تعاني المرض الذي نخر أجساد أبنائها الخمسة وطفل بدون هوية هي معاناة مستمرة، لعائلة تتكون من أب وأم وخمسة أبناء، بحد السوالم، ثلاث يعانين إعاقة ذهنية ورابعة لديها مرض تورم الساق، أما الخامس فكتب عليه منذ صغره أن يكون رهين آلام الكلي التي شلت حركته وأضحى ملزما باستعمال كرسي متحرك لعدم قدرته على المشي بشكل سوي. معاناة ممزوجة برضا وابتسامة تحف وجوههم التي تأمل في غد أحسن، يؤمن لهم الدواء والعلاج، والعناية من المجتمع، الذي لا يعرف عنهم شيئا، لعزة النفس التي تمنعهم عن السؤال رغم أنهم في أشد الحاجة إلى من يعتني بحالهم. ثلاث فتيات في مقتبل العمر بإعاقة ذهنية، إحداهن حالتها خطيرة وتحتاج إلى مراقبة مستمرة من أمها التي تخشى أن تغادر البيت ولا تعود أبدا، وهو أمر يدفع العائلة إلى استعمال الأقفال لمنعها من الخروج، ولا يقف الأمر عند ذلك، بل إنه في العديد من المرات تتعرض لنوبات هستيرية، لا يعرف سببها، ولم تبحث العائلة عنه لأنه لا يمكنها عرضها على أي طبيب للعلاج، لحالة العوز التي عليها والتي بالكاد يمكنها توفير بعض الخبز والشاي غذاء يوميا لأفرادها. في ظل الحديث الذي جمعنا بالأم، دخل طفل لا تتجاوز سنه الخامسة يبستم بشكل عفوي ويحاول الحديث، لكنه لا يستطيع النطق، فقصته أكثر ألما من قصة والدته، فهو ابن إحدى الفتيات المعاقات ذهنيا التي تعرضت للاغتصاب من قبل شخص يسكن بالجوار، ونجم عن ذلك حمل وولادة طفل بدون هوية، ويعاني هو الآخر من تأخر النطق ومشاكل صحية متشعبة، تتطلب علاجا ليس في مستطاع جديه توفيره له، ولم تتمكن الأسرة من تسجيله في الحالة المدنية، رغم وجود حكم قضائي يؤكد تعرضه والدته للاغتصاب ومعاقبة الجاني. لا يكاد ينتهي الحديث عن معاناة أحد أفراد تلك الأسرة حتى تظهر أخرى أكثر منها ألما وحسرة، وتسائل المجتمع عن غياب الرعاية الاجتماعية لمثل هذه العائلات، حالة الابن الوحيد فيها ليس أحسن من سابقاتها، فرغم أنه سليم من أي إعاقة ذهنية أو جسدية، إلا أن المرض نخر جسده الذي تآكل ولم يعد يقوى على حمله بسبب مضاعفات مرض الكلي والتشخيصات المتضاربة التي كادت أن تنتهي به إلى "الدياليز". الضعف والهوان الذي عليه ذاك الشاب الذي جاوز العشرين من عمره، لم يعد يسعفه للمشي وأضحى يستعمل كرسيا متحركا لكي يتنقل، وهو الأمر الذي يتطلب وجود مرافق له في تنقلاته والعلاج. حاول التواصل مع بعض الجمعيات لأجل تمكينه من كرسي متحرك بمواصفات خاصة تسهل عليه التنقل، فكانت الوعود أكثر من التنفيذ، بل حاول البعض استغلال الحالة لأجل رفع نسب المشاهدات، وهو ما رفضته العائلة، التي تعتبر أن حياتها الخاصة ليست موضوعا للمزايدات لإيمانها القوي أن ذلك ابتلاء من الله. وأنت تتبادل أطراف الحديث مع الأم التي تحافظ على ابتسامتها، رغم ما تعانيه، تدخل البنت المعافاة من الإعاقة، والتي تعتبر يدها اليمنى في تدبير أمور البيت ورعاية أخواتها، والتي ما أن تدقق النظر فيها حتى تلاحظ تورما واضحا في ساقها بشكل يعيق حركتها بشكل سليم، وتساقطا في أسنانها وكأنها بلغت من العمر عتيا وهي مازالت في العشرينات من عمرها، تستقبلك هي الأخرى بابتسامة تخفي حزنا عميقا وخوفا من القادم، فهي لا تبحث عن شيء لها، بل كل ما تريده أن يتعافى شقيقها ليحمل العبء عن والده، وأن يحصل ابن شقيقتها على أوراق ثبوتية ويخضع للعلاج قبل فوات الأوان. مطالب بسيطة وقانونية يفترض في المجتمع توفيرها لتلك العائلة التي تعاني في صمت رهيب. كريمة مصلي