حافظت على أصالتها وسط مشاكل تحاصر حرفييها لأكثر من 50 عاما في قلب تارودانت، المدينة التاريخية، ما تزال حرفة الدباغة محافظة على أصالتها وعراقتها، وتتآكل بعوادي الزمن، وما تزال ثلة من حرفييها تقاوم. إعداد: عبد الجليل شاهي (أكادير) علال يوس أحد قدماء الدباغين، قضى ما يزيد عن 50 عاما في الحرفة، قال إنه تعلم أصول هذه المهنة، بعد انقطاعه عن الدراسة عن 15 ربيعا، وإنه شهد أوج نشاط الحرفة، منذ كانت الأسر تحرص على استغلال جلود أضاحيها في أثاث المنازل، فكانت دار الدباغ مزدهرة، غير أن هذا الوضع تلاشى تدريجيا مع مرور السنين. الصراع من أجل البقاء يتحسر الدباغ يوس، البالغ من العمر 66 عاما، على أوجاع وأوضاع حرفة الدباغة وما آلت إليه اليوم من ترد وانحدار، بعدما عرفت أوجها، حين كانت الأسر تقبل على استغلال جلود الأضاحي في الأثاث والزينة، وكذا إقبال السياح على انتاجات دار الدباغ باتت اليوم تصارع من أجل البقاء. "الجميع هجر المكان حتى أصبحنا 33 حرفيا، بسبب ارتفاع أسعار المواد المستعملة في دباغة الجلود وعدم إقبال الأسواق المحلية والوطنية على الصناعات التقليدية المرتبطة بالجلد، ناهيك عن غياب دعم مادي مباشر يساعدهم على توفير لقمة العيش"، يضيف الدباغ يوس. بدوره، يتأسف رئيس جمعية الدباغين على حال الحرفة، مؤكدا أن أغلب الأسر لم تعد تقوى على دبغ جلود الأضاحي، وإعادة تصنيعها منزليا للاستفادة منها بصنع الأفرشة والسجاد، فصارت تفضل التخلص من الجلود في حاويات الأزبال. قبيل عيد الأضحى يرتفع صوت الدباغ في قلب تارودانت ليطالب بـضرورة جمع جلود الأضاحي، والتنسيق مع عمال النظافة بتارودانت من أجل الاستفادة منها، لأن مناسبة عيد الأضحى لا يتم استغلالها بالشكل الجيد، بعدم استغلال كميات الجلود الكثيرة بعد ذبح الأضاحي في بمناسبة إقامة هذه الشعيرة الدينية. ورغم محاولة بعض الشباب جمع الجلود وبيعها لدار الدباغ، من أجل استعمالها في الصناعات الجلدية التي تعد أبرز الحرف التقليدية، تبقى محتشمة، وضعيفة جدا مقارنة بالعدد الكبير للأضاحي. ويناشد رئيس الجمعية المواطنين بوضع الملح على جلود الاضاحي قبل رميها في القمامة، حتى يتسنى استغلالها بعد ذلك. مراحل الدباغة وعن مراحل الدباغة، قال الجيلالي ديوار، رئيس الجمعية المهنية الرودانية لدار الدباغ، إنه تبدأ بوضع الجلد في حوض كبير يسمى ب"أزكي"، يتم فيه غسل الجلد لإزالة الأوساخ التي تلتصق به، وهناك بعض الجلود التي تبقى في الحوض يومين أو أكثر لتسهل عملية تنظيفها من جميع الأوساخ العالقة بها. ويضيف ديوار، أن تنظيف الجلد يتم بواسطة قطعة حادة من الآجر، ليتم بعد ذلك نشره على "أحمال"، وهو خشبة ينشر عليها الجلد، حتى يجف منه الماء، ويرمى ب"أمصراب" وهوحوض فيه مزيج من الماء والجير، لتسهل عملية إزالة الشعر والصوف من الجلد. ويؤكد ديوار، بعد جير أمصراب يرمى الجلد في القاطع، وهو حوض يتميز بفعاليته في تنقية الجلد من جميع الأوساخ، ويتم تجفيفه ثم يعاد رميه مرة أخرى، ثم يؤخذ إلى حوض "ازكي" ليتم غسله والضغط عليه بالرجلين لإزالة جميع الأوساخ المتبقية. ويتابع الجيلالي، أنه بعد التنظيف الجيد يقوم عدد من الأشخاص بالمشي على الجلد بشكل دائري، والضغظ عليه بالقدمين، ويِؤخذ إلى حوض يسمى القصرية المليئة بالماء و"براز" الحمام، ويبقى الجلد لمدة تتراوح بين أربعة أيام وأسبوع، ويتم تمريغ الجلد في حوض ملئ بنخالة الدقيق، ويغطى بـ "أشاضوض" وهو عبارة عن حصير، وبعد إخراجه من النخالة يتم رميه في خليط من الماء و"المرموز"، وهي العملية التي تعطي لونا أحمرا للجلد. يشرح الجيلالي بأنه "يوضع الجلد في مكان نظيف يسمى "أسفسر"، ليتم تجفيفه تحت أشعة الشمس، ويتم حكه بقطعة من كيس خشن لإزالة الاطراف الصغيرة، وبعد ذلك يبلل الجلد باستعمال قطعة من الصوف لمدة نصف يوم،في عملية تسمى أصواف،وبعدها يبرد الجلد بمبرد خاص يسمى الصدرية ليصبح رقيقا وأقل سمكا، ولتكتمل مراحل الدباغ الجلد، ويصبح صالحا للاستعمال بالطلوع. اليوسفي: مهنة تغرق يرى الحسين اليوسفي، رئيس الائتلاف المدني بتارودانت، والباحث في تاريخ المنطقة، أن "مهنة الدباغة من الحرف التقليدية بالمدينة التي تمارس وفق التقاليد والطرق المهنية المتوارثة بين الصناع أبا عن جد". وأوضح الباحث اليوسفي، أن "تاريخ الدباغة بتارودانت يعود إلى بداية 1613 ميلادية، بوجود معصرة "يحيى والطالب" في ساحة "أسراك"، التي كانت تضم العديد من الحوانيت الحبسية، حيث يعملون على الجلد بطرق تقليدية، وكان بالقرب منها سوق الجلد، وسوق الخرازين الذي تنشط فيه صناعة السروج، والنعال، والأحزمة، والحقائب، والدلاء وغيرها، ويضم أكثر من 70 دباغا حرفيا". وتأسف الباحث اليوسفي على أن "دار الدباغ هدمت بمعية عدد من الحوانيت المستندة إليها بعد الاستقلال، وتحولت في فترة لاحقة إلى مكانها الحالي خارج باب تارغونت، غير أن هذه الدار شهدت في الآونة الأخيرة عملية إعادة ترميم بغلاف مالي قدره حوالي 650 مليون سنتيم، ساهمت فيه كل من الجماعة الترابية لتارودانت، ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إذ همت العملية ترميم مرافق العمل داخل فضاء دار الدباغة، بما في ذلك إعادة بناء صهاريج المياه، وصهاريج دباغة الجلود، وتجديد واجهات محلات الحرفيين، بالإضافة إلى الربط بالشبكة الكهربائية، وتجديد قنوات الربط بالماء، وتبليط الممرات. وأكد سمير شهاب، النائب الثاني لغرفة الصناعة التقليدية، أن دار الدباغ بتارودانت مهددة بالاندثار، بسبب المشاكل التي يعانيها الحرفيون، وأضاف أن مشكل الوعاء العقاري يحتاج لتدخل الجماعة من أجل إيجاد حل من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، خاصة بعدما توصل حرفيو دار الدباغ بإنذار من أجل استخلاص مبلغ الكراء لأكثر من 33 شهرا، علما أن أكثر من 20 دارا للدباغة كانت متوقفة أكثر من عشرين شهرا بسبب جائحة كورونا. وقال شهاب إن حال "دار الدباغ" بتارودانت اليوم، لا ترضي الحرفيين بعدما احتجوا وبحت حناجرهم، إثر توصلهم بإنذار يفرض عليهم ضرورة استخلاص السومة الكرائية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في فترة كورونا، ونظم الحرفيون وقفة احتجاجية أمام عمالة تارودانت، وطالبوا بإيجاد حل قبل إغلاق "دار الدباغ"، ووعد الكاتب العام للعمالة بتارودانت بحل مشكلهم. شهاب: التوعية بأهمية الحفاظ على الجلد أوضح سمير شهاب، ممثل غرفة الصناعة التقليدية بتارودانت، أن "التوعية بضرورة الحفاظ على الجلد تبدأ من عملية ذبح الأضحية، والسلخ، وذلك بتوعية المواطنين بطرق التحفيظ من خلال التمليح بشكل سريع فور عملية الذبح، حتى يصل دار الدباغ في حالة مؤهلة للمعالجة والتصنيع. وأضاف أن المدابغ تؤدي دورا مهما في إعداد هذه الجلود لتكون قابلة للتصدير. وأكد شهاب أن "الجمعية المهنية لدار الدباغ بتارودانت بتنسيق مع وزارة الصناعة التقليدية باشرت اجتماعا مع جماعة تارودانت قصد حث عمال نظافة بتارودانت من أجل جمع جلود الأضاحي في مكان بعيدا عن باقي الأزبال". وأضاف المتحدث نفسه، "نحاول توعية سكان تارودانت بطريقة الحفاظ على جلد الأضحية بنشر شريط فيديو، والتواصل معهم حول هذه الثروة الجلدية.