بقلم: ذ. صلاح الدين شنقيط أيام تنقضي...تؤكد حكمة القرار الملكي، ونبل الموقف، المتخذ بالعفو عن ذوي جرائم الحق العام، بتعدد صفاتهم ومهامهم...الكل كان سعيدا بهذا الإجراء، توقيته، وسياديته...لأنه أغلق موضوعا لطالما استهدفت بلادنا، دون وجه حق... من تفاصيله، التي طالما أخرجت عن إطارها القانوني والقضائي، للبحث في "ما وراء" كل ذلك، بعناوين التآمر، وضرب حرية التعبير وإسكات الصحافة المستقلة...فأجابت الدولة، أنها قوية، وأنها لا تخاف في قول الحق لومة لائم، وأنها بنية حسنة، تريد طي صفحة، لكن رجاء دون أن يأتي ذلك على حقوق الضحايا، وحقيقة الأحكام القضائية، وصحة وعدالة الإجراءات المتبعة خلالها. وعلى شاكلة كل المبادرات الجريئة، التي لم يحسب لها جيدا...تستفيق ردود الفعل متأخرة، تتلعثم، تطلب وقتا للتفكير لفهم ما جرى...تجمع شتات تفكيرها، تحاول تركيب جملها، تصيغ خطابها، تتصل بمصادرها...وهي مترددة...لا تريد أن ترى الحقيقة أمامها، فتحاول أن تلتف على مبادرة العفو، بالتذكير، وكأننا جاهلون بذلك، بأن في الغياهب مجموعات أخرى تنتظر العفو...أو أن هذا الأخير، ما كان له أن يكون لولا "الضغط" الذي مورس...بل إنها تذهب بعيدا، حين تقول بأن المستفيدين من العفو لم يطلبوا عفوا ولم يدبجوا اعتذارا...فهل صفح جلالته يتوقف على طلب شكلي؟ وهل غياب الاعتذار ينسخ الجريمة ويلغي حقوق الضحايا؟ لا نريد سجالا مع هؤلاء، فبعضهم لا يعرف شيئا غيره، لكننا نريد أن ننبه إلى أن الترحاب المغربي، المعهود في تقاليدنا، يجب ألا يوظف للإساءة إلى ذكائنا، فكلنا يعرف ماذا جرى، وكيف جرى...أطوار المحاكمات، وكيف تمت، والضغوط التي تحملها القضاة من الداخل والخارج، لكي لا ينظروا في أوراق الملفات وتفريغات الفيديوهات، وأن يحكموا بمعطيات خارجه...لذا، دعونا نفخر بالمبادرة، في تثمين لمنجزات بلادنا، على مستوى تدعيم سيادتها ووحدتها الترابية، وأيضا على رهانها على التنمية الاقتصادية وكرامة الإنسان، والدخول إلى نادي الاقتصاديات الصاعدة...حلم...أصبح في أجزاء كبيرة منه حقيقة، حلم الرعاية الاجتماعية، حلم البديل الاقتصادي، حلم الوصول إلى السيادة المائية، حلم تنظيم كأس العالم...وكلما كان طموح الدولة كبيرا كانت أحلامها أكبر... فما الذي ستخسرونه لو نسبتم الفضل لأهله، واعترفتم بخطئكم، وتوشحتم وشاح الفضيلة، عوض التستر بالكوفية وعلم فلسطين للتمويه، ودبجتم في تدوينة موضوعية شكرا لصاحب الرسالة، واستيعابكم ظاهرها وباطنها، وطلبا للصفح من الضحايا...أما أن يتم الحديث عن "ماء الوجه"، و"حمل السيف"، و"العمالة"، و"الطعن"...فلا حرج في ذلك، شريطة أن تُروى الحقيقة كاملة، عمن كان يؤجر قلمه لأكبر العطايا، ومن أوقف افتتاحياته خدمة لمشروع الأحمر؟ ومن غاب عن وجهه "الماء"، وهو الذي تسبب في انتهاك أعراض الحرمات جبرا وقسرا؟ وعمن تأبط سيفه شرا ضد بلاده وضد مصالحها بدعوى ممارسة حرية التعبير؟ ومن جفف ينابيع أمواله تهربا من أحكام قضائية؟ ومن يحاسب الدولة على أخلاق، دلت التجربة على أنه لا يملك منها شيئا...وإذا كانت الدولة، قد امتلكت يوما الجرأة لطي صفحة ماضي عنفها، عبر عمل هيأة الإنصاف والمصالحة، فرجاء أن تكتب اعتذارا للضحايا...فلكي نتحدث عن الديمقراطية، لا بد أن نكون ديمقراطيين وليس مغتصبين...وإذا كنا نريد "أخلاقا في السياسة"، فلا بد أن نملك ونتملك "سياسة الأخلاق"...