مسابح البيضاء… للأغنياء فقط!

عرض محدود وأجيال بدون فضاءات ترفيه وخواص "يبيعون" الخصوصية بسعر باهظ تعتبر المسابح العمومية والخاصة، من أهم الفضاءات الترفيهية والرياضية، الواجب توفرها في المدن الحديثة، وبشكل متناسب مع عدد سكانها، وهو الأمر الذي يبدو من الوهلة الأولى أن العاصمة الاقتصادية للمملكة، تعاني نقصا حادا في هذا المجال. ففي الوقت الذي زاد فيه عدد المسابح الخاصة الراقية، يلاحظ أن مدبري الشأن العام بالمدينة، تناسوا الاستثمار في هذه الفضاءات، معولين على الخواص، الذين لم يوسعوا دائرة المسابح، لتشمل الاستفادة منها وبأسعار معقولة باقي سكان البيضاء، إذ كانت وما تزال مسابح المدينة حكرا على الفئات الميسورة، ومتوسطة الدخل أحيانا، في حين أقصيت أجيال من أبناء ذوي الدخل المحدود، من حقها في الاستمتاع بالمسابح، بأسعار معقولة. إنجاز: عصام الناصيري / تصوير (عبد اللطيف مفيق) من الذرائع التي تتحجج بها المجالس المنتخبة المتعاقبة على تدبير الشأن العام المحلي بالبيضاء، هو أن المدينة ساحلية وتتوفر على مجموعة من الشواطئ، وبالتالي فهي ليست في حاجة ماسة إلى فضاءات ترفيهية ورياضية من قبيل المسابح، إلا أن الأمرين مختلفان تماما فالشاطئ لا يعوض المسبح، وكل فضاء له أدوار ووظائف متنوعة. وظلت البيضاء تعاني نقص المسابح على غرار فضاءات رياضية وثقافية أخرى، ولم تندمج بعد في منظومة المدن الذكية والمستدامة، رغم أن هذه العبارة تتكرر في برامج المجالس المتعاقبة في السنوات الأخيرة. ممنوع على الفقراء لا يوجد عرض متنوع في البيضاء في ما يخص المسابح، إذ أن جلها تابعة للخواص، وتتركز جميعها في الشريط الساحلي بمنطقة "عين الدياب" أو "طماريس"، وهناك بعض النوادي والفنادق التي لديها مسابحها الخاصة، إضافة إلى المسبح التابع لمركب محمد الخامس، في حين لا توجد مسابح عمومية كبيرة يمكنها استيعاب عدد مهم من السكان، أو مسابح متخصصة في تعليم السباحة وصناعة الأبطال داخل المقاطعات. وإذا كانت البيضاء تضم القسط الأكبر من الثروة في المغرب، ويعيش بها أزيد من 2600 مليونير، إلى جانب عدد كبير من الأسر الغنية، وآلاف الأسر المنتمية إلى الطبقة المتوسطة، والتي لديها استعداد للإنفاق على الأنشطة الترفيهية، فإن المستثمرين لا يوظفون أموالهم في القطاع لسبب مجهول، في حين تستغل شركات معدودة على رؤوس الأصابع، هذه القاعدة الكبيرة من المستهلكين، بفرض أسعار وتعريفات باهظة، وتحقق أرباحا كبيرة، لا تدع أمام الأسر الفقيرة والمتوسطة في الكثير من الأحيان أدنى فرصة للاستفادة بدورها. وإذا كانت فقط تذكرة دخول شخص بالغ تتراوح ما بين 200 درهم و300، في جل المسابح المشهورة في البيضاء، فإن أسرة الأستاذ والطبيب والمحامي المبتدئ والتاجر البسيط، وغيرها من الأسر ذات الدخل المتوسط، لن تستطيع دفع ثمن التذكرة، خاصة إذا كان الأب أو الأم مرفوقا بطفل أو طفلين، إذ ستكلفه التذاكر ووجبة غداء بسيطة ومشروب ومقاعد، أكثر من 1500 درهم. وفقا لبعض المعطيات التي حصلت عليها "الصباح" من مرتادي هذه المسابح بـ "عين الدياب" و"طماريس"، فإن ثمن التذكرة بالنسبة إلى البالغين يتراوح ما بين 120 درهما إلى 300، في حين أن القاصرين يدخلونها بسعر ما بين 50 درهما و200، حسب نوعية المسبح والأنشطة المتوفرة داخله، وهل يتعلق الأمر بوسط الأسبوع أم نهايته؟. ولا يعفي سعر التذكرة من الأداء على الخدمات، إذ يتراوح سعر الكرسي الممدد "رولاكس" ما بين 100 درهم إلى 200، والمشروبات تبدأ من 25 درهما، والأمر نفسه بالنسبة إلى الأطعمة، التي يرتفع سعرها مقارنة بلوائح أسعار المطاعم خارج المسبح. وتمنع مجموعة من المسابح إدخال الأكل، رغم أن بعضها تراجعت عن هذه الخطوة في الآونة الأخيرة، بل يفرض على الشخص أن يقتني طعامه من المطاعم التابعة لإدارة المسبح، ولا توجد كراس داخل هذه المسابح، بل يضطر البعض إلى الجلوس على العشب، بسبب غلاء استئجار الكراسي. إهمال الشباب يقول عبد الرحيم كسيري، رئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض، "اليوم نجد أن مرفقا واحدا هو المتوفر للأطفال والشباب وهو ملاعب القرب، في حين باقي المرافق لا نجدها موزعة على المقاطعات والأحياء"، مبرزا أن الدول التي تتوفر على مدن مستدامة، لديها مؤشر يتم احتسابه بناء على السكان الذين لا يعرفون السباحة، أما دخول المسابح هذا أمر مفروغ منه، بالتالي يشتغلون على كيفية تحسين مهارات الذين لا يسبحون جيدا. وأضاف المتحدث ذاته أنه "نسمع الكثير من الكلام على المغرب، وكيف أن البيضاء مدينة للتكنولوجيا وقاطرة إفريقيا وغيرها من الشعارات، وفي الأخير لا نجد مسابح للأطفال والشباب، في وقت يتوفر فيه المغرب على شريط ساحلي بطول 3500 كيلومتر". و"بما أننا في البيضاء نتوفر على هذا الشريط الساحلي"، يقول كسيري، "فإنه ليس بالضرورة أن يكون الماء حلوا، بل يمكن الاستعانة بمياه البحر، كما كان الأمر في السابق، لكن ذلك يفترض أن نتوفر على سياسة واضحة". وأوضح المتحدث ذاته، في حديثه مع "الصباح" قائلا "أنا شخصيا ضد تدبير القطاع العام، وبالتالي يمكن بناء هذه المسابح، ومنحها لشركات لتدبير مرافقها، مقابل أسعار معقولة، مقابل أن تقوم الشركة بتوظيف عمال لتسيير المرفق والقيام بأشغال الصيانة، في الوقت الذي يجد فيه عدد من خريجي شعب الاقتصاد والتدبير أنفسهم يعانون البطالة، وكان بالإمكان أن نحل مجموعة من الإشكاليات عن طريق تفويت المشاريع للخواص". ومن خلال هذه العملية التعاقدية، يبين كسيري، يمكن أن "نحل مجموعة من الإشكاليات، ويجب أن يتم ربط هذه الفضاءات بالنقل العمومي، وإذا كان الأطفال الفقراء غير قادرين على الأداء، يمكن للمدينة أن تزودهم ببطائق خاصة مجانية للاستفادة، ومن ينتمي إلى طبقة ميسورة أو متوسطة لا مشكل في أن يؤدي ثمنا معينا". ولاحظ كسيري أن الدولة لا تنتبه إلا للشباب المشاغب الذي يكسر ويقوم بالفوضى في الملاعب وخارجها، إذ تحرك من أجله آلاف رجال الأمن، للحفاظ على سلامة الممتلكات والأشخاص، في حين الشاب المتفوق في الدراسة والذي تلقى تربية جيدة، نجده مهملا من قبل السلطات، ولا أحد يفكر فيه، وأين سيقضي أوقات فراغه. وأشار كسيري إلى تجربة الرباط، التي أنجزت مسابح على الساحل، مبرزا أنه "يمكننا في البيضاء أن نكرر التجربة، وإذا لم نتمكن بالنظر إلى الواقع الحالي، بسبب غياب مساحة كافية على الساحل، يمكن أن نتجه إلى خارج المدينة، ونوفر وسائل نقل عمومية". ثمن الخصوصية تستجيب المسابح الخاصة في البيضاء، إلى هاجس يشغل جل الأسر والشباب أيضا، ويتعلق الأمر بالاستقطاب المحدود و"بيع" الخصوصية، إذ أن بعض الأسر لا تستطيع الذهاب إلى الشاطئ من أجل الاصطياف، بسبب الوضع الذي سار عليه الزوار، نتيجة وجود بعض الفئات خاصة من الشباب، التي تعيش في بيئة هشة داخل المدينة أو بهوامشها، تصدر عنها بعض السلوكات والتصرفات التي لا يستطيع البعض تقبلها، أو التسامح معها. وهناك أيضا من الشباب من يضطر إلى دفع سعر باهظ لينعم بفضاء هادئ متسامح، يوفر الأمن والحماية، خاصة الذين يقصدونها رفقة زوجاتهم أو صديقاتهم أو أخواتهم، وكذا النساء اللائي يقصدن المسابح مع بناتهن أو صديقاتهن، ولديهن هاجس الخوف من التحرش أو العنف، وهو أمر يفهمه جيدا المستثمرون، لهذا يفرضون أسعارا باهظة، ويضطر الشخص للدفع مقابل خصوصيته وسلامته، على أن يقصد الشاطئ الذي يمكن أن يتعكر فيه مزاجه. ويفسر هذا الأمر بعدم توسيع تلك الشركات لدائرة استثمارها، رغم وجود طلب كبير، إذ بإمكانها استقطاب المئات بمجرد تخفيض السعر، إلا أنها تفضل استغلال فئة صغيرة، على أن توسع دائرة الاستقطاب وتقليص السعر، ونجد أن جل الشركات مستمرة ولم تتأثر بتداعيات كورونا، بل استأنفت نشاطها بشكل عاد، لأن أرباح الماضي كفيلة بأن يعيش المشروع، رغم إغلاقه من قبل الدولة لفترة طويلة. مدينة أقل ذكاء! رغم ما يقال في برامج المجالس المنتخبة المتعاقبة على البيضاء، بأنها مدينة ذكية ومستدامة، إلا أن خبراء يرون عكس ذلك، وأن المدينة أمامها خطوات كثيرة، حتى تصبح مدينة ذكية ومستدامة بشكل فعلي، وهو ما أشار إليه عبد الرحيم كسيري، المنسق الوطني للإتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، إذ قال إن التخطيط وتدبير المدن، أخذا مسارا جديدا، ودخلت عليه مجموعة من المعايير الجديدة، لم تعد تركز على البنية التحتية فقط، وما يتم إنجازه من المشاريع الضخمة، إنما يقاس نجاحه بمدى انعكاس تلك المشاريع على سكان المدينة، بصفة مباشرة. وأوضح الخبير ذاته، أنه لا يمكن قياس أهمية المشاريع إلا بربطها بمختلف سكان المدينة، من أطفال ونساء وشيوخ ومعاقين وفقراء وأغنياء وغيرهم، مبرزا أن الاستدامة والذكاء، بعيدان عن نماذج التسيير، التي نلاحظها في مدننا، علما أن هذه الرؤية الجديدة في بعض الأحيان لا تكون مكلفة من الناحية المادية. وتابع رئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض، أن هذه المعايير الجديدة إذا تم اعتمادها، فإنها تكون موجهة للاستثمار، و"يمكننا أن نتساءل على سبيل المثال، حول حجم الاستثمارات والأموال، التي أنفقت على قطاع النقل والطرق في مدينة مثل البيضاء، وإلى أي حد كان أثرها إيجابيا أو استفاد منه جميع سكان المدينة". واستمر المتحدث ذاته، في إيضاح كيف أن البيضاء التي لا تتوفر على مسابح كافية تعود بالنفع على جميع سكان المدينة، تستثمر جهدا كبيرا من أجل بناء الطرق والقناطر والأنفاق وغيرها، إلا أن 30 في المائة من السكان الذين يملكون السيارات، هم من استفادوا من عائد الاستثمار، في الوقت الذي كان من الواجب أن يتم توجيه الاستثمار إلى النقل العمومي، الذي يستفيد منه جميع المواطنين، وكان بالإمكان وبالأموال نفسها التفكير في "ميترو الأنفاق"، الذي يمكن أن يحل مجموعة من الإشكاليات. وذكر خبير البيئة والتنمية المستدامة، أن المدن المستدامة الجديدة، تقوم على مجموعة من المبادئ، وأنه يتم تطبيقها في مجموعة من الدول، ويجب أن نحذو حذوها، حسب كسيري، ويتعلق الأمر بالرفاه الاجتماعي والتماسك الاجتماعي، إضافة إلى التنافسية، سواء الاقتصادية أو البيئية أو غيرهما، وهناك أيضا معايير الجاذبية، والمحافظة على الموارد. وأوضح المتحدث ذاته. أن هذه المبادئ جاءت لتجيب عن مشكلة تحول المدن إلى مراقد للنوم، كما هو الأمر بالنسبة إلى مجموعة من مدننا، إذ أن المدن المستدامة تشترط عندما يخرج الشخص من مسكنه، أن يجد بمحاذاة الحي الذي يسكنه، مجموعة من المرافق والمصالح، من مساحات خضراء وأماكن لعب الأطفال، ومراكز تجارية وملاعب رياضية وغيرها. ومن أجل زيارة تلك المرافق، لا يجب أن يتعدى وقت الوصول إليها 10 دقائق مشيا إلى 15 دقيقة، حتى لا يستعمل السكان السيارات، وتخفيض ما نسميه التنقلات غير الضرورية، عكس ما نجده اليوم، إذ يضطر السكان إلى قطع مسافة 10 كيلومترات أو أكثر، من أجل لعب كرة القدم، والمسافة ذاتها للتسوق أو الذهاب إلى مسبح، وهو ما يزيد الضغط على المدينة والسكان.

مسابح البيضاء… للأغنياء فقط!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصلصات‭... ‬مشاكل‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي

"جماعتنا زينة" على "الأولى"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات