الطبقة المتوسطة في الإنعاش سياسات عمومية في قفص الاتهام ومطالب بإجراءات تحفيزية في قوانين المالية دعمت الحكومة الشركات الكبرى والمتوسطة لأجل الحيلولة دون إفلاسها وشجعتها على المحافظة على فرص العمل، وعدم تسريح اليد العاملة، وأداء الضرائب، وحفزت الأغنياء على الاستثمار، ودفعت الميسورين إلى المشاركة في تنشيط الحركة الاقتصادية عبر منح وتوزيع امتيازات تحفيزية ضريبية عبارة عن إعفاءات قصد فسح المجال لها لضخ أموالهم في مشاريع تنموية يحققون من خلالها الأرباح، ويضخون أموالا في إدارة الضرائب، ويرفعون من قيمة الصادرات عبر دخول باب المنافسة الدولية، دون أن تواكب ذلك بتنزيل إرادة الحفاظ على الطبقة المتوسطة. الصمام المنسي للسلم الاجتماعي تحول الأنظار إلى الفئات الهشة من خلال برامج الدعم يهدد بشل عجلة تحريك الاقتصاد احتدم الجدل السياسي بين الأغلبية والمعارضة، بشأن الاحتقان الاجتماعي بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، والمساس بالقدرة الشرائية للمواطنين، نتيجة غلاء قفة المواطنين ، فقررت الحكومة تحويل أنظارها إلى الفئات الهشة والفقيرة، من خلال تجميع البرامج الاجتماعية، في برنامج واحد قصد مساعدة الطبقة الفقيرة عبر الدعم المباشر الذي شكل منذ 10 سنوات مجالا للصراع السياسي بين الأحزاب. وإذا كانت الحكومة قررت تقديم دعم مباشر للفقراء وتنزيل مفهوم الدولة الاجتماعية، وتعميم التغطية الصحية الإجبارية على 23 مليون مغربي، كي تساعدهم على تحمل أعباء ارتفاع جل المواد الاستهلاكية الأساسية، فإنها نسيت الطبقة المتوسطة صمام أمان المجتمع والمساهم الرئيسي في تطويره. ولم تهتم الحكومة بالطبقة المتوسطة، التي تعد المحور الرئيسي في تنشيط الدورة الاقتصادية، لأنها المستهلك الأول لكل المواد المنتجة بالمغرب، وهي التي تساعد القطاع الخاص على البقاء نشيطا في الأسواق، لأنها تؤدي واجبات التمدرس الخصوصي، والتطبيب في المصحات والعيادات الخاصة، وتغير من نوعية السيارات، وتشتري الملابس والعطور، وتتناول الوجبات الغذائية خارج المنزل، وترتاد المقاهي والحانات وتتحرك خارج المدن لقضاء العطل الأسبوعية، وتنفق كثيرا لقضاء العطلة الصيفية، وتقترض من البنوك، وتتحمل أعباء العائلة بتمويل العاطلين فيها سواء المقربين في الأسرة الصغيرة، أو العائلة ككل. واحتجت فرق المعارضة الحزبية والنقابية بمجلسي البرلمان، على عدم إيلاء أهمية للطبقة المتوسطة، وردت الحكومة أن الزيادة في أجور الأطباء وأساتذة التعليم العالي على قلتهم، اعتبرت دعما للطبقة المتوسطة، وهم بالكاد يصلون إجمالا إلى 10 آلاف، في حين يوجد 200 ألف أستاذ من الطبقة المتوسطة ينتظرون زيادة أجرية ولو في حدود ألف درهم شهريا، لمساعدتها على تلبية جزء من حاجياتها، عوض الحديث عن تقديم الحكومة دعما لاقتناء السكن الاجتماعي لـ 30 مليون سنتيم، وهو سكن غير موجود في المدن الكبرى والمتوسطة، وقد يكون في المدن الصغرى على قلته، ما يعني أن الحكومة تخفي حقيقة الأمر وتدعي قيمة مالية لسكن غير متوفر، لأن السوق تؤكد وجود سكن يتراوح بين 80 مليون سنتيم و400 مليون، وفي أحسن الأحوال تجد 120 مليون سنتيم. لهذا وصف المغاربة المنزل بقبر الحياة، بسبب جشع المنعشين العقاريين، والمضاربة في العقار التي تسبب فيها المنتخبون المحليون بتواطؤ مع السلطات المحلية وتحت عينها على مدى 3 عقود، ما جعل المدن أشبه بقرى كبيرة تفتقر إلى الحس الجمالي في المعمار، وتسودها فوضى العمران. أحمد الأرقام الدرجة السفلى ميز أحمد لحليمي ، المندوب السامي للتخطيط، بين أنواع من الطبقات المتوسطة حسب دخلها، فالطبقة المتوسطة السفلى منها تقهقرت فعلا إلى الطبقة الفقيرة، لذلك توسع القطاع غير المهيكل، وتحول المقاول الذاتي، إلى " الإفلاس الذاتي" ما أدى إلى ارتفاع البطالة بنحو 686 ألفا في ظرف بضعة أشهر بسبب رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 30 في المائة، ما يجعلهم يسجلون أنفسهم في السجل الاجتماعي الموحد لعلهم يظفرون بدعم مباشر. وأمام ارتفاع حدة الانتقادات، عبرت الحكومة بعد فشل تسويق دعم السكن الاجتماعي لـ 30 مليون سنتيم و70 مليونا، عن بإمكانية وضع مقترحات عملية أثناء مناقشة قانون مالية السنة المقبلة لدعم الطبقة المتوسطة. وتؤدي الطبقة المتوسطة والفقيرة نسبة 70 في المائة من الضرائب التي تأخذها الإدارة من المنبع، فيما يدعي الأغنياء والميسورون ومن يدور في فلكهم بأنهم يعانون الكساد، أو المنافسة الشرسة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، للغش والتهرب الضريبي، وعدم التصريح بالعاملين في صناديق التغطية الصحية والتقاعد، ورفض منحهم الحد الأدنى للأجور، وترسيخ روح وأفكار القطاع غير المهيكل في القطاع المهيكل، وتوسيع دائرة الاعتقاد الشعبي بأن العين تضر بالربح، وأنه كلما استبق محقق الأرباح في التشكي كلما ارتفع حجم أرباحه، وكلما تحدث عنها تراجعت الأرباح. وانتقد برلمانيو المعارضة في المركزيات النقابية، بمجلس المستشارين، الحكومة لتفقيرها الطبقة المتوسطة، ودعا ممثلو هذه النقابات في الغرفة الثانية، إلى العناية بها، وهي الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل،على غرار ما أثاره نواب من المعارضة في الغرفة الأولى. ضحية حلول مستنزفة سليك: ليس هناك إبداع مبتكر لإيجاد مصادر تمويل ورش الحماية الاجتماعية قال نور الدين سليك، رئيس فريق الاتحاد المغربي للشغل، بمجلس المستشارين، أثناء مناقشة مشروع قانون مالية 2024، إن الحكومة لم تأت بإبداع حلول مبتكرة لإيجاد مصادر تمويل ورش الحماية الاجتماعية، رغم أنها أوراش أطلقها جلالة الملك محمد السادس، متسائلا عن مضامين البرنامج الحكومي في هذا الجانب، وكيف ستتم ترجمته على مستوى الميزانية. وأكد المتحدث نفسه، أن الحكومة لم تنجح في البحث عن حلول عادلة ومنصفة لتمويلها، وبذلك عليها أن تعيد النظر جذريا في فلسفة المنظومة الجبائية غير العادلة وغير المنصفة، مضيفا أن الحلول التمويلية ظلت تستنزف الطبقة الوسطى دون أي إجراءات حقيقية، وواقعية لحماية قدرتها الشرائية. وانتقد ما يصطلح عليه إصلاح صندوق المقاصة دون وضع إجراءات مصاحبة له لإنقاذ الطبقة المتوسطة التي تشكل الطبقة العاملة والموظفون العمود الفقري لها، والتي تلعب دورا محوريا في تحريك الدورة الاقتصادية اليوم، إذ تتحمل ارتفاع نسبة التضخم بسبب الارتفاع المهول في الأسعار، ومحدودية الخدمات الاجتماعية المقدمة، لذلك بدأت الطبقة المتوسطة في النزول إلى مستويات الطبقة الضعيفة والمستضعفة. وأضاف أن الاتحاد المغربي للشغل، انتظر الزيادة العامة في الأجور كما سبق للحكومة أن وعدت بذلك، وتخفيض نسبة الضريبة على الدخل التي تعتبر الأكثر ارتفاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتضريب الثروة والمواد الاستهلاكية الفاخرة، وتخصيص غلاف مالي لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لفائدة المأجورين، والعديد من الإجراءات المتخذة لضمان التمكين الاقتصادي للمرأة على مستوى الميزانية استنادا إلى مقاربة النوع، التي يعتبر المغرب من بين الدول المتقدمة فيها على المستوى النظري، ولم يتحقق شيء. وانتقد الإتحاد المغربي للشغل غياب التدخل الحكومي قصد تقديم المساعدة لمن هم في حاجة إليها، عبر وضـــع إرادة فـــــــي الميزانية العمومية للتقليص من نسبة العنف ضد النساء، وتحسين وضعية الأشخاص في حالة إعاقة والاهتمام بالمتقاعدين والمسنين، وحل ملفات 20 يوليوز ورفع أجور هيأة التدريس، وتقديم جودة في الخدمات الاجتماعية، وتعويض العاطلين عن العمل، وإصلاح القطاع الجبائي، دون جدوى. وتساءل المتحدث نفسه، عن تعميم الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة على بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع، إذ في مجال النقل، تم رفع نسبة تضريب السيارة الاقتصادية، ورفع تضريب نقل المسافرين والبضائع، ما سيؤدي إلى عواقب وخيمة على أسعار النقل ستكتوي بها الفئات المستضعفة. وسجل الاتحاد المغربي للشغل عموما إصلاحات تتنافى وعمق شعار الدولة الاجتماعية، تحت " شعار من لحيتو لقم ليه"، إذ كان من الأجدر الاقتداء ببعض البلدان التي طبقت عملية تضريب على السلع الكمالية، والأرباح الفاحشة وأحدثت ضريبة على الثروة. وقال رئيس فريق الاتحاد المغربي للشغل، إنه لا انتقائية في الدولة الاجتماعية، في ظل غياب الإقرار بالحريات النقابية، والتصريح الكامل بالعمال وتجريم التهرب من المسؤولية الاجتماعية، وجودة الخدمات المقدمة، واستمرار الاحتقان في القطاع التعليمي، و الحق في الحصول على منصب شغل قار وملائم كما عرفته منظمة العمل الدولية لكل العاطلين عن العمل. وأكد على معاناة المواطنين مع تعميم الحماية الاجتماعية لفئات واسعة من المواطنين بسبب التكلفة الباهظة لداء السرطان والأمراض النادرة، سواء في إجراء العمليات الجراحية أوفي اقتناء الأدوية المرتفعة الثمن، والتأخر الكبير في قبول التغطية الصحية والانتقال من نظام "الراميد" إلى "أمو تضامن"، وتسجيل صعوبة في تنزيل التسجيل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي، وربط التعميم بنظام معلوماتي لا علاقة له بالواقع بسبب ارتفاع نسبة الأمية وتفشي الهشاشة والفقر في الدخل، وعدم حل إشكالية التعريفة المرجعية والدواء الجنيس، ومعاناة العمال غير الأجراء من تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. أ. أ ثلاثة أسئلة: اندحار نحو دائرة الفقر لماذا كل هذا الانزعاج خوفا على الطبقة الوسطى؟ الطبقة الوسطى هي التي تحدث التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، كما تعتبر فاعلا أساسيا في الحركات الاجتماعية للدفاع عن مصالحها المادية والمعيشية خصوصا. لكن في العشرية الأخيرة تراجعت الطبقة الوسطى وباتت تعاني نتيجة تعاقب الأزمات بفعل الظروف الاقتصادية، ما جعلها تتراجع وتدخل مرحلة الدين عوض الادخار، ويظهر ذلك بشكل واضح في ارتفاع نسبة القروض الاستهلاكية التي يطلبها المواطنون من البنوك. ثم إن وضع المواطن وجها لوجه أمام تقلبات الأسعار دوليا بفعل خيارات اقتصادية غير مدروسة، تبنتها الحكومات المتعاقبة بات اليوم يهدد التوازن الاجتماعي، ما يستوجب من الحكومة تدبير هذا الوضع لإعادة الدور الحيوي التي تلعبه الطبقة الوسطى في إحداث التوازنات، في وقت يعاني فيه المغرب خللا بنيويا على سبيل التوازنات المالية، يدفع بهذه الفئة إلى التقلص بسبب خروج أطر تشتغل بالقطاعين العام والخاص، والاندحار نحو دائرة الفقر بسبب الارتفاع المتواصل للأسعار و تراجعت قوتا الشرائية. كيف يمكن تصور تداعيات اندثار هذه الفئة؟ وجب دق ناقوس الخطر في مواجهة نقاشات سياسية سطحية لا تستحضر الدور الكبير للطبقة الوسطى في ترسيخ الخيار الديمقراطي وتحقيق التنمية، ونهج الحكومات المقاربة المحاسباتية ومحدودية قراراتها في مواجهة التضخم المالي، إذ أصبح سؤال الاستقرار والسلم الاجتماعي يطرح بشدة بفعل تراجع نسبة النمو وتفاقم التضخم، على وقع مؤشرات احتياج وعجز عن التأقلم، ما جعل الطبقة تتراجع تدريجيا، بفعل واقع سمته الركود و اللا عدالة الاجتماعية، حتى إن الزيادات في الأجور بالشكل المعمول به حاليا لا تمكن من مجابهة النفقات والديون، في ظل مراهنة الحكومة على تنافسية الاقتصاد الوطني من خلال ضعف الأجور. كما أن انشغال الحكومة بالتوازنات المالية جعلها تؤخر إصلاح المجالات الاجتماعية مما يضر بالأسر وباتت كلفة السكن والنقل والتعليم والصحة باهظة، ما جعل فئة كبرى كانت تحسب على الطبقة الوسطى عاجزة عن توفير حاجياتها الأساسية، في ظل تأزم للوضع بسبب شبح الفشل في تطويق انزلاقات منظومة الأسعار، التي لم تعد قادرة على مجابهة غلاء الأسعار والمحافظة على القدرة الشرائية، مع تراجع الإقبال على الاستهلاك. ما هي في نظرك الطريقة المثلى لحماية ما تبقى من هذه الفئة المجتمعية؟ لا بد من إيجاد حلول لتقلبات أسعار المحروقات والحد من تأثيرها على الإنتاج، على اعتبار أن أي تغيير في ثمن المحروقات يؤثر بشكل تلقائي على كل قطاعات النشاط الاقتصادي، في حين أن الدعم المباشر للسكن الذي يستهدف الطبقة الوسطى وفق الشروط التي حددتها الحكومة لن يجدي، إلا في تحريك عجلة الرواج والحد من الكساد الذي يشهده القطاع، دون أن يؤثر إيجابا على الطبقة الوسطى، لذلك وجب توسيع الوعاء الضريبي في أفق تحقيق عدالة اجتماعية، وهذا الورش هو اختبار حقيقي للحكومة التي رفعت شعار الدولة الاجتماعية، وهو ما لن يتحقق دون إعادة النظر في آليات صناعة الثروة و توزيعها. فالضريبة ليست بالضرورة عبئا تتهرب منه الفئات الميسورة بكل الوسائل القانونية وغير القانونية، بل هو دين عليها تجاه المجتمع الذي ساهم في تكوينها وحمايتها. والضريبة بهذا المعنى هي وسيلة من وسائل توزيع الثروة. أجرى الحوار: ياسين قطيب * رشيد لزرق: رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية