تتبختر"صروفة" الكلاب الضالة في الساحة الصغيرة،قرب ملتقى شارع مكة، قيد الإصلاح، وشارع فاس بمقاطعة عين الشق بالبيضاء، غير مبالية بمنبهات السيارات، و"عصا" عامل بناء تلوح في الهواء، حاول تخويفها، لإجبارها على الإسراع بالعبور إلى الجهة الأخرى من الطريق، تفاديا لعرقلة حركة السير بهذا المدار المختنق. تتوقف أربع سيارات وشاحنة وجرافة في خط مستقيم، لتفسح المجال إلى مجموعة الكلاب بألوان بيضاء وسوداء ومرقطة للمرور، محافظة على الإيقاع نفسه من التثاقل، كأنها تمشي على حبات بيض، وتخاف تكسيرها. كل شيء متجمد في هذه اللحظة في حضرة هذا الاستعراض الكلبي المنظم في واحدة من أرقى مناطق البيضاء، وغير بعيد عن مجموعات الفيلات والمطاعم والمصحات الفارهة، مع أني لا أعرف على وجه التحديد، ماذا تفعل كلاب ضالة في مكان "نظيف" ودون أزبال تقريبا. مازالت أراقب "المنظر" من وراء الزجاج الأمامي للسيارة الذي غشته قطرات من الأمطار، وأنا أتذكر صوت القاضي الذي حكم ضد جماعة البيضاء، بخمسة ملايين لفائدة امرأة أرعبها كلب مفترس في ممر مظلم بمقاطعة الحي الحسني. تخيلت، لو فكر كل مواطن في البيضاء، وقد تجاوز عددنا 3 ملايين و200 ألف نسمة، في التوجه إلى المحكمة الابتدائية لاستصدار تعويض مالي عن هجوم كلب، ماذا سيكون الوضع آنذاك، إذ لن تكفي مداخيل الجماعة برمتها لتسديد نفقات كلبية باهظة، ستصبح إلزامية بمرجعية القانون وأحكام حائزة لقوة الشيء المقضي به. في أماكن أخرى من المدينة، هناك مجموعات أخرى من الكلاب من كل الأنواع والأصناف والأحجام، لم تنجح حملات التعقيم المحدودة، أو الجمع الموسمي من الحد من أعدادها، رغم المجهودات المبذولة من قبل المصالح المعنية، في وقت يقر الجميع بصعوبة الأمر وحساسيته، أحيانا، لأنك تتعامل، في الأول والأخير، مع كائنات حية لها اعتبارها ومكانتها في منظومة حماية الحيوانات والرفق بها. لقد ولى زمن، كانت فيه "البلدية" تطلق رجالا غلاظا وطوالا، مسلحين بقضبان وعصي تنتهي بدوائر حديدية، يطاردون الكلاب الضالة، بلا رحمة، في الشوارع والأزقة والأحياء، ويلقون القبض عليها، ويلقونها في عربات تجرها دواب، ثم يرمى بها في "الفوريان"، وتقتل بالسم، وانتهى الأمر. في مدن أخرى، كانت الكلاب الضالة تقتل بالرصاص مثل أرانب وطيور الحجل، قبل أن يتوقف كل ذلك، تحت الضغط والإدانة، وعرائض محبي الكلاب، الذي يقترحون حلولا أكثر نعومة ورقة وإنسانية. وبين النعومة والخشونة، لا تتوقف الكلاب عن التناسل والتوالد، وتنظيم عمليات الانتشار وإعادته كلما اقتضت "الصروفة" ذلك. دون أي حل في المنظور القريب على الأقل. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma