أجساد “تحرق” للفت الانتباه إلى مآسيها

عندما أشعل "محمد البوعزيزي"، النيران في جسده، قبل أربع سنوات، احتجاجاً على عوزه وانتهاك كرامته، انتقلت حرارة تلك النيران، عبر الحدود من تونس، إلى العديد من الدول العربية ومنها المغرب، في عز "صخب" الربيع العربي، وأصبحنا نسمع من حين لآخر حالات عديدة لإضرام النار في الجسد شكلا جديدا من أشكال الاحتجاج والرفض لواقع يأبى الارتفاع. وبآسفي، كانت السلطات تسعى جاهدة بكل ما أوتيت من قوة لمنع أي حالات لإضرام النار في الجسد، خوفا من انفجار الوضع، وصاحب ذلك اتخاذ العديد من التدابير لمنع بيع البنزين في قارورات وغيرها، خوفا من إضرام النار في أجساد شاخت بفعل القهر والفقر وانتهاك الحريات.فقبل ثلاث سنوات تقريبا، دفع اليأس والشعور بالجور والإقصاء الشاب "أحمد.م" البالغ من العمر حوالي 29 سنة، إلى الاحتجاج أكثر من مرة أمام مقر عمالة آسفي، دون أن ينتبه إلى احتجاجه أحد أو يتحرك المسؤولون القائمون على الشأن الإقليمي لبحث أسباب وخلفيات تلك الاحتجاجات شبه اليومية التي ينفذها المواطن "أحمد.م"، ليدفعه ذلك إلى إضرام النار في جسده، وهناك انتبهت السلطات إلى لهيب النيران الذي شب في جسد "أحمد"، وحرك ذلك هواتف المسؤولين، لإخماد نيران، قد تتعدى جسد "أحمد" إلى أجساد أخرى، وتحدث ما يخشاه القائمون على الشأن العام.فذات يوم حار، كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف تقريبا، قام "أحمد" بإضرام النار في جسده، بالقرب من ساحة العمالة، وتوجه نحو مدخل العمالة، والنيران تلهب جسده النحيل، إذ لم يكن أمام عناصر القوات المساعدة سوى الهروب، إلى داخل العمالة وهم يرددون "راه حرق راسو"، وهم في حالة فزع شديد، شأنهم شأن بعض موظفي العمالة، قبل أن يتدخل مجموعة من المواطنين الذين أطفؤوا لهيب النيران، التي كادت تطول جسد الضحية كاملا، ليسقط أرضا، قبل أن يتم نقله إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس بآسفي لتلقي العلاجات.إذاك ستفتح السلطات الترابية بحثا في الموضوع، سيمتد إلى الأسباب التي دفعت هذا الشاب إلى إضرام النار في جسده، فكان الجواب أن مسؤولي عمالة آسفي من وال وكاتب عام، رفضوا استقباله ليشرح لهم معاناته مع إقصائه بطرق مشبوهة من مباراة للتوظيف، وعدم احترام القانون المنظم لمباريات التوظيف. لم يخف "أحمد" أنه لم يكن ليختار إضرام النار في جسده، غير أن شعوره بالغبن والحرمان والإقصاء، بالإضافة إلى الآذان الصماء للمسؤولين جعله يختار هذه الطريقة لإثارة الانتباه إلى قضيته.مرت مياه كثيرة عكرة تحت الجسور، وصارت العديد من الاجساد بآسفي، شبه ملتهبة وقابلة لإضرام النار في كل لحظة وحين، إذ بمجرد التهديد بإضرام النار في الجسد، حتى تكون السلطات بمختلف تلاوينها حاضرة، لإذابة اليأس الذي دب في قلوب العشرات من الشباب، سيما العاطلين منهم، حتى صار الاحتجاج مرتبطا بإضرام النار في الأجساد، كل ذلك لإثارة الانتباه إلى قضايا تحتاج الكثير من الجهد والإمكانيات اللوجستيكية لمعجالتها.حادث آخر لإضرام النار في الأجساد، كانت بلدية جزولة غير البعيدة عن آسفي، مسرحا له بعدما قام "سلام علولي" البالغ من العمر 56 سنة، بإضرام النار في جسده، بعدما صب البنزين على نفسه وأوقد الولاعة، ليصاب حروق جد خطيرة تطلبت نقله إلى المستشفى الإقليمي بآسفي ومنه إلى مستشفى ابن رشد، الذي فارق فيه الحياة، مخلفا وراءه ثلاثة أبناء ما زالوا في ريعان طفولتهم.قصة "سلام" بسيطة للغاية، فالرجل الذي أنهكه الفقر وقلة ذات اليد، ومصاريف كراء يتجاوز مائتي درهم شهريا، قرر أن يشيد منزلا يحتضنه وأسرته الصغيرة، ينهي معه معاناة الكراء، إذ أودع ملفا تقنيا لمصالح بلدية جزولة للحصول على ترخيص ببناء منزل صغير، غير أن طلبه لم يلق القبول، ليشرع كمئات بل آلاف السكان في بناء منزل عشوائي، فحضرت السلطات المحلية ومصالح المجلس الجماعي، لتنفيذ قرار هدم بناء عشوائي.رفض سلام هدم منزله، لأن آلاف المنازل شيدت بجزولة، أمام أعين السلطات، لم يطلها هذا القرار، رغم أن أغلبية هذه المنازل لا يقطنها أصحابها، وإنما منازل ثانوية، لنافذين بهذه المنطقة.أمام إصرار مصالح البلدية والسلطات المحلية، على تنفيذ الهدم والإلقاء ب"سلام" إلى الشارع، يلتحف السماء ويفترش الأرض، لم يجد سوى الصراخ والبكاء، اللذين كانا يغطيان على بكاء أبنائه وصراخ زوجته، بيد أن السلطة أخذت الأمر مأخذ الجد، ولم تأبه لتهديدات سلام، الذي أضرم في آخر المطاف النار في جسده، تاركا لهم أبناء ومنزله، بعدما تسببت تلك النيران في موته.محمد العوال (آسفي)

أجساد “تحرق” للفت الانتباه إلى مآسيها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحكومة تهدد بتهريب حصيلتها إلى الشارع

شباب أضرموا النار في ذواتهم بسبب "الحكرة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات