القاضي يبلغ ووزير العدل يوقفه !

الوزير لم يواجه الحدث بما يستدعيه من حزم وعزم عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي تمس بصدقية مبدأ استقلال القضاء بقلـم : جلال الطاهـر* هل استقلال القضاء، أصبح واقعاً معيشياً، وحقيقة لا تأتيها التدخلات من أي جهة من الجهات الأربع، استقلال قوي، ثابت، صريح صراحة النصوص الدستورية، والقوانين التنظيمية، ما صدر منها، والذي ما زال ينتظر ؟ ، أم أن جملة استقلال القضاء- بالرغم مما ذكر- كانت وستظل، جملة يتكرر ترديدها لفظياً، دون تكريسها، وممارستها فعلياً، حتى كادت تفقد حتى معناها اللغوي، فأحرى مضمونها الحقوقي والدستوري ؟. مناسبة هذا الكلام، هو قرار وزير العدل والحريات، القاضي بتوقيف محمد قنديل، القاضي بابتدائية العيون (2015.1.6)، بعلة أن القاضي المذكور، قد أتى أفعالا مخلة بالشرف والوقار.ومن المعلوم أن محمد قنديل، كان قبل مدة، أبلغ وزير العدل والحريات، تعرضه للتدخل في قضية معروضة عليه، من طرف رئيس المحكمة، الذي أمره بتغيير حقيقة في ملف معين، حيث أبلغ القاضي محمد قنديل، أن مضمون التدخل، موثق بمنطوق وصوت من صدر عنه، مما يشكل مبدئياً وسيلة إثبات، اعتباراً لأهلية المشتكي، أو على الأقل قرينة قوية على ثبوت الفعل، تستدعي من السيد الوزير، المبادرة إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية، وتحريك المساطر القانونية، للتأكد من ثبوت «التدخل في قضية معروضة على القضاء»، وترتيب النتائج القانونية على ذلك، وقد يكون في ذلك إنصاف للطرفين: «المشتكي» و«المشتكى منه».إلا أن الملاحظ، هو أن وزير العدل والحريات، لم يواجه الحدث بما يستدعيه من حزم وعزم، على غير عادته، في مثل هذه الحالات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي تمس بصدقية مبدأ استقلال القضاء، أو التي لها طابع الانحراف في سلوك القاضي، بسبب الإغراءات المادية، والنوازل التي مارس فيها السيد الوزير مسؤوليته شاهدة على ذلك، منها ما وقع البت فيه، من طرف المجلس الأعلى للقضاء، ومنها ما هو معروض عليه...وما يعطي لهذه القضية صبغتها الاستثنائية، التي تستدعي الاستعجال في مواجهتها، هو أنها صرخة استغاثة، من قاض شاب، له حمولة معرفية، تثبتها المكانة التي تبوأها بين زملائه القضاة (عميد للفوج 37).وله حصانة أخلاقية، هي التي دفعته إلى مواجهة التدخل في عمله القضائي، وله إيمان بأن دستور 2011 يحميه من أي تدخل، ومن الأكيد أنه قرأ الفصل 109، الذي: (يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية، أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط).يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر، عن المتابعات القضائية المحتملة.يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة الفصل 109 من الدستور.ووزير العدل والحريات، وهو من ثمرات دستور 2011، الذي تضمن مقتضيات قانونية، وآليات مؤسسية، غايتها المثلى، ومقاصدها السامية، هي ضمان استقلال القضاء، نعتقد أن أوجب واجباته أن يتلقف هذه الإحالة، التي لا يمكن وصفها إلا بالشجاعة، لأنها تشكل سابقة، كون قاضيا يحيل التدخل الذي اعتبره مهددا لاستقلاله، على وزير العدل، باعتباره ينوب عن رئيس المجلس الأعلى للقضاء - جلالة الملك - الضامن لاستقلال السلطة القضائية، ليتخذ الإجراءات ضد كل من حاول التأثير على القاضي بصفة غير مشروعة، وفي هذا تقوية لثقة القضاة ، في الحماية الدستورية لاستقلالهم الفعلي، لأنه من الأكيد على أن ما تعرض له القاضي من تدخل ، يجري لدى مختلف المحاكم، وبشتى الصور والوسائل، ويتعرض القضاة، للتدخل في شؤونهم، ولا يواجهونه بالطريقة المثلى التي لجأ إليها قاضي «العيون» ، المفتوحة على حقيقة الإيمان الصادق بحرمة العدالة، واستقلال القاضي، ومسؤوليته الشخصية عن عمله القضائي، رقيبه فيه ضميره ، بعد الله.فكان الأجدر بوزير العدل والحريات، بدل أن يترك تظلم القاضي، يتأرجح في دواليب الوزارة، عرضة للإجراءات البيروقراطية العادية، أن يسارع، إلى جعل هذه القضية من أولى مشاغله اليومية، للوقوف على الطبيعة الخطيرة، للتدخل من جهة، وفي ذلك تشجيع لبقية القضاة الذين يتعرضون- وربما يومياً- لامتحان التدخلات المشابهة، ليواجهوها بالمناعة أولاً، والإحالة على السلطة القضائية ثانياً.هذا مع العلم، أن «تظلم» القاضي، قد بلغ لوزير العدل والحريات في أكتوبر 2014، وبدل أن يتم تفعيل الإجراءات اللازمة، في مثل هذه الأحوال، وبالحزم الضروري، فاجأ الوزير الرأي العام، بعد مرور ثلاثة أشهر، بقرار توقيف القاضي «المقاوم» للتدخل ، وهو عقوبة معنوية، ووصفه بالمؤقت، لا يمنع من آثاره النفسية على القاضي، وعلى كل من «تسول» له نفسه، ويعتقد بأن الدستور يمنع التدخل في القضايا المعروضة على القضاء، كما ينص على ذلك الفصل 109 منه، وبذلك نكرس بهذا الموقف والتوقيف، أن واقع النفوذ، أقوى من نصوص الدستور والقانون.ولعل المناسبة تستدعي القول المأثور: ( إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس ، فتذكر قدرة الله عليك ).* محام بهيأة البيضاء

القاضي يبلغ ووزير العدل يوقفه !

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

ولاية أمن البيضاء تحتفي بأيتام موظفيها

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات