يحتاج نظام البيضاء إلى تغيير جذري، بعد أن وصل النموذج الحالي، المعتمد على جماعة واحدة و16 مقاطعة و8 عمالات، إلى الباب المسدود، ومعه "جبال" من الصعوبات والمشاكل والإشكاليات التقنية والإدارية والترابية التي تزداد "قسوتها" كل يوم. وبدأ رؤساء مقاطعات ومنتخبون يعبرون عن هذا المأزق بوضوح كبير في عدد من التصريحات والمداخلات، آخرها تقديم رئيس مقاطعة عين الشق (محمد شفيق ابن كيران)، مقترحين للسلطات المركزية المعنية: إما إضافة مقاطعة ثانية بعمالة مقاطعات عين الشق (قد تحمل اسم مقاطعة سيدي معروف)، أو التفكير الجدي في صيغة لإعادة النظر في المخصص المالي السنوي، لتغطية الحاجيات الكبرى للسكان وانتظاراتهم المشروعة. ومباشرة بعد صدور تقرير للمجلس الأعلى للحسابات يقيم تجربة 20 سنة من نظام المقاطعات، المعتمد في ست مدن، دعا الرئيس نفسه إلى التخلي الكلي عن هذا النظام في البيضاء، وتعويضه بأربع جماعات كبرى (وأربع عمالات)، باحترام معيار التعداد السكاني، بواقع مليون ونصف مليون نسمة، تقريبا، لكل جماعة. وفي اعتقادنا، أن خروجا إعلاميا من هذا النوع، يكسر جدار الصمت ويحفز على النقاش ويعيد وضع الأمور في نصابها الحقيقي، وإعادة طرح السؤال الجوهري من جديد: هل المشكل يكمن في النخب المسيرة للمدينة، أم في وصول النموذج المعتمد إلى نهايته؟ أم هما معا؟ فمنذ 2003، جربت الحكومة نظام وحدة المدينة في سياق سياسي واجتماعي واقتصادي ومجالي معين، استنفد جميع إمكانياته ومبرراته في الوقت الراهن، إذ تختلف البيضاء اليوم (ديمغرافيا ومساحة ونشاطا وعمرانا وممتلكات ومجموعات سكنية وسكانية) عن البيضاء قبل 20 سنة، وهي حتمية تاريخية وعلمية، في إطار منطق تطور الأشياء والأماكن والبشر. وينبغي أن نمعن النظر، في بعض الأحيان، إلى عدد من الإشكاليات التي تبقى بلا جواب، كي نفهم أن النموذج الحالي أضحى عبئا على الجميع، ولم يعد يساير طموحات مدينة ميتروبولية تسعى إلى التموقع ضمن أهم الأقطاب العالمية في مجال المال والاقتصاد والاستثمار. لقد وصل مدبرو المدينة إلى مرحلة "التظاهر" بإنجاز عمل "ما"، من داخل نظام ترابي، تتضخم إكراهاته القانونية والبشرية والإدارية والتقنية كل يوم، ويكبر التداخل بين الاختصاصات الممنوحة للجماعة والتخصصات الممنوحة للمقاطعات، التي تتمتع باستقلال مالي وإداري محدود، دون شخصية اعتبارية، وتتعاظم الإشكاليات المتعلقة بالمداخيل والاستثمارات والإنجازات والشراكات، والخصاص الفاحش في الموارد البشرية النوعية. أكثر من ذلك، يشعر عدد من المسيرين أنهم بصدد تدبير "أزمة" بأقل الخسائر الممكنة، بدل الانطلاق في إبداع حلول ومقاربات وتصورات ورؤى خلاقة لتنمية المدينة. يوسف الساكت للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma