الملكوني… القائد الميداني

لما ترى عبد المجيد الملكوني لأول مرة، توحي لك قامته الطويلة أنك أمام لاعب كرة سلة من زمان تألقها مع الجيش والمغرب الرباطي، والأمر كذلك فأنت في حضرة رياضي شغوف بها، ولا يزال يحافظ على لياقة بدنية عالية تسعفه في ولعه بتأدية مهامه قائدا جهويا للدرك، ميدانيا بتحركات دائمة لتجفيف منابع الجريمة، وفق نهج آمن به باستمرار، وهو ترسيخ لما يصفه ب"الأمن الاستباقي" الذي يتخذه سيرة يومية للقضاء على الشعور باللا أمن. وبدون شك لا يحس الإنسان بأنه أمام ضابط سام خبر الكثير من المهام، ولكن أمام مسؤول كبير في الدرك الملكي، يزاوج بين السلطة ونسج حوار مستمر مع كافة الفاعلين داخل المجتمع المدني. أطلق عبد المجيد الملكوني صرخته الأولى بالرباط في 1965، وهناك استوى على مقاعد مدرسة عمومية ختمها بالحصول على الشهادة الابتدائية ثم الثانوية. التقيت به في أكثر من مناسبة وحكى لي عن مساره المهني ولخصه بالقول "أكملت دراستي بالأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس، وبعد تخرجي التحقت في 1990 بالفيالق المتنقلة بدار السكة ثم فيالق الشرف بتواركة، بعد ذلك عينت قائدا لسرية الدرك بزاكورة ثم بالمنصب نفسه بتاونات، فنائبا للقائد الجهوي للدرك بفاس، ومنها قائدا جهويا بالجديدة ثم مكناس، قبل تعييني قائدا جهويا على البيضاء منذ 2020 ". لا يخفي الرجل في حوارات سابقة أن القضية الأمنية مطروحة بحدة أمام المجتمعات المعاصرة وعلق على ذلك قائلا "في وسائل التواصل الاجتماعي عادة يتم ترويج أخبار تارة صحيحة وتارة أخرى خاطئة بإمكانها أن تنمي الشعور لدى المواطنين باللا أمن. ولأجل التصدي لكل هذه التحديات، يتعين تبني إستراتيجية أمنية استباقية تنبني على تطوير التدخلات ونسج حوار مستمر مع فعاليات المجتمع الميداني". في الجديدة سطع نجم الرجل لما قدم إليها قائدا جهويا ذات يوم من سنة 2011 خلفا للكولونيل محمد قاديري، وطال به المقام بأرض دكالة إلى 2017، وكانت أطول مرحلة قضاها مقارنة بسابقيه، وكانت أمامه مهمة ربح تحديات كبرى في أرض هي مسقط رأس قائد الدرك الملكي حسني بنسليمان، ومنها تأمين 150 كيلومترا من سواحل الجديدة، من عصابات تهريب المخدرات ومنظمي الهجرة السرية، وخفض معدل الجريمة بكل أنواعها، وتوفير ظروف مناخ مناسب لنهضة اقتصادية بثاني قطب صناعي بالمملكة يضم الجرف الأصفر، ونجح في أبعد الحدود في الموكول إليه من مهام، مؤكدا أن الوسيلة المجدية التي ساعدته على كسب الرهان، هو "أمن القرب " من خلال توظيف الموارد البشرية واللوجيستيكية المتوفرة، بطريقة فعالة ترتكز على الدراية بالمجال الترابي واستباق المخاطر للحيلولة دون وقوعها والنجاعة في تدبيرها. لياقة الملكوني أسعفته في أن يكون "دركي الميدان" بامتياز، وهو ما غرسه باستمرار في كل العناصر التابعة له، إذ قاد العديد من المهام العسيرة وهو على رأس جهوية الجديدة، ومنها قيادته لكوموندو سنة 2016 لتخليص أربع طفلات صغيرات من قبضة والدهم سفاح القدامرة الذي قتل 10 أشخاص، وفي تلك الواقعة، يتذكر الملكوني أنه كان أمام امتحان عسير، لما طلب منه إنقاذ حياتهن بأي ثمن، ونجح بتركيز عسكري متمرس في طلقة إلى يد السفاح، سقط إثرها السكين الذي كان يقبض عليه، ما مكن من شل حركته واقتياده في سيارة مصفحة، حيث استمع إليه في محضر رسمي دحض من خلاله أي علاقة بالفكر الداعشي. وفك الكولونيل ماجور العديد من الجرائم الغامضة في أوقات قياسية، ومنها العثور على سائق حافلة نقل حضري مذبوحا على الطريقة الداعشية قرب غابة الحوزية، وجند لأجل الوصول إلى الفاعل فريقا دركيا قاده بنفسه، وفي ظرف 48 ساعة تمكن من إيقافه ، ويتعلق الأمر بمساعد سابق للسائق المقتول نفذ جريمته النكراء المقرونة بالسرقة بدافع انتقامي من الضحية، وبذلك وضع حدا لتناسل تأويلات صاحبت وقوع الجريمة. هذا إضافة إلى العديد من التدخلات الاستباقية التي كان الغرض منها نشر السكينة الضرورية لحياة المواطنين. استيقظ سكان دكالة ذات صباح على خبر انتقال الملكوني قائدا جهويا على مكناس، وأثر فيهم ذلك كما لو أنهم فقدوا واحدا من أقرب المقربين، وتواترت الشهادات في غيبته، وقال أصحابها إنهم فقدوا فيه رجل التواصل والحوار بحس إنساني، والصلابة الميدانية وقدرته على التكيف السريع مع الأوضاع الأمنية الطارئة. مقابل ذلك كان مرؤوسوه يرون في النجاح الذي حققه في الجديدة، هو نفسه الذي تعد جهوية مكناس بحاجة إليه وهو ما أفلح فيه فعلا، وعلى خلفية ذلك قرر قائد الدرك الملكي الجنرال دوكوردارمي محمد حرمو، وضعه على رأس الدرك بالبيضاء، واحدة من أهم مناطق المملكة، وهو الآن يواصل بنجاح كتابة مسيرة استثنائية لرجل درك عصامي مؤمن بالميدان وبالاستباق، ناجح في تصويب تدخلاته الأمنية، مثلما كان ناجحا في تصويب كرات النقاط الثلاث لما كان لاعبا لكرة السلة. عبد الله غيتومي (الجديدة)

الملكوني… القائد الميداني

الكولونيل ماجور يؤمن بأن "أمن القرب" رهان أساسي لتوفير السكينة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تنظيم الإضراب... قانون القرن

موكوينا في قلب العاصفة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات