التسول بذريعة التغول

لزرق قال إن يسار اليوم فوت فرصة الأمس وسقط في فخ انتظار قطار الدخول إلى الحكومة وصف رشيد لزرق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، تحركات المكونات الكبرى لليسار في إشارة إلى تنسيق حزبي "الوردة" و"الكتاب"، بأنه بلا بعد إستراتيجي، بالنظر إلى توقيته، ولأنه بدأ بعدما أوصدت كل الأبواب لدخول الحكومة . وفي ما يلي نص الحوار: كيف تقيمون عمل معارضة الولاية الحالية ؟ > شكلت المعارضة مدرسة لتأهيل النخب الاجتماعية والسياسية وتدريبِها على تمثل مفهوم المصالح الوطنية، والتعاطي مع تعدد الاتجاهات الاجتماعية، والتمرس على إدارة الشأن العام، وهذا ما دفع المشرع الدستوري في 2011 لإعطائها حقوقا بغاية إسهامها بأدوار هامة على صعيد العمل البرلماني في مجال العمل التشريعي والمراقبة لأعمال الحكومة والتمثيل على مستوى أجهزة البرلمان، وفي مجال الحياة السياسية والدبلوماسية البرلمانية، وأهمها في مجال التشريع والرقابة والتمثيل المؤسساتي، تصمنها الفصل 10 من الدستور، غير أننا في منتصف الولاية البرلمانية والمعارضة مازالت تشهد عطلا هيكليا وبقيت حقوق مفتقدة للقيمة مجرد حبر على ورق. هل يمكن أن نرد ذلك إلى القوة العددية للأغلبية الحالية ؟ > هذا الضعف ليس مرده حجم المقاعد البرلمانية، لكنه نجم عن عدم تنسيق في ما بين أحزاب المعارضة للوصول إلى النصاب الدستوري الذي يمكنها من مباشرة حقوق المعارضة، بفعل أن البعض بات يعتبر التموقع في المعارضة عقابا سياسيا، ما ساهم في تفكك المعارضة وحال دون قيامها بأدوراها والمساهمة في تعزيز الخيار الديمقراطي، الذي بات معطلاً بفعل طموح قيادات سياسية مهووسة بالمناصب، دون أن تكون معنية بطرح البديل الاشتراكي حاجة ملحة، وأظهر انتهازية مقيتة وجعل كل همها المشاركة في الحكومة ليس لخدمة مشروع، بل وسيلة للاستفادة من الريع الحكومي. كما ظهر عطل المعارضة في الرغبة الجامحة لإدريس لشكر للدخول للحكومة، وتحول من مواجهة ما أسماه التغول السياسي إلى ممارسة التسول السياسي. هل تتفقون مع الرأي القائل بأن المعارضة تأتي اليوم من خارج أحزابها؟ > صحيح ومرد ذلك إلى تجميد الأدوات الدستورية ودعائمها، وفسح المجال للقوى العدمية لممارسة معارضة خارج المؤسسات وفقد التوازن المؤسساتي، لتعطيل متعمد لأدوار المعارضة المؤسساتية، بفعل نوازع ذاتية، وقفت مانعا دون أن تكون المعارضة المؤسساتية عامل استقرار وحيوية للمؤسسات، في مواجهة الصدمات داخلياً وخارجيا، وعطبا يشكل خطرا على سلامة الممارسة الديمقراطية. وتكمن الأزمة تحديدا في أن اليسار يوجد في مرحلة وصفها والمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي بـ” القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد، وفي ظل هذا الفراغ تظهر أعراض مرضية غاية في التنوع”. ألا يمكن اعتبار هذه المبادرة فرصة لاستعادة دور المعارضة في زمن مراجعة المدونة ؟ > تنسيق نبيل بنعبد الله وإدريس لشكر فرضه طرح مدونة الأسرة والقانون الجنائي، بدون بعد إستراتيجي ولا يخرج عن التكتيك السياسي، بالنظر إلى التوقيت، ذلك أن التنسيق لم يبدأ إلا بعد أن أوصدت كل الأبواب لدخول الحكومة لإدريس لشكر، ولأن نبيل بنعبد لا يستطيع طرح تنسيق مع العدالة والتنمية المحافظ في ما يهم مدونة الأسرة والقانون الجنائي، وهو بذلك أبعد ما يكون عن الوعي والإدراك ذي بعد الإستراتيجي. لهذا فإنه لا يرمي بالمطلق جمع القوى اليسارية وتشكيل قطب يساري لطرح البديل الاشتراكي، بقدر ما هي مبادرة اضطرارية من قبل قيادتين سياسيتان من بقايا الحرب الباردة كل همها هو البقاء وليس التغيير حمولة سياسية يسارية، والحال أننا إذا أردنا أن نكون اشتراكيين يجب أن تكون لنا شخصيات اشتراكية، لكن الشيء المفتقد في التنسيق الجاري هو أن كلا الرجلين خارج تصنيف القيادات الاشتراكية القادرة على تحقيق الآمال لأنهما رفضا التغيير وتحركهما نوازع البقاء. ماهي في نظركم أنسب وصفة لتحفيز اليسار المغربي على الانبعاث ؟ > يبقى مستقبل اليسار بديلا حلما بعيد المنال، ولا يمكن أن يعود إلا من خلال جيل جديد من اليساريين يحمل أفكاراً وبوصلة وإستراتيجيات جديدة، فهو الآن حاجة مجتمعية غير أنه مرهون ببروز قيادات شابة متحررة من عقدة الماضي، وهوس الحاضر، متشبعة بالأمل والواقعية، ومرتبطة بقضايا الجماهير، قد تعيد لليسار الإشعاع، عبر إسقاط القيادات الشعبوية، وتطهير الفضاء الداخلي من الانتهازية. تنسيق منتهي الصلاحية صحيح أن هناك حاجة ملحة لقطب يساري يعطي مدلولا للتداول الديمقراطي حول السلطة، ومواجهة الحكومة ليس بالشعارات ولعبة الخطابات، بل يطرح البديل الاشتراكي للدولة الاجتماعية، وإحداث توازن بين الأغلبية الليبرالية يمر لزوما بتأسيس القطب اليساري .فعلى الذين يريدون أن يكونوا زعماء سياسيين أن يبنوا الزعامة في شخصياتهم أولا، الشيء المفتقد في تنسيق نبيل ولشكر، مما يجعل هذا التنسيق منتهي الصلاحية وبدون أفق مستقبلي. وإن كانت الأوضاع الاقتصادية تسير في صالح اليسار ذي الحمولة الاجتماعية والقادر على كشف تناقضات الليبرالية المتوحشة، واستثمارها في أفق الاستحقاقات المقبلة وقيادة حكومة 2026، فإن يسار اليوم فوت فرصة الأمس وأضاع نصف العهدة الانتخابية بفعل نوازع ذاتية، والحقيقة الثابتة هو وهن اليساريين بعد التصدع، إذ لا يمكن أن يعود إلا من خلال جيل جديد من اليساريين يحمل أفكاراً وبوصلة وإستراتيجيات جديدة، الوجوه التي تتصدر الأحزاب اليسارية هي وجوه مستهلكة لا يمكن أن تقوده لأي نجاحات. أجرى الحوار: ياسين قُطيب في سطور - أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية. - رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية - خبير دستوري ومتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية. - مستشار سابق لدى وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. - حاصل على دكتوراه في القانون الدستوري والعلوم السياسية بمراكش.

التسول بذريعة التغول

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

معــارضـــة الــوقــت الميـــت

لغز قتل فتاتين بالجديدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات