رؤساء جماعات ومنتخبون وموظفون في إدارات ترابية يخضعون أغنياء وأصحاب شركات ومنعشين للإكراه أطفأ "نصف" المنعشين العقاريين ومستثمرون وأصحاب شركات متعاقدة مع جماعات وعمالات وأقاليم ومجالس منتخبة هواتفهم المحمولة، واستقل "النصف الآخر" الطائرة متوجها إلى الديار السعودية لأداء مناسك الحج، تجنبا للوقوع لـ"الذبح والنفخ والسلخ والتعلاق". فلأكثر من عشرة أيام، تحول منعشون عقاريون، على وجه التحديد، إلى "حقل رماية" من رؤساء جماعات ونوابهم، ومن منتخبين ورؤساء لجان ورؤساء أقسام ومكلفين بالعقود والصفقات العمومية، يطلبون منهم بشكل صريح، أو بطرق ملتوية، مد يد "العون" في العيد. ووجد منعش عقاري نفسه، أمس (الاثنين)، محاصرا داخل إدارة بعمالة بجهة البيضاء-سطات، بعد أن واجهه "موظف" بضرورة توفير عدد من الخرفان لوضعها تحت إشارة مواطنين يعانون الفقر والهشاشة والإعاقة بالمنطقة، أو منح مقابلها أوراقا مالية "معتبرة"، مبررا ذلك بـ"تنمية" حس "التكافل" والتضامن لدى "أغنياء" البلد. وأجل "الموظف" أي حديث في الرخص والشهادات والوثائق التي طلبها المنعش العقاري إلى حين انتهاء عطلة عيد الأضحى، بدعوى أن الإدارة "مشغولة" في حملة لجمع الخرفان وتمويل شرائها، لوضعها رهن إشارة مواطنين يحتاجونها. ولم يبد المنعش العقاري أي اعتراض على مبدأ التضامن في حد ذاته، خصوصا في مثل هذه المناسبات الدينية، لكن اشترط في الوقت نفسه، أن يتوصل بلائحة المواطنين المعنيين، ويتكفل شخصيا بتوزيع الأضاحي بنفسه، ما أثار حفيظة المسؤول الأكبر في الإدارة، الذي اعتبر هذا الشرط إهانة له، ولوح بيده في وجه المنعش صارخا "شكون نتا حتى تدوي معانا بهذه الطريقة، واش متقتيش فينا". وتشكل الواقعة نموذجا لما يجري، منذ أيام، في عدد من الجماعات الترابية والإدارات على امتداد رقعة الوطن، حيث يتعرض أصحاب شركات ومستفيدون من صفقات عمومية في التجهيز والأشغال، ومستثمرون في قطاع البناء والعقار إلى حملات ممنهجة من "الابتزاز" تحت أسماء وعناوين مختلفة. وفجأة، تخلى مسؤولون في الجماعات الترابية والمصالح الإدارية عن لغة التنمية والتخطيط والبرنامج والدعم والتعبئة والمرافقة والاتقائية والتصور والديمقراطية التشاركية، وتحولوا إلى "شناقة" يرتدون أحذية بلاستيكية (بوط)، وينغمسون في أوحال أسواق الماشية، بحثا عن "كطعة" من الرؤوس، أو رزم من الأوراق المالية، متأتية عن طريق التحايل والتهديد. ولم يعد خافيا أن إتاوات "العيد الكبير"، سواء المالية أو العينية (خرفان)، تستعمل لغرضين، حسب الفئة التي تطلب ذلك، إذ عادة ما يتحول الأمر بالنسبة إلى موظفين في الإدارة إلى عملية تجارية مربحة، وإلى بيع وشراء واغتناء غير مشروع على حساب مواطنين آخرين يدفعون تحت الإكراه. أما الشكل الثاني من الاستفادة، فله طابع انتخابي محض، أبطاله رؤساء جماعات ومنتخبون، يستغلون العيد لتدشين حملات قبل الأوان، يلعب فيه "الكبش" دور "البطل". ولم يفقد الخروف بريقه الانتخابي، منذ سنوات، رغم حملات التشويش والمنافسة باستعمال أشكال أخرى من الإغراء، مثل الأوراق الزرقاء والبنية، ومآدب "الزرود" المتبلة بالدجاج المحمر وأطباق اللحم بالبرقوق. ويقدر رؤساء جماعات، بالبديهة، الوزن "الثقيل" للخروف في قلب موازين شراء الذمم والأصوات الانتخابية، إذ قد ينسى المواطن كل الأشياء في حياته، عدا اليوم الذي يتوصل فيه بمكالمة هاتفية تخبره بالتوجه إلى الكراج الفلاني لتسلم أضحيته مجانا، ولو تعلق الأمر بخروفة "مهاجرة" من مايوركا الاسبانية. يوسف الساكت