الحريات الجنسية… ميزان الربح والخسارة

الثابت، أن القانون يجرم العلاقات الجنسية الرضائية في المغرب، أي خارج الزواج، والثابت، أيضا، أن مشاهد وصورا لمواطنين مغاربة تربطهم علاقات عاطفية، تداهم الكثيرين يوميا، وفي الفضاء العام، ويتلقونها بتسامح كبير، غير أن مجرد إثارة مطلب القطع مع هذه الازدواجية، يجعل النقاش مشحونا، حد الخروج عن اللياقة وتوجيه تهديدات، والاستعانة بـ"شريعة" و"أخلاق" في حد ذاتها تحتاج إلى نقاش.وأمام هذا اللغط المتجدد، كانت، نادرة جدا، تلك اللحظات التي سمح فيها، الجميع، لأنفسهم، بمقاربة الموضوع، من زاوية ميزان الربح والخسارة، أي التعامل مع المسألة، أو القضية، ببراغماتية، بمحاولة تقديم جواب، مقنع، وواضح، وبسيط، عن أسئلة من قبيل: ماذا سنربح، دولة ومجتمعا مغربيين في حال تم الإقرار بالحريات الجنسية؟ وأي كلفة محتملة، لهذا الاعتراف؟ عندما اختارت "الصباح"، تجريب هذه الزاوية الجديدة، في مقاربة الموضوع، وتوجهت بتلك الأسئلة إلى فاعلين ضالعين في خبايا الموضوع، كل واحد منهم، بشكل منفرد، تصادف أن حدث إجماع، على الخوض في الحريات الفردية كلا، قبل جزئها "الصغير": الحريات الجنسية، لأن الأولى نسق ومنظومة متكاملة.وفي هذا الشأن، يشدد أحمد عصيد، الحقوقي والباحث في الثقافة الأمازيغية، بأن "الحريات في النظام الديمقراطي كل غير قابل للتجزيء"، مشيرا إلى أن "الحريات الجنسية مرتبطة أصلا بكل نسق الحريات الفردية والجماعية".رأي، يتقاسمه مع عصيد، عزيز إدامين، مدرب في الآليات الدولية للحماية بشهادة من المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف، عندما أكد لـ"الصباح"، أن "العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين، أي 18 سنة فما فوق، كما أقرت بذلك اتفاقية حقوق الطفل، بشكل عام، تدخل في صلب الحريات الفردية".هذه الأخيرة، يقول المدرب الذي يتولى أيضا، عضوية اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان الرباط-القنيطرة، التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن "كل إنسان يتمتع بها، كما عززتها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة"، مشيرا بالتحديد، إلى "المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".وتنص تلك المادة، على أنه "لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته، ومن حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس".حساب الربح يرفض عزيز إدامين، توصيف "الرابح والخاسر" في مقاربة الموضوع، لأن "الدفع بحقوق الإنسان" في نظره، "تقدم نحو بناء دولة الحقوق والحريات الأساسية منها والفردية".وأضاف المتحدث، أن "إقرار الحريات الفردية بشكل عام"، هو "حماية لخصوصية الأفراد التي لا يمكن التعسف، بالمس بها أو فعل عمل غير مشروع للإجهاز عليها مهما كانت الجهة الأخرى، دولة أو أفرادا أو جماعات أو غيرها".أما أحمد عصيد، فيقول إن المغرب "سيربح الكثير إذا تم إقرار منظومة الحريات الفردية والجماعية ووضع قوانين على أساسها، لأننا سنحصل على مجتمع ديمقراطي متحرر ومبدع"، ومع ذلك، يستدرك عصيد، حاسما: "إذا أقر المغرب الحريات الجنسية وحدها مبتورة من سياقها، لن يربح شيئا، لأن هذا ليس هو المطلوب".وللمزيد من التوضيح، وباقتضاب شديد، يصر أحمد عصيد، مثل عزيز إدامين، على أن "الإقرار بالحريات الجنسية في غياب حرية المعتقد وحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية التنظيم والتظاهر وحرية اختيار نمط الحياة هو إقرار لا معنى له، لأنه سيبدو نشازا وفي وضعية غريبة".وتتمثل هذه الوضعية، حسب عصيــد، فــي أن "المجتمــع لن يفهــم الحريات الجنسيــة أو يتسامح معها، لأنه لم يتم تأهيله لذلك عبر تربيــة الأفــراد على مبدأ الحرية بمفهــومه الشمــولي"، وينبغي، أولا، "تشكيل وعي عام انطــلاقا من التربية والتعليم، حتى يفهم المواطنون تدابير الدولة وقـــراراتها وقوانينها".وإذا كان من المعلوم، أن تنفيذ ما يراه أحمد عصيد، تأسيسا للسياق العام، قبل الاعتراف بالحريات الفردية، يصطدم بما يعتبره البعض، أهمية الحفاظ على الخصوصية المحلية، فإن لدى عزيز إدامين، ما "يكسر" هذا الدفع المحافظ. وهنا، أوضح، أن "مفهوم الخصوصيات المحلية لم يعد عائقا أو كابحا لتطور المجتمع"، بل أصبحت "الغنى الذي تزخر به المجتمعات والشعوب في تناغم وانسجام"، ليشير إلى "الزواج" مثالا، والتحول الذي وقع في مفهومه، عندما "عرف هزات عدة من أنه ميثاق غليظ إلى اعتباره عقدا مدنيا يجمع بين طرفين، وفق دفتر تحملات لكل طرف، وعليه التقيد به". كلفة الاعتراف مادامت الدولة مصرة على استمرارية الازدواجية: واقع حابل بالعلاقات الرضائية وقانون يجرمها، فلابد وأن يكون وراء القطع مع ذلك، كلفة ما، فإلى أي حد يمكن للخبيرين أحمد عصيد وعزيز إدامين تحديدها؟الكلفة عند أحمد عصيد، هي أن الدولة، باعترافها، بالحريات الفردية، ومنها الجنسية، ستفقد "آليات التحكم في المجتمع"، لكن عوض أن يصرح بذلك، بشكل مباشر، يقول، إننا "عندما نفحص منظومتنا التربوية، نجد أنها قائمة أساسا على قيم الاتباع والتقليد ومعاداة فكرة الحرية، وهذا ما يفسر مثلا رفض التربية الجنسية في المدرسة.فالتيار المحافظ، حسب عصيد، "يعتقد أن الحديث عن الجنس من اختصاص الفقهاء، وأن اعتماد العلوم الأخرى في تناول هذا الموضوع يؤدي إلى تحرير العقول من التراث ومن التصورات القديمة، التي تُعتمد آليات للتحكم في المجتمع". ومن تجليات الكلفة "الصعبة والبالغة التعقيد"، التوصيف التالي، الذي أدلى به عصيد، وهو أن "الحرية الجنسية التي هي من الحريات الفردية، مرتبطة باعتراف الدولة والمجتمع بوجود الفرد المواطن"، وهذا "ما ليس موجودا بعد في الدولة الإسلامية وخاصة دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط"، ، ولأن "ما يوجه المجتمع والقوانين الرسمية هو تقاليد الجماعة وليس وجود الفرد وحقوقه الأساسية". أحمد عصيد، نبه أيضا، إلى مسألة مهمة، في حساب الكلفة، مفادها أن الاعتراف بالحريات الجنسية، بتعديل القانون الجنائي، سيكون "باهظا، لأن ذلك من شأنه إثارة الفتنة والصراع في المجتمع في غياب الحريات الأخرى"، مما يستوجب الإقرار بباقي الحريات الفردية، لأن "الحريات الجنسية تبدو طبيعية وبديهية وسط ترسانة القوانين القائمة على احترام الحريات جميعها".ورغم، كل ذلك، فعزيز إدامين، وفي لغته المفضلة: سمو القوانين الكونية، إذ قال إن "المغرب دولة طرف في مجموعة من الاتفاقيات الدولية، والتي صادق عليها طوعا"، وبالتالي، "فهو مقيد بإعمال بنودها وملاءمة القوانين الوطنية معها"، لأن هناك كلفة معاكسة، أسماها "تكلفة البطء في الانخراط الكلي في المنظومة الدولية".امحمد خيي

الحريات الجنسية… ميزان الربح والخسارة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

علاقات جنسية شبابية في الهواء الطلق

"البرتوش" ... الفضاء الأمثل لممارسة الحرية الجنسية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات