في المغرب، كما في العديد من المجتمعات، تظهر بين الفينة والأخرى شخصيات تصبح حديث الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي، ليس بسبب إنجازاتها أو إبداعاتها، بل لأنها تتحول إلى رمز لظاهرة اجتماعية أو ثقافية معينة. ومن بين هذه الشخصيات التي لفتت الانتباه، شخصية "لولا الظروف"، التي أصبحت تعبيرا عن التحدي في مواجهة الظروف الصعبة، وهي شخصية ليست مجرد نكتة عابرة، بل هي مرآة تعكس واقعا أكثر تعقيدا وألما. "لولا الظروف"، هي العبارة التي يرددها الكثيرون تبريرا لفشلهم أو تقاعسهم، وكأن الظروف هي كيان مستقل يتحكم في مصائرهم. هذه العبارة تحولت إلى شخصية في المخيلة الشعبية، تستخدم للسخرية من أولئك الذين يرفضون تحمل مسؤولية اختياراتهم. ولكن، هل يمكننا أن نلومهم تماما؟ أم أن هذه الظروف التي يتحدثون عنها هي بالفعل قاسية إلى درجة تجعل المواجهة شبه مستحيلة؟ في المغرب، هناك من يواجهون الظروف بكل ما تعنيه الكلمة من قسوة، فلننظر إلى الأمهات العازبات اللواتي يجبرن على تحمل وصمة اجتماعية قاسية، أو الشباب العاطلين عن العمل الذين يكافحون يوميا للحصول على فرصة في سوق عمل يائس، أو سكان الأحياء المهمشة الذين يعيشون في ظروف لا إنسانية، فهؤلاء لا يرددون "لولا الظروف" نكتة، بل يعيشونها واقعا يوميا مؤلما. هناك أيضا، قصص لأشخاص قرروا مواجهة الظروف بدل الهروب منها، مثل الشاب الذي يحمل على ظهره صناديق الخضر منذ الفجر في سوق الجملة للخضر والفواكه بالبيضاء، أو الفتاة التي تقطع كيلومترات كل يوم للوصول إلى المدرسة، أو الأب الذي يعمل في مهن شاقة لإعالة أسرته، فهؤلاء لا يملكون رفاهية الاختباء وراء العبارات الجاهزة، بل يختارون المواجهة رغم كل الصعوبات. الشخصيات التي تظهر في المجتمع، مثل "لولا الظروف"، ليست مجرد نكتة أو ظاهرة عابرة، بل تعكس حالة من الوعي الجماعي بالصعوبات، التي يواجهها الناس، لكنها أيضا تكشف عن اختلاف في ردود الأفعال، فبينما يختار البعض الهروب من المسؤولية وإلقاء اللوم على الظروف، يختار آخرون المواجهة والتحدي، حتى لو كانت النتائج غير مضمونة. "لولا الظروف" ليست مجرد شخصية في كرة القدم، بل هي دعوة للتفكير في كيفية تحويل التحديات إلى فرص، وكيفية دعم أولئك الذين يختارون المواجهة بدل الهروب، لأن الظروف، في النهاية، ليست قدرا محتوما... إنها قصة كل من رفض أن يكون ضحية للإقصاء، واختار أن يصنع مكانته في المجتمع بجهده وإصراره، لأن التحدي الحقيقي ليس في الظروف نفسها، بل في كيفية مواجهتها. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma