“بوليساريو”… خمسة عقود من مطاردة الوهم

تهديدها بالرجوع لما تسميه "الكفاح المسلح" أسقط عنها آخر أوراق التوت بقلم: الفاضل الرقيبي خمسون سنة مرت على اندفاعة ثلة من أبناء طانطان نحو اعتناق فكرة، أسس لها ومولها نظام القذافي، وجعل لها جنوب غرب الجزائر مستنبتا بمباركة من "بوخروبة"، ظنا منه أن التلويح بوهم دولة الصحراء هو السبيل للنيل من الملكية بالمغرب، غير أن مياها كثيرة جرت تحت جسور جنوب المتوسط، وبقيت صنيعة ذلك الثنائي لا تبرح مكانها الأول، وكل معالم واقعها اليوم تقول إن زوالها أزفت آزفته. عالم اليوم ليس هو عالم الأمس، فقد وضعت الحرب الباردة أوزارها، منذ أكثر من ثلاثة عقود، وكل من كان ينتصر للمعسكر الشرقي، ويسعى إلى تكوين دويلات ميكروسكوبية، وجد نفسه مجبرا على التكيف مع بيئة عالمية لا تنصت إلى أصوات خارج التاريخ والجغرافيا. كانت نهاية الثمانينات وسنوات التسعينات، أول بداية لانكسار وهم دولة "بوليساريو" على صخرة واقع لا يرتفع، وهو أن الصحراويين أداروا ظهورهم لمن اختاروا جنوب غرب الجزائر، يخوضون منها معارك غيرهم الخاسرة بالوكالة، بينما حواضر الصحراء تنعم في رغد العيش بعيدا عن حسابات عسكر الجزائر العقيمة. لم نلبث طويلا حتى فقدت بعدها "بوليساريو" دعم نظام القذافي، الذي كان يريد تثوير محيطه العربي، قبل أن يقتنع، أخيرا، أن كلفة دعم كذبة "بوليساريو" ستكون باهظة، ولم يبق لهذا التنظيم إلا دعم وحيد من حاضنته الجزائر، التي استبد العسكر بإرادتها، وجعل من قيادة الجبهة أراجيز في لعبة لم ولن يحصدوا منها إلا الفشل تلو الفشل. ماذا تحقق لـ "بوليساريو" وعسكر الجزائر من معاركهم الدونكيشوتية منذ منتصف السبعينات؟ لا شيء طبعا. فعلى مدار هذه السنوات الطويلة، ظلت الجزائر تنفخ في هذا المشروع بالمال والنفوذ والحيل والمسرحيات الدبلوماسية، لكن الوقائع والنتائج ما تنفك تؤكد أن المشروع خاسر بكل المعايير، وعلى كل الأصعدة، بل إنه في مرات عديدة، وعلى مر هذه السنوات، تحول إلى عبء كبير على كاهل الدولة الجزائرية، خصوصا أن المسار الأممي وكل ما تلاه، رسخ القناعة لدى الأمم المتحدة، ومعها المنتظم الدولي، بأن "بوليساريو" وخلفها جنرالات الجزائر، يعيشون خارج المنطق، إذ ما زالوا يعيدون إنتاج سرديتهم المتآكلة حول نزاع لم يعد الحديث فيه عن أي حل خارج منطق الواقعية والبراغماتية. "بوليساريو" إبراهيم غالي لا تختلف كثيرا عن "بوليساريو" محمد عبد العزيز، فهي نفسها التي لا تزال تراكم الانتكاسات المتتالية، والتي تسارعت وتيرتها منذ أن غامر إبراهيم غالي، مدفوعا بعنجهية شنقريحة، بمحاولة غلق معبر "الكركرات"، بداية 2020، والتي أدخلت "بوليساريو" في أزمات داخلية تكاد لا تنتهي، ودفعتها دفعا نحو نهاية وشيكة. فتهديدها لعقود بالرجوع لما تسميه "الكفاح المسلح"، أسقط عنها آخر أوراق التوت، ولم تعد قادرة على الاقتراب مما كانت تسميه "الأراضي المحررة"، بعدما حولتها مسيرات الجيش المغربي إلى مقبرة لعناصر الجبهة. أما شباب المخيم، فقد استفاق، أخيرا، ليجد نفسه مرتهنا لكذبة اسمها "بوليساريو"، ولم يعد يهمه سوى البحث عن سبل للخلاص من قبضة الجيش الجزائري وعصابة الرابوني، التي تخنق حقوقه، وتنهب عيشه، وتفرض عليه سجنا مفتوحا دون أفق داخل مخيمات أصبحت، في الواقع، قواعد خلفية لجماعات التطرف ومافيا الاتجار بالمخدرات والسلاح. بات الصحراويون بالمخيم متيقنين، اليوم، بأن حفنة "الكابرانات" التي دمرت بلدها وحولته إلى أشلاء، وأفقدته وزنه الإقليمي والدولي، لا يمكن أن تسعى لمنح ما تدعي أنه كرامة إنسانية، لمجموعة بشرية موضوعة قسرا داخل مخيمات بئيسة على أرض لحمادة، لتكون مجرد ورقة ابتزاز ضد المغرب.

“بوليساريو”… خمسة عقود من مطاردة الوهم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فضيحة أخلاقية تهز خريبكة

محاكم التفتيش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات