حكومة بنكيران… متعددة بصيغة المفرد

مرة أخرى تختار الحكومة قانون المالية الذي لا يعرض على مجلس الوزراء، وفق قواعد الفصل 49 من الدستور، لتغير بواسطته قواعد تدخل في مجال قانون المسطرة المدنية وهي الطريقة ذاتها التي استعملتها الحكومة عندما حشرت في القانون المالي لسنة 2014 وتقدمت بتعديل على المادة 4 أمام غرفة المستشارين والتي أصدرت بواسطتها عفوا عاما على جرائم خاضعة للقانون الجنائي، وهي الجرائم التي تخرج عن مجال اختصاص القانون المالي. ذلك أن المادة 8 من مشروع القانون المالي لسنة 2015 هي كذلك دخيلة على المقتضيات الخاصة بالقانون المالي، لأنها تنظم قواعد من صلب اختصاص قواعد المسطرة المدنية.لقد أثارت المادة 8 من مشروع القانون المالي عدة نقاشات واحتجاجات ترمي إلى حذفها بعدما قرئت وكأنها أتت لتحمي الدولة من تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها بينما الأمر أخطر وأعقد من ذلك على الدولة نفسها.من الواضح أن مسارعة الحكومة إلى استغلال عرض القانون المالي على البرلمان لتدس فيه مقتضيات تتعلق بالمسطرة المدنية، بينما القانون المالي، من الناحية القانونية الصرفة، يتعلق بتدابير لها طبيعة قانونية لكنها مخصصة لصرف مالية الدولة ولا تملك طابع الإلزامية أو الإجبارية نفسه الذي يطبع القاعدة القانونية العادية لسبب بسيط، وهو أن الحكومة تملك أن تعدل القانون المالي زيادة أو نقصانا بآلية مراسيم القوانين في أي وقت، بل وفي غيبة البرلمان طبقا للفصل 81 من الدستور.لكن أن تحشر الحكومة في مشروع قانون يتعلق بالمالية مقتضيات مخالفة للفصل 458 من قانون المسطرة المدنية هو غير مقبول سياسيا وقانونيا، ذلك أن المادة 458 من قانون المسطرة لمدنية حصرت الحالات التي لا يمكن إجراء الحجز فيها في 7 حالات بينما المادة 8 من مشروع قانون المالية أحدثت حالة ثامنة عندما أضافت أن أموال الدولة لا يمكن الحجز عليها حتى ولو تعلق الأمر بتنفيذ حكم قضائي نهائي مما يدفع الى التساؤل حول الطبيعة القانونية للمادة 8 وما هو أثرها لو قبلها البرلمان؟إن القراءة المتأنية لمشروع المادة 8 من قانون المالية يبين أن الحكومة أرادت من وراء سن هذه المادة أن تحمي الدولة ضد أحكام القضاء القاضية على الدولة بأداء مبلغ معين لشخص ما وذلك بالنص على منع حجز أموالها عندما تصل تلك الأحكام إلى مرحلة التنفيذ.غير أن الصياغة القانونية للمادة 8 ستؤدي إلى مقاطعة كل المقاولات الوطنية والأجنبية التعامل مع الدولة من جهة، كما أنها عكس ذلك ما قصدته نية محررها قد تؤدي قانونا إلى إفلاس الدولة من جهة أخرى. إن هذه الخلاصة ليست خيالية وإنما قانونية وواقعية تظهر بجلاء بقراءة الشكل الذي صيغت به المادة 8 المذكورة، عندما حددت للدولة مرحلتين لتنفيذ المقرر القضائي وهي:الجزء الأول يجب تنفيذه داخل أجل شهرين من تاريخ تبليغ المقرر.الجزء التكميلي يجب تنفيذه داخل أجل 3 أشهر من تاريخ التبليغ أي بعد شهر واحد من الأجل المتعلق بتنفيذ الجزء الأول.فالنتيجة التي تنتهي إليها صياغة المادة 8 هي أن الدولة يجب عليها أن تنفذ ما حكم به عليها بكامله داخل أجل 3 أشهر من تاريخ التبليغ.هذه الصياغة تطرح الأسئلة التالية:1 -لماذا تدخلت الحكومة لتحدث نصا قانونيا يجبر الدولة على تنفيذ أحكام القضاء داخل أجل 3 أشهر من تاريخ التبليغ، بينما الحكومة في الواقع تريد حماية الدولة من تنفيذ الأحكام بعدم الحجز على اموالها ما دام ان الحجز لا يلجأ إليه إلا في حالة امتناع الدولة عن التنفيذ.2 - هل تستطيع الحكومة تنفيذ كل الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة داخل أجل 3 أشهر من تاريخ تبليغها المقرر القضائي أم أن ما تنص عليه المادة 8 ستطبق منه الحكومة فقط الشق المتعلق بقاعدة عدم إمكانية الحجز على أموال الدولة. بينما الإشارة إلى الأجل هي فقط للتمويه؟من الواضح أن الحكومة إما أنها غير عالمة بحجم الأحكام الصادرة ضد الدولة التي تقدر بمئات الملايين من الدراهم، أو أنها عالمة بذلك وأرادت أن تمرر قاعدة عدم الحجز على أموال الدولة لأنها متيقنة كل اليقين أنها لن تنفذ الأحكام القضائية داخل أجل 3 أشهر من تاريخ تبليغها.مع العلم أنه إذا ما أرادت الحكومة اليوم تطبيق المادة 8 من قانون المالية بالشكل الذي حددته في مشروع القانون المالي، فعليها أن تنفذ كل الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة وهو أمر لا يمكن للحكومة أن تلتزم به لأن مالية الدولة الحالية لا تسمح لها بذلك.إن الحكومة عندما ستحدد للدولة أجلا 3 أشهر لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدها بينما القوانين الجاري بها العمل اليوم لا تنص على أي أجل للتنفيذ ، فإن الحكومة ستضع الدولة أجلا قانونيا لتنفذ المقررات القضائية و في حالة عدم احترام ذلك الأجل فإن الدولة ستصبح في وضعية المتوقف عن الدفع، وهي وضعية تؤدي قانونا إلى الإفلاس.إن هذه الخلاصة ليست خلاصة نظرية وإنما هي قانونية يحق للمقاولة الوطنية أن تطالب بالاستفادة منها، لكن أثر المادة 8 سيتضح أكثر خطورة عندما تكون الدولة أبرمت تعاقدات مع المقاولات الأجنبية فهذه الأخيرة ستقاضي الدولة بناء على تلك المادة أمام القضاء الوطني أو أمام القضاء الأجنبي سواء كان موسسيا أو هيأة تحكيم دولية.ومن جهة أخرى، فإن الموافقة على هذه المادة سيؤدي الى امتناع المقاولات الوطنية والأجنبية عن التعامل مع الدولة المغربية، ما دام أنها ستصبح غير محمية تجاهها حتى ولو كانت تتوفر على حكم قضائي قابل للتنفيذ ضدها لأن الحكومة منعتها من الحجز على أموالها لضمان تنفيذ تلك الاحكام، غير أن ما يثير أكثر في صياغة المادة 8 من مشروع قانون المالية أنها متناقضة كل التناقض مع مشرع قانون آخر تعتزم الحكومة تقديمه للبرلمان رغم الانتقادات الموجهة إليه وعلى الخصوص في المادتين 580 و581 منه اللتين حددتا الأموال غير القابلة للحجز واستثنتا منها أموال الدولة، أي أن الأخيرة في مشروع قانون المسطرة المدنية قابلة للحجز، بينما في مشروع قانون المالية غير ذلك تماما. كما أن مشروع قانون المسطرة المدنية في المادة 583 حدد للدولة أجل 90 يوما من تاريخ المصادقة على ميزانية السنة الموالية ومع مراعاة نظام المحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها، بينما حدد مشروع قانون المالية في المادة 8 منه أجلا آخر هو 90 يوما، لكن من تاريخ تبليغ الحكم ولا علاقة له بأي ميزانية.فهل المغرب توجد به حكومة تشرع للقانون المالي وحكومة أخرى تشرع لقانون المسطرة المدنية، واحدة تمنع حجز أموال الدولة والأخرى تسمح بحجزها. واحدة تحدد بداية أجل تنفيذ الدولة لالتزاماتها في 90 يوما من تاريخ تبليغ الحكم والأخرى تحدد الأجل في 90 يوما لكن من تاريخ المصادقة على ميزانية السنة الموالية؟؟فهل للحكومة مستشار قانوني لتفادي مثل هذه التناقضات التي لا تليق بحكومة في ظل دستور 2011، أم أننا أمام تعدد الحكومات بتعدد أعضائها، كل يشرع ويعمل بمعزل عن بقية أعضاء الحكومة؟بقلم: عبد الكبير طبيح (محام بهيأة البيضاء)

حكومة بنكيران… متعددة بصيغة المفرد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فتح المنافسة للحصول على رخصة الجيل الرابع للمحمول

تفكيك شبكة تنصب بشركات وبطائق مزورة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات