الخيام … صائد “جرذان” الإرهاب

جمع بين صرامة الأمني وتواضع ابن درب سلطان وتحول إلى أيقونة الأمن المغربي كان خبر موت عبد الحق الخيام الرئيس السابق للمكتب المركزي للأبحاث القضائية في غشت 2022 بمستشفى الشيخ زايد بالرباط، صادما للمغاربة، إذ لم يسبق لهم أن تفاعلوا مع خبر موت مسؤولين كبار قدموا تضحيات كبيرة للمغرب، ربما لأن أغلبهم فضلوا الموت في صمت، على نقيض الخيام، الذي صار لدى المغاربة مرتبطا بأمنهم وحمايتهم من الخلايا الإرهابية، لدرجة أن وفاته أدخلت الشك حول مواصلة "بسيج" نجاحه في اصطياد الإرهابيين، إلا أن هذا التخوف زال بعد تعيين خير خلف لخير سلف، ويتعلق الأمر بنائبه حبوب الشرقاوي. جمعت شخصية الراحل كل التناقضات، صرامة المسؤول الأمني والبشاشة و"ولد الشعب" المتواضع والمحبوب من قبل الجميع. ساهمت نشأته في درب السلطان، أحد أبرز الأحياء الشعبية بالبيضاء في اختصار المسافات لكسب قلوب المغاربة. بزوغ نجم ولد الراحل الخيام بالبيضاء في 1958 بمنطقة درب السلطان، ورغم التناقضات الاجتماعية التي شهدها هذا الحي في تلك الفترة، عبد لنفسه وبامتياز، طريقا صوب المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، حيث تخرج منه برتبة ضابط ليبدأ نجمه في السطوع بالعمل في العديد من مراكز الشرطة القضائية بالبيضاء، إلى أن صار "بيجيست" رقم واحد بعد تعيينه رئيسا للمصلحة الولائية للشرطة القضائية. خلال تلك الحقبة كانت الجرائم لا تخرج عن طابعها العادي، حتى لو نفذت في إطار شبكات أو عصابات إجرامية، إذ يتم طي ملفاتها في رمشة عين، لكن بعد 2000، سيشهد المغرب جرائم غير مسبوقة، تتطلب يقظة وكفاءة خاصة لمعالجتها، سيما بعد تفكيك خلية فكري الإرهابية، قبل أن تزداد حدة هذه الجرائم في أحداث 16 ماي الإرهابية بالبيضاء، التي شكلت صدمة كبيرة للمغاربة، الذين لم يعتادوا يوما مشاهد تفجير النفس والجثث المتناثرة. الحرب على الإرهاب كشفت هذه الأحداث عن معطيات خطيرة، وهي تنامي نشاط خلايا إرهابية بأحياء عشوائية بالبيضاء، خصوصا بـ"كاريان طوما" بسيدي مومن والهراويين، إذ حكم أمراؤها هذه الأحياء بالحديد والنار، الأمر الذي دفع الدولة إلى الإسراع بإحداث فرقة أمنية متخصصة في الإرهاب والجريمة المنظمة في 2004، ستحمل اسم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. دون تردد تم اختيار الراحل عبد الحق الخيام على رأس الفرقة الأمنية، بعد أن راكم من الخبرة والكفاء ما يؤهله ليقود هذا الجهاز الجديد، في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة دون هفوات أو تقصير. أبان عبد الحق الخيام وعناصره، عن حنكة كبيرة في تدبير قضايا الإرهاب، إذ صارت تتساقط قصاصات إخبارية عن تفكيك خلايا خطيرة على الصعيد الوطني، بعضها كان على أهبة الشروع في تنفيذ مخططها الإجرامي، كما اشتهرت الفرقة بتصديها للعصابات المنظمة، سيما المتخصصة في التهريب الدولي للمخدرات، إذ في سابقة، صار الأمن يفاجئ البارونات في معاقلهم بالشمال. المسؤول الرجاوي رغم المسؤولية الثقيلة التي كانت على عاتقه، وهو ضمان أمن المغرب، استغل الراحل الخيام جزءا من وقته للعب الورق بمقهى بدرب السلطان مع أصدقاء طفولته، كما كان لا يفوت في مناسبات، فرصة متابعة فريقه المفضل الرجاء الرياضي من المدرجات، ولا ينسى المغاربة كيف احتفل بحماسة بفوز الرجاء ببطولة الدوري المغربي في 2020. عشقه للرجاء، جعله يتبنى أحد أساسيات الفريق، وهي الرهان على الشباب، إذ في مناسبة، أسند الخيام مهمة اعتبرت معقدة وصعبة وقتها إلى ضابط تخرج حديثا من معهد الشرطة، وهي إحباط تهريب أطنان من المخدرات من ميناء البيضاء. كانت مغامرة منه في قضية لا تستدعي الخطأ، إلا أن الضابط الشاب نجح في مهمته، رغم نقص الخبرة، وتمكن من حجز أطنان من المخدرات واعتقال زعيم الشبكة. صفعات لـ"داعش" في 2013، سيكون العالم أمام صدمة تأسيس تنظيم "داعش" وتمدده المخيف بالعراق وسوريا، واستقطاب أنصاره من كل بقاع العالم، ومن بينها طبعا المغرب، وقتها أدرك المسؤولون ضرورة إحداث تغييرات لمواجهة الخطر الجديد، فكانت البداية بتعيين عبد اللطيف حموشي مديرا عاما للأمن الوطني والمديرية العامة لحماية التراب الوطني، وبعدها تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية، تحت إشراف شخصي للراحل عبد الحق الخيام، الذي رقي إلى رتبة والي أمن، لتبدأ حقبة من مطاردة خلايا التنظيم وذئابه المنفردة بكل ربوع المغرب، بشكل أبهر أقوى الأجهزة الأمنية العالمية، ليصبح الأمن المغربي مثالا يحتذى به عالميا، والكل يتسابق لتبادل الخبرات والتنسيق معه. إلى جانب الإرهاب كانت يد "بسيج" تمتد إلى شبكات التهريب الدولي للمخدرات والكوكايين، إذ أشرف الخيام شخصيا على عمليات نوعية أدهشت الجميع من حيث دقة تنفيذها والكميات المحجوزة. ظل "بسيج" في عهد الخيام يحقق انتصارات تلو أخرى، إلى أن تقرر إعفاؤه من مهامه في 2020، وتعيينه مستشارا أمنيا، لكن المرض الخبيث وجه له طعنة غادرة، ظل يتحملها إلى أن استسلم للموت في غشت 2022، إذ ووري الثرى بمقبرة الشهداء بالبيضاء في جنازة رسمية لا يحظى بها سوى الأبطال. مصطفى لطفي

الخيام … صائد “جرذان” الإرهاب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فقهاء في مستنقع الاستغلال الجنسي

صلاة الغائب

مقالات ذات صلة