ثقـب ضريبـي كبيـر

أكد الحسين بوزيل، المحلل الاقتصادي، أن القطاع غير المهيكل، يشغل حوالي 75 في المائة من اليد العاملة، وهو رقم مخيف يكرس الهشاشة الاقتصادية، التي تغذي بدورها الهشاشة الاجتماعية. وأوضح بوزيل في حوار مع «الصباح»، أن هذه الأنشطة تشجع على استعمال الأداء النقدي «الكاش»، والاعتماد بشكل كبير على المعاملات النقدية، ما يصعب عملية تتبع الأموال وضبطها. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني ما هي آثار القطاع غير المهيكل على الاقتصاد المنظم؟ > الاقتصاد غير المهيكل، المعروف أيضًا بالاقتصاد غير المنظم، هو مجموعة من الأنشطة الاقتصادية، التي تتم خارج الإطار القانوني والتنظيمي المؤطر للأنشطة الاقتصادية، في نطاق سيادة الدولة. ويعرف البنك الدولي الاقتصاد غير المهيكل بالأنشطة الاقتصادية، التي يتم تنفيذها بدون تسجيل قانوني، بهدف التهرب من التكاليف التنظيمية، أو الضرائب أو الامتثال للمعايير الصحية والضوابط الأمنية المعمول بها في القطاع المهيكل. وللاقتصاد غير المهيكل آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد المنظم، ومن أبرزها ضعف الموارد الضريبية، ذلك أن الأنشطة غير المهيكلة، غالبا ما تكون غير خاضعة للضرائب، ما يؤدي إلى انخفاض إيرادات الدولة الضريبية. هذا النقص يؤثر على قدرة الحكومات على تمويل الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. كما يساهم في الإخلال بقواعد المنافسة الشريفة، إذ تتحمل الشركات التي تعمل بشكل قانوني مجموعة من التكاليف يفرضها القانون، مثل الضرائب والتأمين الاجتماعي للعمال، وضرورة احترام معايير الجودة، مما يجعلها أقل قدرة على المنافسة، مقارنة بالشركات التي تعمل في الاقتصاد غير المهيكل، التي تتهرب من كل هذه التكاليف، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث بيئة تنافسية غير عادلة في السوق. كما يعمق هشاشة العمال، إذ لا يتمتع العمال بالحماية الاجتماعية، مثل التأمين الصحي والتقاعد وتعويضات البطالة، وهذا يزيد من هشاشة الطبقة العاملة، ويؤثر سلبا على الاستقرار الاجتماعي. كما يشجع استعمال الأداء النقدي "الكاش"، من خلال الاعتماد بشكل كبير على المعاملات النقدية، ما يصعب عملية تتبع الأموال وضبطها، وهذا يعيق التحول نحو اقتصاد رقمي أكثر شفافية وفعالية، بالإضافة إلى أنه يوفر بيئة ملائمة للفساد والجريمة، كما يشجع على الفساد والتهرب الضريبي. كيف تقيمون حجمه في النسيج الوطني؟ > يساهم الاقتصاد غير المهيكل في تكريس هشاشة العاملين فيه، من خلال عدم استفادتهم من ضمانات الحماية الاجتماعية الممنوحة لأجراء وعمال القطاع المنظم. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن القطاع غير المهيكل، يشغل أزيد من 60 في المائة من اليد العاملة بالمغرب، في حين تظهر معظم نتائج الأبحاث أن هذا القطاع يشغل حوالي 75 في المائة من اليد العاملة. هذه الأرقام المخيفة تبرز عجز القطاع المنظم عن إحداث بدائل يمكنها استيعاب الفائض الهام من اليد العاملة، ما يكرس الهشاشة الاقتصادية، التي تغذي بدورها الهشاشة الاجتماعية. يلعب القطاع غير المهيكل دورا اجتماعيا، من خلال تشكيل واق للصدمات، كيف تقيمون سياسة الدولة للحد من الظاهرة؟ > إذا كان الاقتصاد غير المهيكل يشكل، في نظر المهتمين، عبئا يحد من فعالية النظام الاقتصادي، خصوصا في مجال حسن تخصيص الموارد، فإنه، بالمقابل يمكن اعتباره واقيا للصدمات الاقتصادية، خصوصا في البلدان النامية مثل المغرب. لقد أشرنا إلى أن هذا القطاع يشغل أزيد من70 في المائة من اليد العاملة بالمغرب. والسؤال المطروح، هو كيف يمكن استيعاب كل هذه الأعداد في حال غياب الأنشطة غير المنظمة؟، هذه المفارقة لا يجب أن تدفعنا الى الاعتقاد بأن القطاع المهيكل يمكن الاعتماد عليه لحل أزمة التشغيل، والتي دعمتها نتائج إحصاء 2024، التي أظهرت أن معدل البطالة يتجاوز 21 في المائة. صحيح أن الحكومات المتعاقبة استشعرت مخاطر معدلات البطالة المرتفعة على السلم الاجتماعي، فاتخذت مجموعة من التدابير، مثل إطلاق نظام المقاول الذاتي، وتحسين مناخ الأعمال، وإطلاق برامج التشغيل، وتبسيط الإجراءات الضريبية، وتسهيل الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، مثل التغطية الصحية والتقاعد، ودعم تمويل المقاولات الصغرى، ومحاربة التهرب الضريبي. كل هذه الإجراءات، خلقت دينامية مجتمعية، غير أن تراكم العجز لسنوات، جعل تأثير هذه التدابير محدودا، والحكومة الحالية مطالبة برفع وتيرة الاستثمار في البنيات التحتية الأساسية، وفي الموارد البشرية، وكذلك الاستمرار في تجويد مناخ الأعمال، من أجل فرص حقيقية للتشغيل، تؤدي الى خلق الثروة وتوزيعها، وفق مبدأي الاستحقاق والتضامن. حاولت الحكومات إدماج القطاع وشموله بالتدابير الجبائية، هل نجحت هذه العملية، من خلال تجربة المقاول الذاتي؟ > أطلقت تجربة المقاول الذاتي بالمغرب في 2015، وحققت نتائج مبهرة، تمثلت في تسجيل الى حدود نهاية 2024 حوالي600 ألف مقاول، ينشط منهم حاليا حوالي 340 ألفا. صحيح أن نظام المقاول الذاتي نجح في توفير إطار قانوني وتنظيمي لجزء من القطاع غير المهيكل، وساهم في إدماج عدد معتبر من العاملين في الاقتصاد المهيكل، إلا أن تأثير النظام ما يزال محدودا، بالنظر أولا إلى حجم القطاع غير المهيكل، (الذي يشكل تقريبا نسبة 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام)، وثانيا إلى أن أغلب الشركات المحدثة تركزت في قطاعي الخدمات (45 في المائة) والتجارة (40 في المائة)، وهما قطاعان ضعيفان في إحداث القيمة المضافة عكس القطاع الصناعي. كيف تقيمون السياسة الضريبية في هذا المجال؟ > تساهم السياسة الضريبية في تحفيز الأنشطة غير المهيكلة، على الولوج إلى القطاع المنظم. وتعتبر الضريبة على القيمة المضافة من الوسائل التي تلجأ إليها الحكومات لتحقيق هذا الهدف. وقد اتخذت الحكومات عدة تدابير، بهدف تشجيع الأنشطة غير المهيكلة على الانخراط في الاقتصاد المهيكل، وتتمثل في مراجعة مساطر الضريبة على القيمة المضافة (تقديم الإقرارات الإلكترونية، ضمان سهولة الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالضرائب...). وتهدف هذه التعديلات إلى تقليص العوائق أمام المقاولين الذاتيين والتجار الصغار. كما عملت الحكومة على إعادة ترتيب أسعار الضريبة على القيمة المضافة، إذ يتم تدريجيا تقليص معدلات الضريبة الى اثنين فقط (10% و %20)، في أفق 2026، لتكريس حيادية الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة إلى الشركات، ومن شأن تكريس هذه الحيادية، تشجيع الأنشطة غير المهيكلة على الالتحاق بالقطاع المنظم. في سطور - أستاذ الاقتصاد والتدبير بالكلية المتعددة التخصصات بخريبكة -جامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال. - متخصص في مجالات التنمية الترابية والحكامة والتدبير العمومي الجديد. - صدرت له مؤلفات: تجذر المنتخبين المحليين وتأثير ذلك على جاذبية المجالات الترابية- سياسة استهداف التضخم بالمغرب. محاصرة تجار "صناعة الفواتير" تجب الإشارة إلى أن انكباب مصالح وزارة المالية على محاصرة تجارة "صناعة الفواتير"، واعتماد وسائل إلكترونية للحد من هذا النشاط، سيساهمان بشكل فعال في دفع الشركات، سواء كانت مهيكلة او غير مهيكلة إلى سلك المساطر القانونية والتنظيمية للتصريح بأنشطتها، هذا دون إغفال آثار عملية تسوية الأموال غير المصرح بها، التي نفذت بشكل رسمي من خلال برنامج "التسوية الضريبية"، الذي أنهته الحكومة في دجنبر الماضي. هذا البرنامج يهدف إلى تشجيع الأفراد والشركات على تسوية أوضاعهم المالية بإيداع أموالهم، التي تحتفظ بها خارج النظام البنكي، ومنحهم فرصة لتسوية وضعهم الضريبي، دون تعرضهم للملاحقة القانونية. إن محاصرة تمدد القطاع غير المهيكل، يجب أن تكون وفق إستراتيجية مندمجة، تأخذ بعين الاعتبار الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه الظاهرة المعقدة.

ثقـب ضريبـي كبيـر

بوزيل الباحث في الاقتصاد أكد أن القطاع غير المهيكل يعمق الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إشادة أمريكية بالدور القيادي للملك

لقجع... "الدق تم"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات