المركز السينمائي أمام امتحان الاستقلالية

سحب فيلم "ريدلي سكوت" من القاعات ارتداد إلى زمن التعليمات منذ أن خلف صارم الفاسي الفهري نور الدين الصايل على رأس المركز السينمائي المغربي، أكتوبر الماضي، ساد نوع من الترقب والانتظار في أوساط المهنيين ومتتبعي الفن السابع، حول الطريقة التي سيدبر بها الرئيس الجديد المركز والقطاع ككل. هل سيواصل مشعل الاستمرارية؟ أم سيحدث القطيعة مع مرحلة الصايل؟هذه التساؤلات وغيرها طرحت بسبب أن هذا التغيير طرأ على هرم المؤسسة الأولى المعنية بقطاع السينما في المغرب، الوحيد الذي شهد تحولا كميا ونوعيا خلال السنوات الأخيرة، شئنا أم أبينا، الأمر الذي أثار حنق ونقمة المحافظين والإسلاميين الذين كثيرا ما رفعوا عقيرتهم، لمناسبات سابقة، احتجاجا على هذا الفيلم، أو طالبوا بسحب آخر من القاعات السينمائية، وغالبا ما كانت صرخاتهم تذهب أدراج الرياح، لأن الجهة التي كانت تمسك دفة قيادة السينما في المغرب أدركت أن على القطاع أن يظل بعيدا عن المزايدات السياسوية والأخلاقية.هذه الاستقلالية النسبية للسينما المغربية عن خطابات الوعظ والإرشاد، يبدو أنها دخلت امتحانا حقيقيا خرج منها المركز السينمائي المغربي، بتشكيلته الجديدة، «ساقطا» (بالتعبير المدرسي)، بعد أن «تسرب» الفيلم السينمائي الأمريكي «الخروج... آلهة وملوك» لمخرجه «ريدلي سكوت»، إلى القاعات السينمائية، وأحدث ارتباكا واضحا لدى المركز أو وزارة الاتصال التي يبدو أنها، بناء على ما حصل، أحكمت قبضتها كليا على قطاع السينما وصادرته من المركز.هذا الارتباك تجلى في الطريقة التي حاول بها المركز السينمائي المغربي سحب الفيلم من القاعات السينمائية الوطنية، بعد أن أشّر له بالنزول ابتداء من منتصف الأسبوع الماضي، ليعود بعدها إلى أسلوب التعليمات الهاتفية آمرا أرباب القاعات السينمائية، التي شرعت فعلا في عرضه، بسحبه. ومنهم من امتثل للأمر فورا، ومنهم من رفض هذا الأسلوب المغرق في الغموض والنفاق والتناقض.سيناريو منع فيلم «ريدلي سكوت» الجديد، لم يكن الأول، فالمغرب في هذا الحالة صار تلميذا «غير نجيب» لمصر التي منعت هي الأخرى الفيلم الذي يتناول قصة خروج النبي موسى وعبوره البحر، بشكل رسمي وأوضحت الأسباب أيضا بشكل رسمي، ولخصت الأسباب في «عدم ملاءمة الفيلم للأحداث التاريخية وما جاء في الكتب السماوية». أما في المغرب فكان أسلوب الهمس والهمهمات المبهمة هو السائد، فلا أحد من الـ «سي سي إم» كلف نفسه بالخروج إلى العلن وتوضيح الأسباب الحقيقية للمنع، بما يعني ضمنيا استنساخا للمسوغات المصرية في مصادرة الأعمال الفنية. وهذه المسألة تطرح نقاشا آخر، يتعلق بالتساؤل حول ما إذا كان مطلوبا، بالضرورة، من الأعمال الفنية، السينمائية منها على وجه الخصوص، بأن تصير جنسا وثائقيا يعيد تقديم قصص الأنبياء كما جاءت في الكتب السماوية والتاريخية، وهذا نوع من التوجيه والوصاية التي لا تعترف بها الأعراف والتقاليد السينمائية بهوليود وغيرها، التي لا تؤمن سوى بالتخييل موجها وبوصلة.ألا تقدم مثل هذه التصرفات خدمات جليلة للأعمال المصادرة، فتزيد من شهرتها، علما أن أعمالا سينمائية أخرى سبق لها أن عرضت بالمغرب تناولت مواضيع أكثر حساسية من الناحية الدينية، فلم تزعزع عقيدة مسلم أو غيرت من واقع التاريخ ولا الأديان شيئا، لأنها في الأول والأخير أعمال إبداعية ولاشيء غير ذلك.عزيز المجدوب

المركز السينمائي أمام امتحان الاستقلالية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحكومة تهرب إصلاح التقاعد إلى 2015

شباط: لم يبق لبنكيران إلا الاستقالة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات