القطاع الخاص فتح الباب لتعليم بسرعتين

الصديقي أستاذ الاقتصاد أكد أن هناك مؤامرة وراء ضرب المدرسة العمومية لحساب "أصحاب الشكارة" قال عبد السلام الصديقي، أستاذ الاقتصاد، إن التعليم الخاص يمثل 17.8 في المائة من مجموع المتعلمين في الابتدائي، و10.7 في المائة في الإعدادي، و11.5 في المائة في التأهيلي، و5.8 في التعليم العالي. وأوضح الصديقي في حوار مع «الصباح» أن الاستثمار في التعليم، ولجه كل من هب ودب، من بين «أصحاب الشكارة»، ومن لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالتعليم، لأن القطاع مربح، وسريع في جني الأرباح. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني بات الاستثمار في التعليم الخاص مجالا جذابا لرجال المال والأعمال. ما هي في رأيك، العوامل التي تقف وراء هذا الإقبال في علاقته بالاختيارات التعليمية؟ > كان التعليم الخاص بعد الاستقلال يضطلع في البداية بوظيفة المنقذ، حيث كان يستقطب التلاميذ، الذين لم يحالفهم الحظ في الولوج إلى التعليم العمومي، إما لغياب المدرسة العمومية، أو لعدم تمكنهم من تحقيق النجاح في الامتحانات، ويكون مصيرهم الطرد، مع الإشارة إلى أن التعليم الخاص كان يقتصر على الابتدائي والثانوي حصريا، ولم يكن هناك وجود للقطاع الخاص في التعليم العالي. وبالنظر إلى هذه الوظيفة الاجتماعية، التي كان يؤديها التعليم الخاص حصل نوع من الإجماع بين مختلف الفرقاء السياسيين أثناء إعداد الميثاق الوطني للتعليم، الذي اعتبر التعليم الخاص «مكملا» للتعليم العمومي، مع وضع سقف لا يجوز تجاوزه، وهو 10 في المائة من المتعلمين والتلاميذ. ومنذ ذلك الحين، عرف التعليم الخاص تطورا ملحوظا أفقيا وعموديا، وتوسع، ليشمل التعليم العالي، خصوصا ما يتعلق بعلوم الهندسة وعلوم التدبير والعلوم الطبية. ولم يعد التعليم الخاص يلعب دورا مكملا، بل أصبح أحيانا يحتل مكان الصدارة، ودور المنافس القوي، الذي يساهم في انهيار المؤسسات التعليمية العمومية وتعميق فشلها. ولنا أن نتساءل، لماذا لم تنجح مشاريع الإصلاح، التي تعاقبت منذ ستينات القرن الماضي؟ ألا يعتبر الفشل أو «الإفشال» مقصودا و»مؤامرة» مدبرة من قبل جهات تستفيد من هذا الوضع على أكثر من مستوى؟ ألم يحن الوقت لنسمي الأشياء بمسمياتها، بدل الدوران في الفراغ، واللغة الخشبية التبريرية، أمام واقع عنيد؟ ما هي إيجابيات انفتاح الرأسمال على الاستثمار في التعليم، وما هي تأثيرات ذلك على جودة المدرسة؟ > تؤكد معطيات المندوبية السامية للتخطيط، أن التعليم الخاص يمثل 17.8 في المائة من مجموع المتعلمين في الابتدائي، إلا أن هذه النسبة مرتفعة جدا في المدن، وقد تتجاوز50 في المائة في بعض الأحيان. ويمثل في الإعدادي 10.7 في المائة، وفي التأهيلي 11.5 في المائة، و5.8 في التعليم العالي، إلا أن هذه النسب التي قد تبدو متواضعة، فهي في الحقيقة مرتفعة للغاية، حينما نقوم بدراسة نوعية، فعلى سبيل المثال، لا وجود للقطاع الخاص في الشعب ذات الاستقطاب المفتوح، مثل كليات الحقوق والعلوم الإنسانية، بينما ينصب اهتمام القطاع الخاص، على التكوينات الواعدة، والتي لم يتم الولوج إليها في القطاع العام، على أساس الانتقاء وإجراء المقابلات والامتحانات. وهذا يفتح المجال لتطوير تعليم بسرعتين، فأبناء الأثرياء هم الذين يتمكنون من متابعة دروسهم في مثل هذه المؤسسات الخاصة، بما فيها المؤسسات التابعة للبعثات الأجنبية، المختلفة. وهنا يبرز الطابع النخبوي والطبقي للمنظومة التربوية: تعليم غير نافع مقتصر على أبناء الفقراء و»أولاد الشعب»، وتعليم نخبوي يفتح على العموم آفاقا لمن له إمكانيات في مؤسسات خاصة تمول جزئيا من جيوب الشعب، وتلك هي المفارقة الغريبة في بلدنا السعيد. وهذا يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص وحقا من الحقوق المنصوص عليها في الدستور، ألا وهو الحق في تعليم نافع. كما تعاني هذا الوضع، فئات عريضة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، التي تضحي بجزء غير يسير من مدخولها الشهري، لضمان تمدرس أبنائها، ما يؤدي إلى تفقيرها، وتدحرجها إلى مستوى الفئات الفقيرة. يرى البعض أن ما يشجع الإقبال على الاستثمار في التعليم الخاص، هو تخلي الدولة التدريجي عن التعليم العمومي. هل يشكل هذا الاختيار ضررا على المدرسة والجامعة العموميتين؟ > يتضح جليا العلاقة الجدلية بين فشل القطاع العام، وازدهار التعليم الخاص، حيث أن «مصيبة البعض تصنع سعادة الآخرين»، لذلك تحدثت سابقا عن «مؤامرة» مدبرة في الخفاء وأنا أعي ما أقول. إن الاقتصاد الوطني ببنيته الحالية عاجز عن استيعاب كل الخريجين، إذا كانوا يتمتعون بجودة التعليم، وبمستوى عال في التكوين والمهارة، لذلك تتم «التصفية» تدريجيا من خلال الانقطاع عن الدراسة، خصوصا في العالم القروي، وتوجيه «أولاد الشعب»، إلى مؤسسات جامعية ذات الولوج المفتوح، وهذه المؤسسات عبارة عن «مقرات لحراسة البالغين»، كما كان يحلو لأحد الأساتذة المرموقين وصف الظاهرة. فمن بين 100 طالب يلجون الكلية، فقط 20 أو أقل من ذلك، هم الذين يتمكنون من إنهاء مسارهم الجامعي. ومن المؤكد أن المغرب حقق «نجاحا» على المستوى الكمي، إذ ارتفع معدل التمدرس إلى 100 في المائة في الابتدائي، كما سجل تطور كبير في الإعدادي والثانوي، بشكل كبير، وعدد الطلبة المسجلين في الجامعة تجاوز المليون طالب، إلا أن هذا «التضخم الكمي» لم يرافقه تحسن نوعي، ولعل معدل البطالة في أوساط الخريجين، وتقهقر التصنيف الدولي للمغرب، وتكاثر الشباب الذي لا يدرس ولا يشتغل ولا يتابع تدريبا، كلها عناصر دالة عن فشل المنظومة التربوية. يستفيد القطاع الخاص في قطاع التعليم من امتيازات ضريبية وتحفيزات كبرى. هل لنا أن نعرف نوعية وحجم هذه الامتيازات؟ > نعم، أمام تراجع دور الدولة وعدم قدرتها على ضمان تعليم نافع لجميع أبناء المغاربة، عملت على تمتيع القطاع الخاص بامتيازات عديدة، وبسخاء كبير، وأصبح يحظى بمعاملة خاصة، معتبرة إياه « قطاعا منتجا» للربح. إن الاستثمار في التعليم، ولجه كل من هب ودب، من بين «أصحاب الشكارة»، ومن لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالتعليم، مادام هذا القطاع مربحا لذوي الأموال، وسريعا في جني الأرباح، عكس القطاع الصناعي والقطاعات المنتجة، ولا يعرض صاحبه إلى أدنى مخاطرة أو مجازفة، كما يتمتع بجميع الامتيازات والإعفاءات المنصوص عليها في قانون ميثاق الاستثمار. وقد أصبح هذا القطاع يحتل الرتب الأولى، من بين الاستثمارات التي تصادق عليها اللجنة الوزارية، التي يترأسها رئيس الحكومة. وعلى سبيل المثال، يحظى الاستثمار في التعليم بالاستفادة من مساعدات مالية وإعفاءات جمركية حول التجهيزات المدرسية بما فيها وسائل النقل. بالمقابل، ترفع الحكومة ومؤسسات الحكامة يدها عن أي مراقبة، باستثناء «مراقبة بسيطة» تهم المناهج والبرامج المدرسية، أما الأسعار المفروضة على أولياء التلاميذ، فالحكومة تعمل بمبدأ «الاقتصاد الحر»، فالسوق حرة، كما أكد على ذلك مجلس المنافسة، حيث امتنع في أحد تقاريره، عن مراقبة الأسعار، والتدخل «في ما لا يعنيه»، معتبرا أن «الموضوع يتعلق بقطاع تنافسي، خاضع لقانون العرض والطلب. وهكذا، جرى تحويل خدمة عمومية بامتياز إلى «بضاعة» يتم التعامل معها حسب قانون السوق، في انحدار قيمي، وانزلاق أخلاقي. ما هي في رأيك الوصفة الناجعة، لكي يساهم الاستثمار الخاص في النهوض بالتعليم، مقابل كل الامتيازات التي يستفيد منها؟ > الوصفة موجودة في الدستور، الذي صادق عليه الشعب المغربي، والذي كان نتاجا لحراك اجتماعي واسع، فالتعليم أولا وأخيرا خدمة عمومية، تدخل ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما نص عليها الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة، والتي صادقت عليها بلادنا. قطاع سيادي الكل يتحدث عن تحسين مستوى التعليم العمومي، والرفع من جاذبيته، وهذا مجال فشلت فيه جميع الحكومات، وربما وجب اعتبار هذا القطاع قطاعا «سياديا»، مثل الدفاع الوطني، والأمن ويحتاج الى إرادة سياسية حقيقية متبوعة بتدابير واعمال مبدا المحاسبة. إن الإصلاح يمر بالأساس عبر انخراط رجال ونساء التعليم، وتحسين مكانتهم الاعتبارية في المجتمع، مع العمل على تحسين مستوى التكوين وإعادة النظر في التحفيزات، أما على مستوى القطاع الخاص، فينبغي اعتباره شريكا للدولة والمجتمع، يخضع للقوانين والمراقبة في التكوين وفي الأسعار. فلا ارتقاء ولا صعودا اقتصاديا، دون نجاح المنظومة التربوية، وانخراط الشباب في مسيرة التنمية التي يقودها ملك البلاد بإرادة قوية وعزيمة صادقة. في سطور - من مواليد 1951 بتازة - أستاذ التعليم العالي - حاصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية من جامعة الحسن الثاني بالبيضاء (1988). - وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية سابقا - عضو بالديوان السياسي للحزب منذ ماي 2010. - عضو بالمكتب الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ما بين 2006 و2010. - عضو جمعية الاقتصاديين المغاربة وعضو بالمكتب الوطني لجمعية الريف للتنمية والثقافة.

القطاع الخاص فتح الباب لتعليم بسرعتين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

‭"‬إيتيكيت‭" ‬تحدث‭ ‬الأطفال

نصائح‭ ‬لغرفة‭ ‬الطعام‭ ‬الضيقة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات