التصور الثاني، فأصبحت فيه المطالب معلنة وواضحة تتعلق بشكل النظام السياسي، سواء تقدمت في شكل مذكرات مفتوحة للملك مثل مذكرة حزب الاشتراكي الموحد، أو تم الاتفاق عليها دون أن تسلم للملك، إلا أن النظام كان مطلعا على فحواها دائما. فمثلا مذكرة الاشتراكي الموحد تم الإعلان عنها ونشرها على العموم، والتي لم تطرح بوضوح مطلب الملكية البرلمانية، إلا أنها ركزت، من خلال المقترحات على إضفاء الطابع البرلماني على النظام السياسي المغربي. أما مذكرة الاتحاد الاشتراكي التي وعد بها مناضليه في المؤتمر الثامن فقيل إنها رفعت إلى الديوان الملكي دون أن يدري أحد تفاصيلها ومحتوياتها. أما باقي أحزاب اليسار كالتقدم والاشتراكية وغيره، فلم تتعد نبرة الإصلاح الدستوري لديها حاجز مؤتمراتها الوطنية من خلال تركيز أدبياتها ووثائقها السياسية على ضرورة القيام بإصلاح دستوري يضمن فصل السلط ويوسع من صلاحيات الوزير الأول والبرلمان ودسترة الأمازيغية...، لكن دون التجرؤ على الحديث عن إرساء دعائم الملكية البرلمانية التي تعني حكومة منبثقة من أغلبية برلمانية منتخبة بشكل ديمقراطي، وأن يضطلع الوزير الأول بصفة رئيس الأغلبية المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية في البلاد على أن تناط بالملك مهام السهر على وحدة الأمة وضمان استقرار المؤسسات من خلال الطابع الرمزي والروحي للملكية، بل إن الاتحاد الاشتراكي نفسه تبنى مطلب الملكية البرلمانية دون تحديد مضمونها في البيان الختامي لمؤتمره الثامن قبل أن يتراجع عنها في ما بعد بسبب خلافات بين من أوكلت لهم مهمة صياغة هذا البيان، ليضع الكاتب الأول عبد الواحد الراضي خدا لهذا « اللبس» من خلال تبريره وجود عبارة ملكية برلمانية في البيان الختامي للمؤتمر في البداية بكونها ناجمة عن «خطأ مطبعي»، وهو ما يعني عدم استعداد أحزاب اليسار الحكومي لطرح مطلب الملكية البرلمانية بمعناه المتعارف عليه في الأنظمة البرلمانية العريقة من قبيل بريطانيا وإسبانيا. رشيد باحة

كرونولوجيا مطلب الملكية البرلمانية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ملكية "برلمانية"على الطريقة المغربية

بـزاز: نـطـالـب بـمـحـاربـة الـفسـاد بكل تجلياتـه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات