في حضرة ملك جبار

رجال ركراكة... الحكاية من السطر الأول 8 تقدم حنان ركراكي، حفيدة "سيدي واسمين"، سلطان ركراكة الأحرار، في هذا الكتاب، واحدة من تحف السرد الأنيق لقصص رجال شرفاء نسجت حولهم الأسرار والأساطير وأحاطت بهم الألغاز، وتحولت سيرهم إلى حكايات في أفواه الجدات للأحفاد. إعداد: يوسف الساكت كان زئير الأسود وزعقات الجمهور المحتشد تصل إلى سمع إدريس من خلف جدران القصر الفخم، كان بناء ذا شكل بيضوي متناسب، مشيدا بالحجارة المنحوتة، وقادرا على استيعاب الآلاف من المشاهدين. كان يستمع إلى أصوات الطبول المدوية والأبواق القوية، معلنة قدوم الملك سيسبوت ووزيره باديس. وكانت الساحة الداخلية للقصر تعج بالمحاربين وهم يتهيؤون لخوض نزالهم الدموي، بينما يدعو بعضُ الأسرى الجدد الملكَ سائلين منه الرحمة والإنسانية تجاههم، غير أن أصواتهم كانت تسمع بالكاد وسط الانفعال والهيجان الذي اشتد بالمتفرجين. أشار الملك بيده محييا فبادله الجمهور بمثل تحيته وبحركة آمرة أطبق الصمت، ثم تقدم بفخر وقال: - مواطني فولوبيليس!، مرحبا بكم! مرة أخرى ها هي النزالات التي لم تسبق تهدى إليكم. رجال بقلوب آساد، لا يخشون بأس عدوهم، سيتقاتلون من أجلكم، فالنصر والمجد للأبطال الفائزين. أثار هذا الخطاب كالمعتاد حمية الجمهور، ثم أعلن الملك بداية المبارزات. كان واسمين وإخوته وكثير من المعتقلين في وضعية ترقب، يشاهدون الأسرى يُزج بهم على طبق التوحش إلى الحيوانات المفترسة. بعد برهة لم يستطيعوا تحمل هذا الاحتفال البهيمي فبدؤوا ينفخون بكل قواهم على تلك المخلوقات الجارحة التي تسمرت في مكانها فلم تعد تصدر عنها أي حركة. وهكذا، دخل واسمين وإخوته إلى ميدان المبارزة تحت سمع وبصر الحشد المشدوه وملكٍ لم يقلّ عنه ذهولا وحيرة. صرخ واسمين: - كل جور وظلم يقع علينا ليس إلا ابتلاء من الله ذي الحمد، خالق كل الموجودات وكل الأشياء، لقد جئنا من بعيد باحثين عن الحقيقة والسلام. وما نحن فيه الآن ليس عقابا، بل هو اختبار من الله الذي له الحمد والشكر. قاطع سيسبوت الحفل وسط خيبة الحشد الذي لم ير من قبل مثل هذه الأعجوبة، وأمر وزيره باديس باصطحاب واسمين وإخوته إلى غرفة الاجتماعات. كان باديس خائفا مما رآه لكنه كان مجبرا على تنفيذ أمر الملك. وهكذا توجه نحوهم وطلب منهم بصورة رسمية أن يتبعوه. لم يعرف الملك، وقد اشتملت عليه الحيرة، ماذا يفعل، ألم يكن بنفسه ملكا مسيحيا! أمر بتوقيف النزال وإرجائه إلى وقت لاحق. كان الجمهور أيضا منشغل البال بهذه المعجزة وما صاحبها من كلام إلهي. من بعيد كان إدريس يشاهد ما فعله إخوته، وكيف أنهم سمحوا باتخاذهم أسرى لكي يخاطبوا هذا الجمهور الكبير الجاهل والساذج. لحق الملك مرفقا بحراسه بواسمين وإخوته في قاعة الاجتماعات وجلس فوق عرشه ثم تفرّس طويلا فيهم. كان حتما مشغول البال، مترددا وبقدر ما يثبّت نظراته فيهم تتزايد مخاوفه. ثم انتهى بأن قال بنبرة فظة: - ماذا ترون فيَ وفي منجزاتي؟ - لسنا من هذه البلاد، أجاب واسمين، لكن كل شيء من حولنا يجعلنا نعتقد بأنك رجل صادق وعادل، لست في حاجة إلى هذه المبارزات والتضحيات لتسلية الناس. - هل تعتقدون أني من أولئك الذين فقدوا عقولهم؟ اكشفوا لي عن سحركم إن أردتم أن أعفو عنكم! - السحر بعيد عنا! نحن قوم مؤمنون، أجاب أحد الإخوان. طلب واسمين من الملك أن يسمح لإدريس بالدخول من مكان انتظاره بالخارج، فأمر سيسبوت الحرس بإحضاره، وما إن دخل حتى حيّى الملك بإعظام وبسط أمامه الزربية التي أعطتها إياه تافوكت. ارتاب الملك قليلا إذ لم يكن يرى أمامه غير زربية عادية نسجت في وسطها صورة فتاة. طلب واسمين من الله عونه وتأييده: - بدعواتي وابتهالي إلى الله، باسم العلي الكبير خالق السماوات والأراضين، محيي الموتى، الحافظ، الرازق عباده من الخيرات في هذه الدنيا الدنيّة، أخرجي من سجنك وأسرك في هذه الزربية، انطلقي من عقالك في هذا الرسم المنسوج واتخذي هيأتك الأولى التي خلقك الله عليها. عودة الابنة المسحورة قبل نهاية كلام واسمين، أخذت الزربية ترتج بشدة، ومن الصورة خرجت امرأة شابة جميلة بمظهر أميرة، أغمي على سيسبوت من شدة الصدمة فقد كانت المرأة الماثلة أمامه ابنته الأميرة التي فقدها في ظروف غامضة خلال أحد أسفاره بإيبيريا وكانت تافوكت المرافقة الشخصية لها. انحنت الأميرة على أبيها وساعدته على القيام. أعطى الملك تعليماته لوزيره باديس باصطحاب ضيوفه، والقيام بشؤونهم وإطلاق سراح إساف، قبل تجهيزهم بما يحتاجونه في سفرهم المقدس واقترح عليهم اختيار من يرافقهم ويقوم بخدمتهم. تطوع كل من إساف وتافوكت والوزير باديس بذلك فأخذ الجميع أهبتهم للسفر ومبارحة المكان مع انبلاج الفجر.

في حضرة ملك جبار

أعطى تعليماته لوزيره باصطحاب ضيوفه وتجهيزهم بما يحتاجونه في سفرهم المقدس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عندي ما يكال: ‭"‬دير‭ ‬الخير‭ ‬ونساه‭"‬

حجز مخدرات بالحسيمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات