دراسة في القانون : الميثاق … غياب المنهجية وتهميش المفوض القضائي(2/2)

بعد عدة لقاءات ندوات تم الإعلان عن الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، متضمنة أهدافا رئيسية وأخرى ثانوية وفرعية وجدول زمني، يوضح الإجراءات التنفيذية الكفيلة بتجسيد هذا الميثاق على أرض الواقع. هذا ما ذهبت إليه أيضا التوصيات الصادرة عن المؤتمر الثالث لرؤساء المحاكم الإدارية في الدول العربية المنعقد ببيروت –لبنان- من 16إلى 18 دجنبر2013. من كل ما سبق قوله –من الأمثلة المبسوطة- يستخلص غياب الرؤية الشمولية في التعاطي مع واقع المنظومة القضائية وحصر الإشكال في جانب دون الآخر وبالتالي جاء التشخيص ناقصا لا يعبر عن مكامن الخلل وأعاد للأذهان الصورة النمطية في تحليل الظواهر الاجتماعية من طرف الإدارة والمعدة سلفا والمتشبعة بالإجراءات الإدارية أكثر من اعتماد المناهج العلمية.الفقرة الثانية:المفوض القضائي الحلقة المفقودة في مسلسل اصلاح القضاءبالرغم من أن المفوض القضائي يشكل المحور المحرك والأساسي في المنظومة القضائية، وهاته الأهمية جلية وواضحة من خلال بعض الاجتهادات القضائية، كالحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط -قسم القضاء الشامل- الصادر بتاريخ13-يونيو-2013 ملف عدد2012-7- 357والذي جاء فيه «ونظرا لقصور وسائل المحكمة في التبليغ أمام إحداث هيأة المفوضين القضائيين كهيأة تتمتع باختصاص أصيل في هذا المجال». وما قيل في التبليغ يقال في التنفيذ وفي غيرها من الاختصاصات، فإنه لم يمثل على مستوى الهيأة المشرفة على الحوار الوطني للإصلاح القضائي، وكان وجوده باهتا في باقي الندوات المنظمة. في سياق هذا الحوار كما تكرس تهميشه أيضا في الميثاق، إذ لم تنل مؤسسة المفوض القضائي حظها من الاهتمام والتحليل وكان دور المفوض القضائي مختزل في تلقي الأوامر والتعليمات دون أن يكون فاعلا أو مشاركا في منظومة العدالة، وفق ما تقتضيه أصول التشاركية التي طالما تم التشدق بها دون تفعليها، فالميثاق لم يشخص واقع عمل المفوض القضائي وانتظاراته، خصوصا في ظل غياب وسائل العمل، وصعوبة وصول المفوض القضائي للمعلومة، وعدم تفعيل الصيغة التنفيذية وانعدام الحماية القانونية والاجتماعية، ما كرس فهما مغلوطا في فهم مسؤولية المفوض القضائي التي هي بالأساس التزام بوسيلة وليس بتحقيق نتيجة، مما أدى إلى رهن أتعابه بالنتيجة التي قد تتحقق وقد لا تتحقق، وهذا في حد ذاته ضربا ومصادرة للحماية الاجتماعية في جانبها المادي وخرقا للفصل 29 من القانون03-81 الذي ينص على «يتقاضى المفوض القضائي أجرته مباشرة من طالب الإجراء مقابل تسليم وصل بذلك من كناش ذي جذور، تعتبر أجرة المفوض القضائي جزءا من الصوائر القضائية». ويجب أن تؤدى مسبقا قبل مباشرة أي إجراء على أن يحتفظ طالب الإجراء بحقه في الرجوع على المطلوب فيه، على اعتبار الأتعاب صائرا وأن قرار وزير العدل 06.1129 لا يرقى في قوته في إطار التدرج إلى مستوى النص التشريعي وأمام الفراغ التشريعي نفسه، وصمت الميثاق تبقى صورة المفوض القضائي باهتة في مسلسل الإصلاح وهذا الأمر مع الأسف انعكس على المستوى الإعلامي ولم ينل هذا الإطار القضائي حقه من العدل والإنصاف رغم أنه ينتسب إلى أسرة العدل.فكأن المفوض القضائي من خلال هاته الصورة والصور الأخرى، هو مجرد «كمبارس» يلعب دورا ثانويا إن وجد في مسلسل الإصلاح، ولا يحمل أي إضافة ولا يحقق أي توازن داخل المنظومة. وفي السياق نفسه، هناك من يرى أن بوابة الإصلاح القضائي هي الزيادة في مرتبات وأجور القضاة، وهذا المنظور للإصلاح يبقى ناقصا، وإذا كان من الضروري الزيادة في هاته المرتبات، وهذا حقهم المشروع، فإنه من باب المساواة تحسين الوضعية المادية للمفوضين القضائيين بشكل جيد وملموس، يتناسب وخطورة المهام التي ينجزونها على اعتبار أنهم اليد اليمنى للقضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، فالمفوض القضائي هو الوسيلة الحقيقية لتحقيق وتجسيد هذا النفاذ، فإذا كان القاضي يبت ويفصل في النزاع بمقتضى حكم، فإن المفوض يجسد منطوقه على أرض الواقع وينقله من حالة السكون والركود إلى الحركة، فلماذا إذا هذا التمييز والإقصاء والتهميش في حق هيأة كان من الممكن أن تكون كبيرة؟ وكيف يمكن أن نطالب بالنجاعة القضائية والحكامة في ظل : عدم استقلالية المفوض القضائي وعدم حمايته وحصانته من كل التأثيرات والإكراهات والضغوطات والاعتداءات التي يمكن أن يتعرض لها، بالرغم من أن استقلال المفوض القضائي هو دعامة لتكريس دولة الحق والقانون كما جاء في إحدى محاور الندوة المغاربية التي انعقدت بمكناس في 16 نونبر 2012.- ازدواجية التبليغ والتنفيذ- عدم إشراك المفوض القضائي عند وضع التشريعات الخاصة بالمهنة.- إشكاليات واقع التبليغ والتنفيذ والعوائق والموانع التي تحول دون ذلك.- عدم إصدار مدونة التنفيذ جامعة لقواعد الموضوع والشكل.- ضبابية سلطة البحث والتحري عند المفوض القضائي وعدم وضوح ورسم حدودها.- غياب الصيغة التنفيذية في مواجهة أشخاص القانون العام.- إشكالية التنفيذ الجبري والقوة العمومية وإفراغها من محتواه، وعدم تفعيل مضمون الصيغة التنفيذية، ليبقى التنفيذ مجرد عنوان بدون مضمون.- غياب العدالة الضريبية بالنسبة للمفوض القضائي، فهو يساهم في تسيير مرفق عمومي، ويعمل على إنجاحه ولا يمارس نشاطا تجاريا. - عدم التوازن بين الالتزمات الملقاة على عاتق المفوض وحقوقه.- مصادرة حقه في ممارسة بعض الاختصاصات كما هو متعارف عليها في القانون المقارنة –كالتنفيذات الحبية والوساطة- وفي هذا ضرب لمبدأ الاحتكارية.- كثرة الشكايات الكيدية وبسوء نية دون أن يتدخل المشرع للحد منها.- وما يزيد الطين بلة هو ما جاء به الميثاق من إحداث وحدات لرصد الممارسات والسلوكات سواء كانت إيجابية أو سلبية في الوسط القضائي والمهني وإعداد قواعد بيانات بشأنها كأننا نعمل في إطار قواعد الحرية المحروسة.-ما كرسته التوصية المحدثة لهيأة قضائية ومهنية مختلطة من عدم التوازن في التمثلية بين الممثلين المهنيين والقضاة. -الإبقاء على النصوص التشريعية المنظمة للمهنة وبالشكل التي عليه من شأنها عرقلة عملية تطويرها. أكيد أنه لا يمكن أن تتحقق هاته النجاعة وهاته الحكامة بهذه الشروط، وبظرفية ما زلت تعرف مفارقة بين القانون والواقع بكل تجلياته وتمظهراته، لعدم مسايرة المشرع لمستجدات الواقع المجتمعي ومتغيراته في جزئياته وكلياته، فالأمر لا يتعلق بتغيير وتعديل وتحيين النص التشريعي، وإنما في القدرة على استيعاب هاته المتغيرات، حتى يمكن أن تتحقق معادلة التوازن والتطابق بين النص التشريعي والواقع وأن يتحرر من الخلافات السياسية والحزبية الضيقة. حقا كنا نطمح إلى إصلاح قضائي شمولي تشاركي، يدشن لمفهوم قضائي جديد فاعل تنموي يضمن الأمن الاقتصادي والاجتماعي، قوامه كل الفاعلين في المنظومة القضائية، متفتح على محيطه إلا أنه بعدم إشراك المفوض القضائي إشراكا حقيقيا وفعليا كشريك أساسي في ورش الإصلاح، فإن الأخير على ما يبدو يبقى مؤجلا. وأن تقوية منظومة العدالة بكل مكوناتها يمر حثما من خلال خلق ومأسسة جسور التواصل بين هاته المكونات دون كبت طاقتها الإبداعية والخلاقة ودون تهميش بعضها واحتضان البعض الآخر.بقلـم : ذ. محمد القوص, مفوض قضائي بفاس

دراسة في القانون : الميثاق … غياب المنهجية وتهميش المفوض القضائي(2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إيقاف متهمين بالنصب على شركة للاتصالات

"إم بي سي 1" تحتفي بالدراما التركية في غشت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات