الغش التجاري… أساليب “مافيوزية” متطورة

تفكيك شبكات الزيوت المغشوشة فضح أنشطة تجار ينصبون على المستهلك يعتبر الغش التجاري عملا يهدف إلى تغيير أو تعديل الأساس الطبيعي لمادة أو سلعة معدة للبيع، وبالتالي فإنه ينال من جوهرها الأصلي أو من خواصها الأساسية، كما تدخل ضمن مفهوم الغش التجاري جميع الأعمال التي تهدف إلى إخفاء عيوب السلعة أو إكسابها مظهرا آخر يختلف عن الحقيقة.وتقع المسؤولية الجنائية على الشخص الذي تولى عملية الغش التجاري وكان بعمله هذا يهدف إلى إخفاء حقيقة المنتج الخاص به، من خلال إجراء بعض التغيرات المادية عليه من أجل أن يظهر بمظهر آخر غير الحقيقي، لإيهام المشتري أو المستهلك وتضليله. أحمد سكاب (الجديدة ) يمكن أن تؤدي كثرة وتنوع السلع والمنتوجات إلى زيادة عمليات الغش التجاري، بسبب حاجة المواطنين ورغبتهم في الحصول على كلّ ما هو جديد ومتاح من هذه السلع، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة في عمليات الغش التجاري من جانب المصنعين أو المنتجين لهذه السلع، رغبة منهم في ملاحقة تلك الاحتياجات بأقل التكاليف تحقيقا لمزيد من الأرباح على حساب المستهلك. واهتزت الجديدة أخيرا على وقع تفكيك إحدى الشبكات المتورطة بالغش التجاري، من قبل فرق جمارك الجرف الأصفر، التابعة للمديرية الجهوية للوسط الجنوبي، وتمكنت من إحباط ترويج شحنة كبيرة، ناهزت 4000 لتر من زيوت المحركات المغشوشة، محملة على متن شاحنة تم حجزها بجماعة مولاي عبد الله، معبأة في براميل حديدية من سعة 200 لتر. ومباشرة بعد عملية الحجز، داهمت عناصر الجمارك مستودعا بدوار أولاد الركراكي، بالجماعة ذاتها، حيث تتم تصفية نفايات ومخلفات الزيوت المستعملة، بغرض إعادة تدويرها وبيعها للمستهلك على أنها زيوت صالحة لمحركات العربات والآليات، بعد تعليبها. وضبطت عناصر الجمارك، خلال ذلك التدخل، ما يناهز 30 طنا من الزيوت المغشوشة. أساليب احتيال قبل التسويق استكمالا لتفكيك شبكة زيوت المحركات المزورة، وغير المطابقة لمعايير الجودة والسلامة، داهمت الفرق الجمركية مستودعا ثانيا بدوار «الشلوح "، بجماعة «لغديرة "، دائرة «البير الجديد "، حيث اكتشفت أن هذه الوحدة مختصة في تجميع الزيوت المستخلصة من نفايات الزيوت المستعملة، وتعبئتها في براميل وقنينات من مختلف الأحجام، من لتر واحد و5 لترات و25 لترا و200 لتر، قبل توزيعها وتسويقها في السوق المحلية، دون خضوعها للضوابط القانونية والجبائية ومعايير الجودة والسلامة. وأسفر التدخل الأخير عن ضبط كمية مهمة من الزيوت المغشوشة وغير المستوفية لمعايير الجودة بلغت 44 طنا، بالإضافة إلى معدات وآلات تدوير الزيوت المستعملة وتعبئتها ووزنها وتضمينها ملصقات ماركات مشهورة، لإيهام المستهلك بأنها زيوت أصلية. وتأتي هذه العملية في إطار المجهودات المبذولة من إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة لمحاربة الغش والتهريب وحماية المستهلك، إضافة إلى دورها الجبائي. ويعرف إقليم الجديدة وجود العديد من المستودعات العشوائية وغير المرخص لها، تعمل خارج القوانين والضوابط المعمول بها، في غياب مراقبة وتتبع من رجال السلطة المحلية التابعة لنفوذها تلك المستودعات، التي بنيت بطريقة سرية وغير قانونية. مستودعات سرية لتزوير ماركات عالمية سبق لعناصر الدرك الملكي بالهراويين بالبيضاء، أن أطاحت بتنسيق مع قائد سرية الدرك عين السبع والفرقة الوطنية للجمارك، أخيرا، بشبكة لترويج زيوت المحركات المغشوشة، بعد مداهمة مستودع بالمنطقة، وحجز كميات كبيرة منه، إضافة إلى قطع غيار ومنتوجات أخرى خاصة بالعربات، من بينها سوائل تبريد، تبين أنها منتهية الصلاحية أو تشوبها عيوب تقنية. ورجحت المصادر أن قيمة السلع المحجوزة تتجاوز 900 مليون، تطلبت من مصالح الجمارك ثلاثة أيام من العمل المتواصل لعدها وتصنيفها، قبل تحديد قيمة مطالبها المدنية أمام القضاء، بعد تقديم الدرك صاحب المستودع أمام وكيل الملك بالمحكمة الزجرية بالبيضاء. ووقفت عناصر الفرقة الوطنية للجمارك على تزوير طال علامات تجارية لماركات عالمية متخصصة في إنتاج زيوت المحركات، بعد وضع ملصقات باسمها مزورة على قنينات الزيوت، تم طبعها بمطابع بالضواحي، كما أن الرموز التعريفية التي تحملها القنينات، بعد قراءتها بآلات خاصة، تعود إلى منتوجات غذائية، من بينها أنواع مختلفة من «البسكويت». وجاء تفكيك الشبكة، بناء على معلومات توصل بها قائد سرية عين السبع، من قبل مصالح الاستعلامات التابعة له، حول منتوجات مشبوهة تعرض للبيع بمستودع بالهراويين، فأصدر أوامره إلى قائد المركز الترابي للدرك ومساعديه للتحقق من الأمر. وخلال استفسار صاحب المستودع عن نوع السلع المعروضة ومصدرها، بدا عليه الارتباك، قبل أن يسلمهم فواتير تعود إلى سنوات خلت، وعقد شراء لتبرير اقتنائه لها بطريقة قانونية من شخص، تبين بعد تنقيطه بناء على رقم بطاقته الوطنية المضمن في العقد، أنه مبحوث عنه على المستوى الوطني . وأشعر المسؤول الدركي وكيل الملك بالمحكمة الزجرية بالأمر، فأصدر تعليمات بانتداب الفرقة الوطنية للجمارك، التي باشرت معاينة المنتوجات المعروضة، فتبين لها أنها مغشوشة، لتشرع في حجزها، في حين فتحت عناصر الدرك بحثا قضائيا مع مالك المستودع، للوقوف على مصدر السلع وهويات شركائه. وشددت المصادر على أن مداهمة المستودع ومتابعة مالكه أمام النيابة العامة، تسببتا في ارتباك كبير لدى تجار متلاشيات معروفين بأنشطتهم المشبوهة، سيما بيع قطع غيار العربات وزيوت محركات مغشوشة، إذ اختفى عدد منهم عن الأنظار، خوفا من أن تطولهم التحقيقات بعد تعميق البحث مع مالك المستودع. كواليس أنشطة الغش والتزوير تحدثت المصادر عن طريقتين في عملية الغش في زيوت المحركات، الأولى جلب زيوت تم رفض ترويجها بأوربا، من قبل مكتب السلامة الدولية، بسبب خلل أو عيوب فنية في صناعتها، إذ بدل إتلافها يتم تهريبها سرا إلى المغرب بأسعار مغرية، في حين يعمد آخرون إلى جمع زيوت المحركات المستعملة ونقلها إلى مستودعات عشوائية بالضواحي، حيث تتم تصفيتها وإعادة تسخينها ومزجها بزيوت تليين «لاغريس» سائلة، قبل تعبئتها في قنينات جديدة ووضع علامات مزورة لشركات رائدة في المجال. جرائم كثيرة وأحكام قليلة قال رشيد وهابي، محام بهيأة الجديدة، إن الغش يقع حينما يكون المنتج المغشوش قابلا للأكل أو الشرب من قبل الفرد، مشددا على أن عقوبته قد تكون مخالفة وقد ترتفع لجنحة وقد تصبح جناية، حين يترتب عن الغش تسميم. وأضاف وهابي في تصريح لـ"الصباح"، أن المملكة المغربية أصدرت قانونا خاصا بزجر الغش في البضائع وهو القانون رقم 13.83 الذي يتحدث عن الغش في المواد التي يستهلكها المواطن المغربي كالطحين واللحوم وغيرها، ولا يتحدث بتاتا عن الغش في البضائع التجارية. واعتبر المحامي بهيأة الجديدة أن الغش في البضائع التجارية، من المواضيع التي لا يكثر الحديث عنها، ولا تحرك فيها المساطر القضائية لمعاقبة كل مخالف، بشكل كبير، رغم أن نوعا من الغش يمكن أن تترتب عنه خسارات مالية كبيرة للمستهلك، بحكم تزييف المنتج المباع أو الغش في المواد المكونة له، لبيعه على أساس أنه منتج من النوع الرفيع وهو منتج من النوع الرديء، مضيفا "بل في بعض الأحيان قد يخلف لنا تزييف المنتج التجاري والغش فيه كوارث قد تمس صحة المستهلك أو حتى حياته، حين يتم مثلا بيع عجلات أو قطع غيار السيارات من نوع رخيص جدا". وكشف المتحدث نفسه، أن القوانين المغربية، تطرقت لموضوع الغش بشكل مبكر، حين نصت في الفصل 280 من القانون الجنائي، بأن الغش في الأشياء المسلمة (ويمكن أن تكون مواد تجارية)، يمكن أن يعاقب أصحابها (مسلموها) بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة لا تزيد عن ربع التعويض عن الأضرار، ولا تقل عن ألف درهم، مستدركا الأمر بالقول"ولكن هذا المقتضى لا يهم كافة المغاربة بل يهم فقط البائع أو المقاول الذي يعمل مع القوات المسلحة الملكية المغربية". وشدد وهابي على أنه لا يجب أن ننكر أن القانون الجنائي المغربي، وبمقتضى تعديل حديث نسبيا، في بعض مواده بمقتضى القانون رقم 12.18، جعل الغش في البضائع (حتى ولو كانت تجارية)، يمكن أن يصبح جريمة غسل أموال بمقتضى الفصل 2 – 574، وعقوبتها تكون بين سنتين وخمس سنوات والغرامة ما بين 50000 درهم و500000 درهم، هذا بالنسبة للشخص العادي أما الشخص المعنوي كالشركات مثلا فتكون الغرامة ضدها بين خمسمائة ألف درهم، وثلاثة ملايين درهم. وتساءل المحامي وهابي عن الجهة المختصة في تعقب جرائم تزييف البضائع والغش فيها، والكيفية التي يتم بها التثبت من هذه المخالفات أو الجرائم، مضيفا "لنخلص إلى أنه بحكم الاختصاص الموسع لضباط الشرطة القضائية في تتبع مرتكبي الجرائم بشكل عام، يكونون مختصين لتحرير محاضر تلبس أو محاضر عادية وإجراء المعاينات وحجز للمواد المزيفة والمرتاب في صحتها وسلامتها وجودتها". وختم المحامي بهيأة الجديدة تدخله بالتأكيد على أن كثرة مهام الضابطة القضائية وتنوعها، يجعلان مواكبة وتتبع مرتكبي هذه الجرائم صعبين عليها، والأمر نفسه بالنسبة لمأموري الجمارك والضرائب غير المباشرة، وهو ما يدفع لمقترح ضرورة إنشاء فرق خاصة تكون مهمتها تتبع جرائم الغش في المواد والبضائع التجارية. مطالب بالتوعية والتحسيس تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع خبر تفكيك شبكة الزيوت المغشوشة، بعدما تمكنت المصالح الدركية تزامنا مع شهر رمضان في وقت سابق من تفكيك شبكة مماثلة تقوم بترويج التوابل المغشوشة والمنتهية الصلاحية والتي قدم أفرادها للقضاء وأدينوا بعقوبات سالبة للحرية. وأشارت تعليقات رواد الفضاء الأزرق إلى ضرورة وضع حد لشبكات الاحتيال مؤكدين ضرورة تكثيف عمليات التوعية والتحسيس من قبل جمعيات حماية المستهلك، لتفادي وقوع المواطنين ضحية اقتناء مواد مغشوشة وغير صالحة، مشددين على أن هذا الفعل يجب وضعه في إطار القانون المتعلق بحماية المستهلك، لأنه يسعى إلى كسب أموال بطرق احتيالية وغير قانونية. وطالب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في عدة تدوينات، بضرورة توخي الحذر أثناء اقتناء منتوجات والتأكد من علاماتها، واعتبر بعض «الفيسبوكيين» في تدوينات مختلفة أن كثرة وتنوع السلع والمنتوجات تؤديان إلى زيادة عمليات الغش التجاري، بسبب حاجة المواطنين ورغبتهم في الحصول على كل ما هو جديد ومتاح من هذه السلع، وهو الأمر الذي يدفع بعض المصنعين أو المنتجين لهذه السلع إلى تحقيق مزيد من الأرباح على حساب المستهلك. وأرجع آخرون في تدويناتهم أن ذلك يعود بالأساس إلى قلة الوعي من جانب المستهلك، الذي شجع الكثير من التجار والمنتجين على مزاولة الغش التجاري بمختلف صوره، مؤكدين أن السبب الرئيسي يعود إلى قلة برامج التوعية المجتمعية، التي تُبين كيفية تجنب الغش التجاري، إضافة إلى عدم ممارسة الجهات الرقابية دورها بشكل جيد للمنتوجات الموجودة في الأسواق.

الغش التجاري… أساليب “مافيوزية” متطورة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شهادات

صمت دولي عن جرائم إسرائيل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات