صيدلية الأنترنت… أدوية بطعم الجريمة

أعاد تفكيك شبكة إجرامية متخصصة في التسويق الرقمي للأدوية عبر الأنترنت بمراكش وأكادير تسليط الضوء على ظاهرة بيع الأدوية بشكل غير قانوني في الفضاء الرقمي، ما يثير تساؤلات حول الرقابة وأخطار هذا النشاط على الصحة العامة، فقد تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى بيئة خصبة لترويج الوصفات والمنتجات شبه الطبية من خلال فيديوهات قصيرة ومنشورات تستهدف جمهورا واسعا. ورغم جاذبية هذه الإعلانات التي تعد بحلول سريعة، إلا أنها تخفي وراءها عمليات احتيال وانتهاكات قانونية تهدد سلامة المستهلكين. إنجاز: عبد الجليل شاهي (أكادير) أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة مليئة بالإعلانات التي تروج لمنتجات طبية ووصفات علاجية تتنوع بين مستحضرات تجميل وأدوية جنسية وأخرى مخصصة للأمراض المزمنة، وحتى الخطيرة منها، في ظاهرة متصاعدة تعرف بـ"الصيدليات الافتراضية". هذه الممارسات تنشط خارج إطار القانون والرقابة، مستغلة الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي، ما يعرض صحة المواطنين لخطر جسيم، وتشير تقارير موثوقة إلى أن شركات وشبكات مجهولة تستعين بأطباء وصيادلة يعملون في المستشفيات العمومية أو ضمن هيآت الصيادلة بهدف كسب ثقة المستهلك وزيادة مبيعاتها، وقد انعكست هذه الإستراتيجية سلبا على الصيدليات التقليدية التي شهدت تراجعا حادا في معاملاتها المالية، وصولا إلى إفلاس العديد منها نتيجة لهذه المنافسة غير المشروعة. يتم بيع الأدوية والمكملات الغذائية عبر الإنترنت دون أي إشراف صحي، مما يجعلها عرضة للتزوير أو التهريب، وتشير المعطيات إلى وجود شبكات منظمة تعمل على تهريب هذه المنتجات وتوزيعها عبر هذه القنوات الافتراضية، ما يزيد من خطورة الوضع، خصوصا في ظل غياب رقابة فعالة من وزارة الصحة، مع تفاقم المخاطر الصحية والاقتصادية المرتبطة بهذه الظاهرة. ولا يهدد بيع الأدوية دون ترخيص سلامة المواطنين فحسب، بل يفتح المجال أمام تداول منتجات مجهولة المصدر وغير آمنة، مما قد يؤدي إلى مشكلات صحية جسيمة. شكايات الصيادلة كشفت مصادر مهنية أن هيآت الصيادلة تقدمت بشكاوى إلى وزارة الصحة، مطالبة باتخاذ تدابير صارمة للحد من الأنشطة غير القانونية التي تهدد القطاع المهيكل، وأكدت المصادر أن مئات الصيدليات أفلست بسبب انتشار بيع الأدوية عبر الإنترنت، ما دفع المهنيين إلى التحرك بشكل عاجل لمطالبة السلطات بالتصدي لهذه المنافسة غير المشروعة، والتي تمثل تهديدا مباشرا لصحة المواطنين، علما أن أن هذه الأدوية والمكملات الغذائية لا تخضع لأي نوع من الرقابة. وفي إطار التحقيقات الجارية، تمكنت السلطات الأمنية من تحديد العديد من الأشخاص الذين يديرون صفحات إلكترونية تروج لأدوية ومكملات غذائية غير قانونية، كما استمعت الشرطة القضائية في عدة مدن مغربية إلى عدد من المتهمين في قضية بيع الأدوية المحظورة عبر الإنترنت، كما تم توقيف عدد من الأجانب المقيمين بالمغرب الذين تبين تورطهم في هذه الأنشطة، إذ تم نصب كمائن عبر الإنترنت بإرسال طلبات للحصول على أدوية ممنوعة، ما أسفر عن اعتقال تجار أدوية غير مرخص لهم قادوا المحققين إلى المسؤولين عن هذه المواقع. وتشير بعض المعطيات إلى أن الأدوية المباعة على هذه المواقع قد تكون مزورة أو منتهية الصلاحية، أو محفوظة بطرق غير سليمة، أو يتم استخدامها خارج نطاق الترخيص لأغراض إجرامية، كما يتم تهريب بعض الأدوية المهلوسة عبر المناطق الحدودية باستخدام التكنولوجيات الحديثة وبيعها بأسعار مضاعفة، ما يشكل تهديدا كبيرا لصحة المواطنين. ورغم هذه المخاطر، فإن التنسيق بين الهيآت المهنية للصيادلة والشرطة القضائية قد أسفر عن توقيف العديد من هذه الشبكات الإجرامية. وحسب المهنيين، فإن تدخل وزارة الصحة بات أمرا ضروريا لضبط هذه التحركات وضمان سلامة المواطنين من هذه المنتجات الضارة. وأكد المهنيون أن المتاجرة بالأدوية عبر الإنترنت تدخل ضمن أنشطة التزوير، وهي جناية يعاقب عليها القانون المغربي، كما طالبوا إدارة الجمارك بمضاعفة مراقبة تحركات الأفراد عبر المناطق الحدودية، خصوصا مع استمرار انتشار هذه الجرائم الإلكترونية التي تهدد صحة المواطنين، ولفتوا الانتباه إلى أن توزيع الأدوية يتطلب استيفاء شروط صارمة، إذ أن الدواء قد يتحول إلى مادة سامة، إذا تعرض لأشعة الشمس، ما يفاقم من خطر هذه الممارسات. شبكات التهريب تعد تجارة الأدوية عبر الإنترنت من أخطر أنواع التجارة الإلكترونية، لما لها من تأثيرات خطيرة على الصحة العامة، فقد أصبح من الشائع في السنوات الأخيرة أن تنتشر على بعض المواقع التجارية وشبكات التواصل الاجتماعي أدوية غير مسموح ببيعها حتى في الصيدليات أو أدوية قد تكون ضارة بالصحة. هذا الواقع يفتح الباب أمام شبكات التهريب التي تنشط على الصعيدين المحلي والدولي، لتستغل هذه المنصات الرقمية في ترويج الأدوية المهربة، مما يشكل تهديدا حقيقيا على حياة المواطنين. في المغرب، رغم الجهود المبذولة لمحاربة تهريب الأدوية، لا يزال البلد يشهد نشاطا متزايدا لهذه الشبكات الإجرامية التي تستهدفه بشكل خاص. فالمغرب يعتبر من بين الدول الرائدة في القارة الإفريقية في مكافحة تجارة الأدوية المهربة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي قد أصبحت منصة مثالية لتنشيط هذه التجارة غير القانونية. من أبرز الأمثلة على خطورة هذه التجارة ما كشفته الشرطة الإسبانية، أخيرا، حيث تمكنت من تفكيك عصابة مكونة من تسعة أفراد كانت تخزن كميات كبيرة من الأدوية المخدرة، مثل "البنزوديازيبينات"، التي تسبب تباطؤا في عمل الدماغ والجهاز العصبي المركزي، وتوصف فقط لفترات قصيرة جدا، وكان أفراد العصابة يخططون لنقل هذه الأدوية إلى المغرب، حيث يتم مزجها مع مواد أخرى مثل "الحشيش" أو "السيليسيون" لتحضير مادة "القرقوبي" المخدرة، وتم ضبط أكثر من ألفي قرص دوائي في العملية، التي جرت من خلال ميناء طنجة. الشبكات الإجرامية لا تقتصر على تهريب الأدوية عبر الشحنات التقليدية فحسب، بل تتبع أيضا أساليب متقدمة للتلاعب في بيانات الشحن، ففي بعض الحالات، يتم التزوير والتلاعب في الوثائق الخاصة بشحن الحاويات، ليتم تقديم الأدوية المهربة على أنها "معدات كهربائية" أو بضائع أخرى غير مشروعة. هذه الأساليب الملتوية تم اكتشافها بفضل التعاون بين الأمن الوطني ومصالح "أنتربول"، ما أتاح حجز أكثر من 182 ألف قنينة دواء في عملية أخرى. وبجانب التلاعب في المستندات، فإن عملية تصدير الأدوية تتطلب شروطا دقيقة ورقابة صارمة من الجهات المختصة دوليا، وهو ما يفتقده المهربون الذين يتخذون هذه الأساليب الملتوية لإدخال الأدوية المحظورة إلى الأسواق المغربية. قضايا المحاكم تشهد محاكم أكادير وكلميم والعيون تداول قضايا متزايدة تتعلق بممارسة مهنة الصيدلة بشكل غير قانوني، وبيع منتجات طبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتعد هذه القضايا انعكاسا لظاهرة خطيرة تهدد صحة المواطنين، حيث يتم ترويج أدوية ومنتجات صيدلية مهربة أو مزورة عبر الإنترنت، في غياب رقابة صارمة على هذا النشاط، ويعتبر القانون المغربي ممارسة مهنة الصيدلة دون ترخيص جريمة خطيرة.ووفقا للمادة 135 من مدونة الأدوية والصيدلة، تتراوح العقوبة بين الحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات، وغرامة مالية من خمسة آلاف إلى عشرين ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفي حال تكرار الجريمة، يتم تشديد العقوبة لتصل إلى الحبس لمدة ستة أشهر أو أكثر، بالإضافة إلى مضاعفة مبلغ الغرامة.كما يبرز القانون رقم 17/04 أهمية تعزيز العقوبات مقارنة بالقانون السابق الصادر في 1960، حيث اقتصرت العقوبات آنذاك على الغرامات التي كانت غير رادعة بما يكفي، بينما أضاف القانون الجديد العقوبات السجنية لمواجهة تزايد هذه الجرائم. وفي إحدى القضايا التي نظرت فيها المحكمة الابتدائية بأكادير، تم إصدار حكم بالحبس لمدة ستة أشهر ضد شقيقتين تورطتا في حيازة وترويج أدوية مهربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكانت المتهمتان تعرضان مواد صيدلية مهربة تُستخدم في تسهيل عمليات الإجهاض، مما يشكل خطرا على صحة المستخدمين. وفي حكم آخر، قضت محكمة الاستئناف بأكادير بحبس متهم لمدة ستة أشهر بعد ثبوت نشره إعلانا على مواقع التواصل الاجتماعي لمنتجات طبية دون ترخيص. وأكدت المحكمة أن مثل هذه الأنشطة تعتبر ممارسة غير قانونية لمهنة الصيدلة، ما يجعلها جريمة قائمة بحد ذاتها. ويرى المشرع المغربي أن الجريمة تتحقق بمجرد القيام بأي عمل من أعمال الصيدلة دون الحاجة إلى تكرار الفعل أو اعتياده. ويشمل ذلك تصنيع أو بيع المواد ذات الخصائص العلاجية دون ترخيص قانوني. تكثيف الرقابة أكد موسى القدفي، المحامي بهيأة أكادير، أن مدونة الأدوية والصيدلة (القانون 17.04) حددت بوضوح جميع الأشكال غير القانونية لممارسة مهنة الصيدلة، وفرضت عقوبات صارمة على المتورطين في هذه الممارسات. وأشار القدفي إلى أن هذا القانون يمنح الحق الحصري للصيادلة في صرف الأدوية، موضحا أن هذا الإجراء ليس اعتباطيا، بل يعود إلى طبيعة الدواء باعتباره منتجا حساسا يحتاج إلى تخزين خاص وشروط دقيقة لتداوله، فضلا عن ضرورة توعية الصيدلي للمواطنين حول كيفية استعمال الأدوية لتجنب التداخلات الدوائية والمخاطر الصحية. وأضاف القدفي أن المادة 8 من مدونة الأدوية والصيدلة تنص على أنه لا يمكن تسويق أي دواء إلا بعد اجتيازه تجارب خاصة تهدف إلى إثبات فعاليته، وضمان سلامته عند الاستخدام العادي، وبيان منفعته العلاجية، وتحديد التكافؤ الحيوي للأدوية الجنيسة. كما أوضح أن المادة 26 من القانون ذاته تفرض أن توزيع الأدوية بالجملة يقتصر على المؤسسات الصيدلية المرخص لها بذلك، وفقا لما تنص عليه الفقرة الثالثة من المادة 74. وفي ما يتعلق بالمنتجات الصيدلية غير الدوائية، أكدت المادة 52 ضرورة تسجيل هذه المنتجات لدى الجهات المختصة قبل طرحها في السوق. كما حذر القدفي من الفوضى العارمة التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تباع أدوية غير مرخصة في المغرب عبر الأنترنت. وأكد أن هذه الأدوية تستخدم في أحيان كثيرة لأغراض إجرامية مثل التخدير، مشيرا إلى أن هناك مكملات غذائية تسوق دون ترخيص وتروج على أنها تمتلك خصائص علاجية، ما يشكل خطرا كبيرا على صحة المواطنين، ودعا القدفي إلى تكثيف الرقابة على هذه الممارسات غير القانونية وتشديد العقوبات على المخالفين، لضمان حماية صحة المواطنين وضبط سوق الأدوية في المغرب. وأشار إلى أن دورية صادرة عن رئاسة النيابة العامة شددت على ضرورة مكافحة وزجر بيع الأدوية والمنتجات الصيدلية غير الدوائية بشكل غير قانوني، طبقا لأحكام المادة 55 من القانون 17.04، الذي يعد بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، ويحظر هذا القانون تقديم الأدوية والمنتجات الصيدلية غير الدوائية أو عرضها للبيع أو بيعها للعموم خارج الإطار القانوني المعد لها، الذي حدد أماكن مزاولة مهنة الصيدلة بالصيدليات ومخزونات الأدوية في المصحات والمؤسسات الصيدلية. كما تؤكد المادة 19 من القانون نفسه أنه لا يمكن القيام بصناعة الأدوية واستيرادها وتصديرها وبيعها بالجملة إلا من قبل المؤسسات الصيدلية الصناعية، والتي تعرفها المادة 74 بأنها كل مؤسسة تتوفر على موقع للصنع وتقوم بعمليات صنع الأدوية واستيرادها وتصديرها وبيعها بالجملة، وعند الاقتضاء، توزيعها بالجملة. سن قوانين صارمة تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع خبر اعتقال أفراد شبكة متخصصة في ترويج أدوية ومواد صيدلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مراكش وأكادير، بالإضافة إلى أفراد شبكة دولية في إسبانيا متورطة في تهريب الأدوية إلى المغرب، وأعرب الرواد عن قلقهم من المنتجات التي تعرض على الأنترنت، مشيرين إلى أن معظمها يكون مزورا، أو منتهي الصلاحية، أو غير محفوظ بطرق سليمة، أو يستخدم لأغراض إجرامية خارج نطاق الترخيص، كما أن بعض هذه المنتجات تدخل البلاد عبر المناطق الحدودية، مثل الأقراص المهلوسة. وأوضح معتصم، أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أن هذه المنصات أصبحت سوقا رقميا لبيع الأدوية والمكملات الغذائية، وحبوب منع الحمل والإجهاض، في ظل غياب الرقابة وضعف تطبيق القوانين، من قبل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وأعرب عن استغرابه من الإقبال المتزايد على شراء المواد الطبية عبر الأنترنت، رغم المخاطر التي تنطوي عليها مثل عدم ضمان مصدرها، أو ظروف تخزينها، أو تاريخ صلاحيتها. وأضاف أن الصيدلي لا يمكنه الترويج لمنتجات مجهولة المصدر، خوفا من فقدان رخصة مزاولته وتعرضه للمساءلة القانونية، على عكس البائعين المجهولين عبر الأنترنت. وأشارت العديد من التعليقات على مواقع التواصل إلى أن هذه المنصات تحولت إلى أسواق مفتوحة تعرض فيها مختلف الأدوية والمستحضرات المجهولة المصدر، خاصة المستحضرات الجنسية، حيث يتم الترويج لها بأساليب تدليسية تدعي فعاليتها وقدرتها على تحسين الفحولة، مستغلين سذاجة البعض ممن ينساقون وراء هذه الإعلانات الوهمية. وأكد المعلقون أن هذه المنتجات تشكل خطرا كبيرا على صحة المستهلك، إذ تحتوي على مواد مجهولة المصدر لا يعرف مكوناتها سوى من يصنعها. كما حذر المستخدمون من خطورة شراء الأدوية عبر الأنترنت، مشيرين إلى استغلال بعض المواقع لمقاطع فيديو للترويج لمنتجات لا علاقة لها بالواقع، وطالب العديد من أعضاء المجموعات "الفيسبوكية" بضرورة سن قوانين صارمة، للحد من هذه الظاهرة المتزايدة في المجتمع، مؤكدين أهمية اتخاذ تدابير قانونية رادعة لمعاقبة المتورطين في هذه الجرائم الإلكترونية وحماية المواطنين من المخاطر، التي تهدد صحتهم.

صيدلية الأنترنت… أدوية بطعم الجريمة

شبكات تستغل مواقع التواصل لترويج عقاقير مهربة وتحقيق أرباح طائلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التلاعب بهبات ملكية لحجاج

"حياة الماعز" في ضيعة بالعطاوية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات