انطلقت، قبل أيام، حملات لتحرير الملك العمومي، همت، في عمليات متزامنة، مدنا مختلفة من شمال المملكة إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وسط ذهول أرباب المقاهي واستغراب المواطنين. فليست هذه المرة الأولى التي تخرج فيها الجرافات ورجال السلطة، بزيهم العسكري، ومعهم رجال القوات المساعدة لاستهداف رصيف محتل من قبل محل تجاري، أو حديقة مشيدة على أجزاء غير مملوكة لصاحبها وتقع في الملك العمومي، إذ ألف المواطنون هذه المشاهد، التي تتكرر في كل مناسبة، وما أن تنتهي الحملة وتعود الجرافات إلى مرائبها ورجال السلطة إلى مكاتبهم، حتى تبدأ من جديد حملات أخرى للترامي على الملك العمومي في وضح النهار، وأمام أعين السلطات المحلية، التي لها من المخبرين من يقتفي ليلا آثار "ياجورة" أو كيس من الإسمنت والرمل. تكرار هذه الحملات وما تخلفه من استياء تتحول فيه السلطة المحلية إلى متهم، وتكال لها شبهات الشطط والانتقائية والتمييز، وغيرها من الأوصاف الجاهزة التي يطلقها، في حالة غضب وتذمر، من امتدت إليهم معاول الهدم، إذ تطرح استفهامات عريضة حول مدى نجاعة هذا الأسلوب، وأيضا حول هدر المال العام الذي ينجم عن الحرب على الواقيات الشمسية والامتدادات التي تلتهم الرصيف، وغيرها من سلوكات احتلال الملك العمومي، التي تحولت، في بعض المناطق، إلى حقوق مكتسبة، ناجمة عن حيازة فعلية وهادئة امتدت لسنوات. هدر المال العام هنا، لا يتعلق بكمية الغازوال التي تستهلكها الجرافات ولا بالجرافات نفسها التي تشتغل ساعات على نفقة السلطة، ولا أيضا بهذا الكم الهائل من الموظفين الذين يستغرقون ساعات وأياما في هذه الجولات، كان يمكن استغلالها في شيء آخر يعود بالنفع، تاركين مكاتبهم شاغرة ومهام أخرى وراءهم، ومرتفقين ينتظرون توقيع شهادة أو قضاء أغراض إدارية. هدر المال العام الذي ينجم عن هذه الحملات، يتجلى أساسا في واجبات احتلال الملك العمومي، سيما أن عمليات السلطة المحلية، وإن كانت تحرر الملك العمومي، إلا أنها تحمل في الآن نفسه نوعا من التمييز والمفاضلة، فكيف ينظر من يحترم القانون ويؤدي واجبات الأمتار التي يحتلها بانتظام للبلديات والجماعات، إلى من احتلها لسنوات دون سند أو قانون، واكتفت السلطة بإزالة المخالفة دون توقيع الجزاء؟ لو اشتغلت السلطة ومعها الجماعات، على إجبار المحتل للملك العمومي على دفع واجبات الاستغلال، ومعها جزاءات عدم احترام القانون، وتوقيع نفقات الهدم على المخالف، لامتنع مستبيحو الملك العمومي عن هذه السلوكات، وأدركوا أنها ستكلفهم غاليا. لكن أن تكتفي بهدم ما شيد لسنوات واستغله صاحبه فعليا في زيادة مداخيله وعلى نفقات الدولة، فهذا سيشجع أكثر على التمادي في السلوك، ويجعل السلطة في كل مرة مجبرة على حملات لا تنتهي. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma