العميد الوردي… الدقة والأمانة

نال وساما ملكيا لتفانيه في العمل لأزيد من 40 سنة دون استفادته من عطلة سنوية نقش العميد عبد الكريم الوردي اسمه من ذهب في جهاز الأمن الوطني، ويكفي أنه من الذين وشحوا بوسام ملكي بعد إحالته على التقاعد، وتولى عبد الله الوردي والي أمن البيضاء تزيين صدره به. تضحياته بلغت حد رفضه الاستفادة من عطلة سنوية طيلة مساره المهني، ما دفع مسؤوليه في الأمن، سيما عزيز كمال الإدريسي، رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية إلى مكافأته بالتكفل بنفقات الحج، قبل أن يغادر جهاز الأمن مرفوع الرأس. مسار مهني حافل بصم عليه الوردي، تميز بصبر وجلد، بدأه حارس أمن قبل أن طرق باب الرتب الكبيرة ويغادر الأمن برتبة عميد، ما ميز الوردي تفانيه في العمل ووطنيتيه، فدخل مسؤولون كبار في تنافس للاستفادة من خبرته. بنسامي ... الأب الروحي ولد العميد عبد الكريم الوردي بدرب السلطان في 5 فبراير 1959، وبعد مسار دراسي، اجتاز مباراة حراس الأمن، والتحق في 1980 بفرقة التدخل المتنقلة الثالثة بالبيضاء، وفي 1987 انتقل طواعية لأداء واجبه الوطني بالعيون، حيث عمل ضمن الفرقة المتنقلة 12. وبعد سنتين، اجتاز بنجاح مباراة مفتش شرطة، ومن المفارقات أنه الوحيد من بين زملائه الذي اختار شعبة الشرطة القضائية. كان لهذا الاختيار أثر كبير على المسار المهني للوردي، إذ التحق بالمصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بالعيون، والتي كان يشرف عليها وقتها، هرم من أهرامات الأمن الوطني، والي الأمن إبراهيم بنسامي. يعتبره الوردي الأب الروحي، فهو من اكتشف فيه الأهلية والكفاءة، ومكنه من خبرات مهنية جامعة وشاملة في مجال التسيير الإداري وتدبير الموارد البشرية والأبحاث القضائية، ما جعله متميزا في مجال البرقيات الموجهة إلى المصالح المركزية. لم يدم مقام الوردي طويلا بالعيون، إذ في 1994، سيفجع في والده، ويضطر للعودة للبيضاء لرعاية عائلته. "ولد درب السلطان" عاد الوردي إلى مسقط رأسه درب السلطان للعمل بمصلحة الشرطة القضائية شعبة تسيير وإدارة الموارد البشرية وإرسال البرقيات. ظل مشرفا على هذه المصلحة لمدة 24 سنة، يؤدي مهامه بكل نبل وأمانة وإخلاص، في فترة عاصر فيها أزد من 15 مسؤولا أمنيا في جميع الشعب. المثير في هذه المدة الطويلة، أن الوردي لم يستفد من الإجازة السنوية، إلا مرة واحدة وكانت مدتها 15 سوما فقط، في فترة رئيس الشرطة القضائية، العميد الإقليمي الراحل مصطفى الكرناوي، مع تعهد بعدم الابتعاد عن مقر المصلحة لأنهم قد يستنجدون به في أي لحظة لغياب الخلف. برر الوردي لـ"الصباح" عدم استفادته من العطل السنوية رفضه أن تكون مصلحته موضوع ملاحظة أو عتاب من قبل مسؤوليه المركزيين، لهذا كان أول من يلج مقر الشرطة القضائية، وآخر من يغادره بعد منتصف الليل. نجم تلفزي لم يقف تألق العميد الوردي على تخصصه فقط، بل انتقل إلى عالم التلفزة، خصوصا عندما قررت قناة "ميدي 1" إنتاج برنامج "أخطر المجرمين". دون تردد أوكل العميد الإقليمي محمد عذري المهمة للوردي لتشخيص دور رئيس الشرطة القضائية في مشاهد البرنامج وشرح تفاصيل الواقعة. كان حضور الوردي في البرنامج مثيرا للإعجاب، لباقة في الحديث ولغة سهلة فصيحة دخلت وجدان المغاربة، مع تحليل منطقي للوقائع، وتشويق غير عاد في سرد تفاصيل الجريمة، فشهدت المنطقة الأمنية الفداء مرس السلطان، هزة غير متوقعة، إذ رنت هواتف المسؤولين المركزيين يستفسرون عن هوية من ظهر في البرنامح، إذ شككوا أنه أمني لفصاحته وكفاءته ورصيده المعرفي. وبعد التأكد من الأمر، تلقى الوردي تهاني وإشادة كبيرة من مسؤولين مركزيين، وفي مناسبة فوجئ بشخص يلج مكتبه، وقدم نفسه ممثلا لجهات عليا في الدولة، وأخبره بصدق أنه أراد التحقق من الأمر، لأن رؤساءه شككوا في الموضوع ومخافة أن تكون إدارة الأمن ضحية تمويه، وبعد تأكده أنه ينتمي إلى جهاز الأمن، أبلغه إشادة وتهنئة مسؤوليه وغادر. الحدس الثاقب من محاسن الصدف، أنني في لقاء عابر مع الوردي منذ سنوات، أثارت انتباهه صورة عزيز كمال الإدريسي على جريدة "الصباح" وهو يشرف على عملية أمنية، عندما كان نائبا لرئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية، دون تردد طلب مني تذكر هذا الاسم جيدا، بعد أن توقع له مسارا مهنيا كبيرا ومتميزا بسبب كفاءته الكبيرة وذكائه الخارق، حسب قوله، وفعلا بعد سنوات ترأس الإدريسي المصلحة الولائية، وما زال يديرها بكفاءة كبيرة. وفي لقاء آخر بمقر الشرطة القضائية بالفداء مرس السلطان، عرفني الوردي على العميد عبد العالي المكتاني، الذي كان وقتها نائب رئيس الشرطة القضائية. أشاد به الوردي كثيرا وبكفاءته وطلب مني أيضا تذكر هذا الاسم جيدا، والآن يشرف المكتاني على المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالرباط. توقعات أو لنقل حدس الوردي لم تخب، ومن الصدف أن عزيز كمال الإدريسي بعد تعيينه رئيسا للمصلحة الولائية للشرطة، أصر على استقدام الوردي للعمل معه، فكانت بداية مرحلة جديدة، أشرف فيها على كل صغيرة وكبيرة في مصلحة البرقيات، ونجح في ربط علاقات خاصة وكسب ثقة المسؤولين الكبار، والدليل أنه الوحيد الذي كان يشاركهم الطعام بمكاتبهم الخاصة، لهذا أصروا على التمديد له لسنتين لما أحيل على التقاعد، قبل أن يستعطفهم للمغادرة بعد سنوات من التضحية. مصطفى لطفي

العميد الوردي… الدقة والأمانة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

آش خاصك تدير؟: تبديل رخصة السياقة

الاتجار في البشر... الجريمة المركبة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات