مولاي عبد الله… سيد المواسم

مليونا زائر وألفا فارس وسهرات و"تبوريدة" و"حلايقية" إنجاز : عبدالله غيتومي (الجديدة) حققت نسخة 2023 من موسم مولاي عبدالله أمغار، إقبالا غير مسبوق من حيث توافد عدد كبير من الزوار بلغ سقف المليونين، ما جعله يحافظ فعلا على الريادة أكبر المواسم على الصعيدين الوطني والعربي، يتأصل ذلك في قدرته على مواصلة حشد أزيد من 120 علفة للتبوريدة التقليدية، قوامها أزيد من 2000 فارس وفرس، في لوحات فنية أصيلة، يتخللها نشاط الشرفاء القواسم وهم يروضون طيورهم الحرة بحنكة من راكموا تجربة طويلة في الصيد بالجوارح، وأيضا حكي الحلقة وعشاقها، فيما الليل لسهرات شعبية لخصها سعيد ولد الحوات في كلمة واحدة " خديت الماعون ونوضت الجنون " في أغان بدأت بالراضوني وانتهت بالشاليني. اجتمع فيه ما تفرق في غيره من المواسم، ما يطوق اليوم وزارات الثقافة والسياحة والداخلية والفلاحة، بمسؤولية التضامن في ما بينها، للارتقاء به تراثا لا ماديا حقيقيا. تتضارب الروايات حول تحقيب الموسم السنوي للولي الصالح مولاي عبدالله أمغار دفين حاضرة تيط، لكن تتفق كلها أنه بدأ تجمعا صغيرا لعائلات بدوية، كانت تبني خيامها احتفاء بتخرج طلاب علم كانوا يدرسون عند الشيخ الورع العلامة مولاي عبدالله، وبمرور الأيام بدأ التوافد على هذا الرباط الديني يزداد ويتسع، رافقت ذلك ألعاب فروسية في مراحل جنينية، قبل أن تصل قمة ما وصلت إليه اليوم من أنفة وشموخ، من حيث لباس الفرسان وأسلحتهم. وخلال خمسين سنة الأخيرة تخلف الموسم عن الانعقاد، في ثلاث مناسبات، كان ذلك منتصف الثمانينات أيام العامل الأسبق فريد الوراق، بفعل الخوف من الكوليرا وفي 2020 و2021 بسبب جائحة وباء كورونا. كان الناس قديما يحجون إليه مشيا وعلى الدواب والعربات المجرورة، وكان سفرهم إلى الموسم عبر محطات أوما يصطلح عليه ب «الرفدات»، إذ كان القادمون إليه مثلا من أولاد غانم أو الغربية يتوقفون عند نخلة " أم هانات « بسيدي عابد، وتنضم إلى ركبهم جموع من هذه القبيلة، وهو السفر الممتع الذي لخصه التهامي السويلمي في قصيدته الشهيرة « مولاي عبد الله بني أمغار»، في وقت لم تكن فيه الطرق السيارة، كانت فقط طريق واحدة " جايا وتعواج ممنوع الدوبلاج أ الراجل". التبوريدة ... ولع متأصل ليس من الغرابة أن يتمكن موسم مولاي عبدالله هذه السنة، من بلوغ سقف 120 علفة مشاركة، لأن ذلك يتعلق بموسم يعتبره الخيالة على الصعيد الوطني، بمثابة « ريفيرونس» في مسار المولعين بالخيل والبارود، إذ أن لا أحد له الحق في الحديث عن نفسه "بارديا حقيقيا"، ما لم يسبق له ركوب المخاطر في موسم سماؤه يحجبها دخان البنادق المصوبة إلى العلالي. كانت دكالة من خلال موسم مولاي عبدالله، مدرسة تاريخية لفنون التبوريدة الحقيقية، بعلفاتها الذائعة الصيت، وضمنها علفة الحمورة وعلامها المرحوم بوشعيب زاهيدي وعلفة لقواسم وعلامها القايد سي بوبكر وأولاد افرج بقيادة العلمي بن دغة وعلفة العونات بقيادة امحمد سراج الدين وعلفة بني هلال برئاسة الحاد الرمش، الذي كان" يتبورد " ببندقيتين فضلا عن علفات شهيرة لعباس البريق وأحمد بن قاسم وعمر الشباكي من الغربية وبن الدرقاوي من سيدي بنور وعلفة العبابسة من أولاد بوعزيز والهلالي من بني هلال . هؤلاء العلامة رحمهم الله جميعا كانوا أساتذة أجلاء، علموا أبناءهم ركوب الخيل لجيل ذهبي آخر مثله، ضمنهم محمد زاهيدي علام قبيلة أولادغانم، ومن بعده ابنه مولاي إدريس زاهيدي والمرحوم مولاي علي قاسيمي علام القواسم، وعبداللطيف السكاكي بأولاد عمران وهشام خشان من بني هلال وحارث اليوسفي علام علفة مولاي عبدالله، التي حازت جائزة الحسن الثاني هذه السنة بدار السلام والقائمة طويلة. الحلاقي ... "حتى واحد ما باقي" قال السويلمي في قصيدته الشهيرة سالفة الذكر، " تسارينا الحلاقي حتى واحد ما باقي "، هي اليوم إحالة حقيقية على افتقار موسم مولاي عبدالله لرواد الحلقة، الذين أصلوا فن الحكي الشعبي واستطاعوا بمجهوداتهم النادرة، تحويل ساحة " المحرك " ليلا إلى توأم حقيقي لساحة جامع الفنا، بحضور أساتذة الحلقة عزوز ولد القرد والطاهر زعطوط ونعينيعة والصاروخ والغازي والرحالية وأبناؤها وحلقة الجذبة للقصاب ولد سلام وآخرهم جميعا رحمهم الله، العياشي الدغوغي " موات الحمير" الذي كانت حلقته شاهدة على ذلك التجاوب العجيب بينه وبين حماره المروض، الذي قال فيه العياشي " إن ترويض جميع الحيوانات سهل، إلا الحمار الذي يراعى فيه أن يكون جحشا صغيرا". عادات سادت وأخرى بادت الذين دأبوا على زيارة موسم مولاي عبدالله منذ أكثر من ثلاثين سنة، يذكرون أنه عندما كان يقترب موعده، كانت النساء ينخرطن في تهيء الزاد والمؤونة له، من حلويات و»قريشلات» وتوابل وطحين وكل ما يتطلبه مقامهم به، لأن الدكاكين كانت قليلة لا تستجيب للحاجيات، وكان إعداد العدة يوحي بالحج إلى موسم، حافظ على انعقاده دائما في الأسبوع الأول من شهر غشت، حتى أضحى الناس يتخذونه موعدا يضبطون عليه، أوقات أفراحهم، وخاصة أعراس الخطوبة والزواج. إذا كان الموسم في ذلك الزمان ينعقد في حلكة من الظلام، إذ كثيرا ما كان المخيمون يعتمدون في إضاءتهم على قناديل الكاربون و»اللامبات» والشموع، فإن مجال التخييم حاليا ينعم بإضاءة عالية خاصة بواسطة مصابيح كاشفة، وذلك يدخل ضمن إستراتيجية اعتبار الإنارة جزءا من توفير الأمن اللازم . وفي السابق كان المنظمون يعتمدون على عدد قليل من الدركيين و»المخازنية»، إلا أنه في دورة 2023 تم تجنيد 700دركي من القوات المساعدة و80 رجل وقاية مدنية، وهي أرقام تترجم على الواقع التغطية الأمنية التي حظي بها الموسم، وأكثر من ذلك تحيل على التزايد الكبير في الوافدين عليه، مقارنة بأيام زمان، في وقت لم يسلم فيه الزوار من نشاط سارقين بالنشل، وهم ليسوا من صنع اللحظة، بل رافقوا تاريخ الموسم حتى أن السلطات قبل أربعين سنة كانت تخصص لهم سجنا عبارة عن " هري " بجوار مركز البريد بمركز مولاي عبدالله، تحشرهم فيه حشرا قبل نقلهم إلى سجن الصوار بالحي البرتغالي بالجديدة . ولم يختلف الموسم في عاداته التي يعرف بها، وخاصة النظام الغذائي الذي نلاحظه فيه، إذ يستحيل أن تفرق بين الزوار، إذ منهم من بصدد تناول وجبة الفطور وآخر بصدد تناول وجبة غذاء أوعشاء، لأن " الشفناجة" يشتغلون 24 ساعة متتالية، والمقاهي الشعبية مفتوحة طيلة الوقت لتقديم وجبات متنوعة، تنوع زوار موسم الولي الصالح مولاي عبدالله أمغار . سهر وسمر السهرات الشعبية تنظمها جماعة مولاي عبدالله بمنصة واحدة عملاقة، من خلال شركة، وشارك فيها هذه السنة نجوم نظير سعيد الخريبكي وعبدالعزيز الستاتي وزهرة الرباطية وسعيد ولد الحوات وسفيرة الأغنية الأمازيغية عائشة تشنويت، واستقطبت متابعة جماهيرية غير مسبوقة. غير أن سهرات موسم زمان كان يقيمها كبار أعيان قبيلة دكالة، الذين كانوا يشكلون اللجنة المكلفة بالتنظيم، ومنهم بوشعيب زاهيدي وبلقويد والعلمي بن دغة وبوشعيب لهلالي ، وكان كل واحد منهم ينصب خيامه القيادية ويقيم منصة سهرات خاصة مفتوحة للعموم. كان المرحوم بوشعيب زاهيدي يستقدم الشيخة الغالية من واد زم ، وكانت من ألمع نجوم الأغنية الشعبية في السبعينات، أو كما يقال " راس السوق" كانت تحيي ليالي لدى رجل الدولة القوي آنذاك الجنيرال أوفقير، وكذلك العديد من الشيخات ومنهن منى والسعدية وخدوج والخودة من الدارالبيضاء، وعيدة من آسفي والمراكشية والصاحب بن المعطي وقشبال وزروال والعوني والبهلول والتامي السالمي وفاطنة بنت الحسين ومجموعة أولاد بن عكيدة والشيخة الهداوية والحمونية والستاتي، الذي يدين في سطوع نجمه لمنصة زاهيدي وسعيد ولد الحوات ومصطفى الميلس وآخرون . موسم لم يعد يتحمل نفسه عندما وصل موسم مولاي عبدالله أمغار سقف مليوني زائر وعدد كبير من السيارات التي تتحرك عبر شارعه الوحيد، الذي لم يعد حتما يتحمل كثافة حركة السير والجولان به، إلى درجة لم تعد فيها سيارات الإسعاف قادرة على نقل مصابين في ظروف مواتية وفي الزمن المطلوب لإنقاذ حياتهم، وبفعل الازدحام الكبير الذي يوفر ظروفا مواتية للنشالين والخارجين عن القانون، وفي ظل غزو العربات المجرورة بواسطة الدواب وسيلة لنقل الركاب وأيضا دراجات «التريبورتور»، في إخلال صريح بسلامة الأرواح وأخذا بعين الاعتبار كثافة الخيام دون ترك منافذ للمرور بينها، مما يصعب أي تدخل للوقاية المدنية في حال نشوب حرائق ، وفي ظل غياب المرافق الصحية الضرورية، وأيضا مع انتشار خيام مصنوعة من أكياس البذور والأسمدة، وهو ما يخل بالجمالية التي كانت للموسم زمان ، عندما كان الأعيان يحرصون على تخصيص الواجهة البحرية وعلى طول الشارع الرئيسي للخيام القيادية. في ظل كل هذه العيوب، أضحى لازما على السلطة الإقليمية أن تدعو إلى لقاء تقييمي مع الجماعة الترابية لمولاي عبدالله وكافة المتدخلين والشركاء، مباشرة بعد نسخة 2023 للوقوف على المزايا، من أجل تدعيمها، وعلى النقائص من أجل التفكير الجدي في حلول لتجاوزها، وذلك وحده كفيل بأن يحافظ موسم مولاي عبدالله أمغار، على ريادته على الصعيد الوطني .

مولاي عبد الله… سيد المواسم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وصفة صناعة "ولاد الفشوش"

‭"‬لوك‭" ‬صيفي: أحمر‭ ‬الشفاه‭ ‬الفاتح‭... ‬موضة‭ ‬وتميز

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات