حوادث السير الوهمية… استنزاف التأمينات

شبكات تفننت في صنع سيناريوهات محبوكة وورطت أطباء ومحامين وأمنيين طفت على السطح فضائح حوادث سير وهمية، كشفتها لجان تابعة لإحدى مؤسسات التأمين، بعد اشتغالها على العديد من الملفات التي رفعت إليها من مختلف المدن، من بينها الجديدة، التي شهدت عددا مهما من حوادث السير، تأكد بعد تحليل معطياتها سواء الوثائق المدلى بها أوالخبرات الطبية المنجزة من قبل أطباء محلفين، أنها وهمية ومبالغ فيها،ما دفعها إلى تقديم شكاية إلى النيابة العامة المختصة. إنجاز: أحمد سكاب (الجديدة) كشفت العديد من الملفات المحالة على القضاء، سيما بالجديدة، تواطؤ مجموعة من الأطراف لصنع حادثة وهمية، إذ افتضحت عملية التلاعب في تعويضات التأمين، عبر جرد مجموعة من الأسماء والتأكد من ورودها في حوادث مختلفة تم افتعالها بشوارع الجديدة. تحقيقات تفضح المستور كشفت التلاعبات عن استنزاف مالية صناديق التأمين، وغالبا ما يتم التصريح بحوادث سير وفق خطة محبوكة يشارك فيها عدد من الأشخاص، عبر افتعال الحادث في مكان خال من الراجلين والسائقين، والادعاء أن ضحية الحادثة، سواء سائق دراجة أو السيارة، قد نقل إلى المستشفى قبل حضور رجال الأمن لتحرير محضر المعاينة، ليتم الاكتفاء بشهادة الشهود، وعندما يتوجه رجال الأمن إلى المستشفى أو المصحة لمعاينة الشخص المصاب، يتفاجؤون به قد غادر صوب وجهة مجهولة. وغالبا ما تتسع دائرة التلاعب في الحوادث الوهمية بتواطؤ أطباء محرري الشهادة الطبية، وتعد الرقم الأساسي في المعادلة بالنسبة لأي حادثة، وعلى ضوئها تحدد التعويضات. وضبطت التحريات التي أشرفت عليها عناصر المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بالجديدة، شبكة متخصصة في الحوادث الوهمية والمعروفة بشبكة "بيبية"، إذ تمت إحالة أربعة أشخاص على النيابة العامة، وبعد استنطاقهم تقررت إحالتهم على قاضي التحقيق، فيما تواصل عناصر الشرطة أبحاثها وتحرياتها لإيقاف باقي المتورطين في هذه الشبكة، من ضمنهم محاميان وأطباء، تنفيذا لتعليمات النيابة العامة. ويأتي تحريك هذه المتابعات بناء على التحقيقات التي أشرفت عليها الشركة الكبرى للتأمينات، إذ سبق لها أن قامت بجرد ملفات مشبوهة بالجديدة، واعتبرت أغلبها حوادث وهمية، بعد تواتر ورود أسماء أشخاص في حوادث يومية مع تغيير الأماكن ومراكزهم القانونية من ضحية إلى متسبب في الحادث، أو العكس، ما أدى إلى رفع عدد الملفات المشكوك فيها وعدد المتورطين في شبهة جرائم التزوير لإنجاز ملفات وهمية قصد الحصول على التعويضات. ملفات أمام القضاء ومن بين الملفات التي عرضت على القضاء، والمتعلقة بتورط سماسرة اغتنوا من شركات التأمين إثر حوادث وهمية، ذاك الذي عرض على محكمة الاستئناف بخريبكة، والذي توبع فيه المتهمون بجناية التزوير في أختام الدولة وصنع واستعمال وثائق مع العلم بزوريتها والنصب والاحتيال، وتزوير محاضر الضابطة القضائية. واعتمد المتورطون على شهادة طبية لضمها بالتنسيق مع أفراد الدرك الملكي، إلى المحاضر المحالة على غرفة حوادث السير، إذ أصدر على ضوئها القضاة أحكاما تقضي بتعويضات مالية بمبالغ كبيرة لفائدة الضحايا، قبل أن يتبين في ما بعد أن الأمر يتعلق بحوادث مسجلة باسم شخص ولا أساس لها من الصحة، بعد أن اكتشف موظف متقاعد يتحدر من وادي زم، عدم علمه بارتكاب سيارته أي حادثة سير، إضافة إلى وضع تصريحات باسمه بمحاضر الضابطة القضائية، والادعاء بتسلم تعويضات مالية عن شركة التأمينات. وكشفت التحقيقات التي باشرتها عناصر الضابطة القضائية تورط سماسرة ودركيين في ملفات حوادث وهمية وجنوا من خلالها مبالغ مهمة، فيما اختفى بعض المتورطين عن الأنظار، قبل أن تصدر مذكرة بحث في حقهم على الصعيد الوطني. قرارات جريئة أعلنت وزارة العدل الحرب على مفتعلي الحوادث الوهمية، حين أحالت عددا من الملفات على أنظار النيابة العامة للتحقيق مع عدد من الأشخاص الذين تتكرر أسماؤهم في السجلات الخاصة بحوادث السير، والذين تمكنت الوزارة عبر المنصة التي أحدثتها لهذا الغرض من رصدهم، إذ وردت أسماؤهم 32 مرة و15 مرة و10 مرات في حوادث سير جسمانية سابقة، من أجل الاستفادة من تعويضات شركات التأمين. وسبق لوزير العدل أن أكد في جوابه عن سؤال شفوي بمجلس النواب عزم الوزارة محاربة هذه الظاهرة التي تنشط فيها شبكات منظمة والتصدي لها، إذ لا يعقل أن يتكرر اسم شخص 32 مرة، في ملفات حوادث سير من أجل الحصول على تعويض، ولا تتم ملاحظة ذلك من قبل الأطراف التي ترتبط بجميع مراحل حادثة سير، إذ شدد الوزير على عدم تساهل وزارته مع العناصر التي تنشط في افتعال حوادث سير وهمية، خاصة وأن التسجيل الرقمي يعري المتورطين، إذ بمجرد ما يتم تسجيل حادثة سير يظهر اسم المعنيين بها، مشيرا أن وزارة العدل ستتابع كل حادث بتفاصيله، خاصة وأن الأمر يتعلق بشبكات توزع الأدوار بينها، والتي تبين من خلال المنصة التي أحدثتها الوزارة بغاية مراقبة ملفات حوادث السير، أن أسماء أشخاص تتكرر في هذه الحوادث الوهمية وتمر بمختلف المراحل، وتحصل على التعويض دون وجه حق، ودون أن يتم ملاحظة ذلك. منصة الرصد اعتبر وزير العدل أن الأمر أصبح يتعلق بظاهرة تنشط فيها عصابات، إذ يعمد أشخاص إلى خرق للقانون واستعمال النصب وتزوير المحاضر من أجل الحصول على أموال التأمين دون وجه حق، مما يتسبب في خسائر مادية للشركات المعنية. ويبدو أن منصة الرصد التي أحدثتها وزارة العدل خصيصا لسجلات حوادث السير، سيتم بناء عليها تحديد جميع حوادث المرور الوهمية المصرح بها، انطلاقا من تكرار أسماء الأشخاص، على أن تتولى النيابة العامة المختصة مسألة التحقيق من أجل إيقاف كل المتورطين والمشاركين في هذه الأفعال الإجرامية، ورصد حجم وقيمة المبالغ المالية المتوصل بها عن طريق هذا الأسلوب الاحتيالي. وطالب هؤلاء المهتمون والمهنيون بضرورة تدخل الجهات المعنية، لوضع حد لهذه الظاهرة التي تسبب خسائر مادية لشركات التأمين، لأن أصحاب هذه الحوادث يجنون أموالا بطرق ملتوية بسبب اختلاقها دون مراعاة لعدة عواقب قانونية، كما اعتبروا أن عددا من مختلقي حوادث سير وهمية باتوا أكثر احترافية في هذا النوع من النصب والاحتيال، وأن أغلبهم لهم سوابق قضائية، وهو ما يجب التعامل معه بجدية كبيرة، لأن هذه الفئة لا شغل لها سوى مثل هذه التصرفات التي امتهنتها من أجل الربح والكسب السريع بطرق غير شرعية. صعوبة المعالجة ملف الحوادث الوهمية ليس جديدا، فمنذ بداية التأمين عن السيارات، كان هناك ممتهنون للحوادث الوهمية. وإذا كانت مسؤولية ضحية حادثة السير الوهمية ثابتة لوجود الدليل عليها بشكل واضح، فالسؤال الذي قد يطرح، هل يمكن أن يكون الطبيب والمحامي وضابط الشرطة القضائية الذي حرر المحضر، مسؤولين ومشاركين في هذه الحوادث الوهمية؟ لن يتجادل شخصان في أنهم يتحملون المسؤولية بدورهم، إذا كان لديهم علم سابق بأمر هذه الحوادث الوهمية، لكن في نظري إذا كانوا لا يعلمون بأمر الحادثة الوهمية، لأن "الضحية الوهمي" أتقن الدور حين يرمي بنفسه مثلا أمام سيارة لفبركة الحادثة، ويغنم بتعويض من شركة التأمين، أو يدعي صدمه من قبل سائق معين، رغم عدم حصول ذلك، ويعزز ادعاءه بتصريحات شهود وشهادة طبيب حرر الشهادة الطبية مضمنا فيها، فلا لوم عليهم. فإذا صرح الضحية للطبيب أنه كان ضحية حادثة سير، سيكتب الأخير ذلك في شهادته، وليست للطبيب الإمكانيات ليعرف بأمر الحادثة هل هي حقيقية أم مفبركة، ومتابعة الطبيب، في نظري وهو لا يعلم يقينا بأن الحادثة مفبركة لمجرد أنه سلم شهادة طبية، سيكون غير منطقي وغير مبني على أساس قانوني سليم، والأمر نفسه بالنسبة لضابط الشرطة الذي يحرر المحضر، فالعلم من عدمه بطبيعة الحادثة، هو الذي يمكن أن يكون محددا لمساءلته، والأمر أيضا بالنسبة للمحامي، حين يحضر لديه موكل للمكتب ويسلمه شهادة طبية، ويؤكد له أنه كان ضحية حادثة سير. لهذا لا يمكن مساءلة الطبيب عن تغيير طبيعة مصدر الضرر والعجز، إلا إذا كان عالما به، وغير الحقيقة فيه، أما أن يضمن ما صرح به الضحية في الشهادة فلا تجوز المساءلة عنه، لأنه سيؤدي بالأطباء إلى الامتناع عن تسليم شهادات طبية أولية لضحايا حوادث السير. والأمر نفسه يمكن أن ينطبق على ضابط الشرطة القضائية، الذي عاين وجود حادثة سير، وسقوط ضحية على الأرض أو توجهه للمستشفى، فرغم إنكار السائق صدمه للضحية، يجب عليه أن يكون محايدا ويحرر المحضر، لكي لا يتهم بأنه متحيز لأي طرف، ولا يمكنه أن يشك بأمر الحادثة الوهمية، إلا إذا كان عالما بأمرها، أو ثبت أن الضحية متعود على ارتكاب حوادث مشبوهة، والضابط من يعاينها، ولم يعمل على إعلام رؤسائه والنيابة العامة بأمر هذه الحوادث، لكي يبعد عنه كل شبهة، فهو ملزم بتحرير المحضر، وفي الوقت نفسه يجب عليه أن يرفع تقريرا سريا لرؤسائه والنيابة العامة، بخصوص الضحية الذي تعود على الوقوع ضحية حوادث سير مشكوك فيها، أما إذا كانت الحوادث خطيرة وأدت إلى كسور أو جروح، فهنا لا يمكن أن يقال عنها إنها حوادث وهمية، لأن الحالة الصحية للضحية الصعبة تجعل كل من شاهدها يستبعد أمر الحادثة الوهمية. لذلك أعتقد أن معالجة الحوادث الوهمية ليس بالسهولة بما كان، بل يجب أن تكون بروية وببحث دقيق شامل، حتى لا يظلم أحد، ونجر للمتابعة والمحاكمة من لم يكن عالما بأمر الحادثة الوهمية، ويكون ضحية لممارسة وظيفته وقيامه بالواجب المهني، دون علمه بخفايا الملف. معاقبة مخربي الاقتصاد تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع حدث متابعة شباب تم إيقافهم من قبل المصالح الأمنية بالجديدة على خلفية الاشتباه في تورطهم ضمن شبكة الحوادث الوهمية، إذ تباينت الكثير من الآراء بالفضاء الأزرق بين مستنكر لهذا الفعل، وبين من طالب بمعاقبتهم على خلفية هذا العمل الذي يعد إجراما، ويساهم في تخريب الاقتصاد، وذلك بتورط عناصر احترفت الفبركة بالاغتناء السريع عن طريق اختلاق حوادث وهمية. كما طالب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بمعاقبة كل من ثبت تورطه، وذلك بعدم احترام القانون وخرقه من أجل كسب أموال بطرق غير مشروعة. ويرى عدد من المهتمين والمتتبعين أن أخطر ما في ظاهرة حوادث السير الوهمية أن جل عناصرها تظل في منأى عن العقاب، ما يساهم في التمادي في نهب أموال شركات التأمين ودفعها إلى الإفلاس. وطالب رواد هذه المواقع بضرورة الضرب بيد من حديد، كل من يختلق هذه الحوادث التي تتسبب في عدة مشاكل منها المادية والمعنوية لمن وجدوا أنفسهم ضحية لها، كما شدد عدد من سائقي السيارات على أن أغلبهم يجد نفسه ضحية اختلاق حوادث وهمية، من قبل مستعملي الدراجات النارية أو العادية، الذين يتحينون الفرص والأماكن المناسبة من أجل اصطياد الضحايا، وابتزازهم. وتحدث كثير من المهتمين والمهنيين السائقين على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، عن هذه الظاهرة التي اتخذت منحى خطيرا، وباتت الشغل الشاغل لهم، حيث أن عددا من مرتكبي الحوادث الوهمية اغتنوا من افتعال هذه الحوادث، وكسبوا أموالا بطرق مشبوهة.

حوادث السير الوهمية… استنزاف التأمينات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

معركة قانونية لترتيب بيت الوداد

الحضرمي‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬السينمائية‭ ‬للمرأة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات