إيديولوجيا فساد

لزرق حذر من خطورة تمدد نخب حزبية مشبوهة إلى مراكز القرار الحساسة حذر رشيد لزرق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية من خطورة تمدد إيديولوجيات حزبية سائدة حاليا إلى باقي مناحي الدولة، خاصة منها تلك المتعلقة بمراكز القرار الاقتصادي، ونبه أستاذ القانون العام إلى شبح حملة تطهير تأتي على الأخضر واليابس، وفي ما يلي نص الحوار، أجرى الحوار: ياسين قُطيب لماذا يوجد المنتخبون في مقدمة المستهترين بالمال العام عوض أن يكونوا في الصفوف الأولى لحماته ؟ > يجب أن تتم مكافحة الفساد في إطار القانون واحترام المحاكمة العادلة، وفي ظل وضع قضائي هادئ ومطمئن يعمل من دون ضغوط إعلامية، حتى لا تتحول إلى تصفية حسابات وإسكات أصوات المعارضة،على شكل حملة التطهير السابقة . إن المحاسبة العادلة تفرض أولا احترام القانون واستقلالية القضاء وفصل السلطات، واحترام قرينة البراءة عدم التشهير بالناس، كما يجب أن نترك القانون يأخذ مجراه العادي، في ظل قضاء مستقل ومحاكمات عادلة. تكاد تكون المطالبة بمحاسبة من أجرموا بحق المال العام ومحاربة الفساد التحدي الأصعب الذي مرت به كل الحكومات منذ دستور 2011، على الرغم أنه مطلب شعبي بإسقاط الفساد والاستبداد، غير أن هذا المطلب استغلته حكومة الإسلاميين خاصة مع بنكيران، بغاية إسكات صوت المعارضة. لماذا كل هذه الممانعة في وجه تطبيق مبدأ المحاسبة على المسؤولية؟ > واقع الحال يؤكد أنه بدون إرادة سياسية عازمة على الإصلاح ومحاسبة الفاسدين، لن يتم الوصول لتنفيذ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فتعثر مسار المحاسبة سابقا كان بسبب وجود إرادة سياسية تتخذ من الفساد قوتا انتخابيا ما جعلها مترددة عن في تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، فأصبحت ملفات الفساد أداة لتصفية حسابات سياسية مغالطة الرأي العام. نحن أمام العديد من الملفات بها فساد مالي وإداري لأكثر من عشر سنوات، كلها جرائم قائمة ومطلوب من النيابة العامة تحريك الدعوة العمومية، وعلى عكس ما يقال، فإنها ليست فارغة والقرائن والأدلة موجودة، وما على القضاء إلا إعمال القانون. هناك قناعة باتت راسخة بأن الفساد لم يعد استثناء داخل المنظومة الحزبية المغربية، بل أصبحت أيديولوجية الفساد، هي الظاهرة الجامحة التي تمس جل الأحزاب المغربية من يسارها إلى قوى التدين السياسي ، مما يجعل مكافحتها والقضاء عليها، مسؤولية وطنية تقع على عاتق جميع المؤسسات الدستورية. هل يمكن أن تكون الوضعية الحالية للأحزاب تهديدا للديمقراطية ككل ؟ > الفساد و الامتيازات وجهان لنفس العملة الرديئة، التي لطخت وجه الدولة. وقد حالت دون المضي في تعزيز مسار التحول الديمقراطي الكبير، وفي مواصلة الإصلاحات التنموية، لذا، فان قضية الوزير الأسبق محمد مبديع، تثير أسئلة عدة. بداية من الخصائص المعيبة التي تميز مسار الوزير ذاته. وكذا ظروف وصوله إلى هذا المنصب الكبير. بل كاد يترأس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، ما يطرح سؤالا آخر يتعلق بالمحيط السياسي العام والمنظومة الحزبية، التي أصبحت في مجملها فاسدة، في ظل توافق مشبوه بين قادة الأحزاب في مسألة منحه هذا المنصب الحساس. هل تتفقون مع الرأي القائل بأن هناك علاقة بين وضعية الأحزاب والريع الذي ما زال في الجوانب الاقتصادية ؟ > إننا أمام حالة سياسي حزبي منتخب معتقل، وقد كان يقود حزب الحركة الشعبية بمعية الوزير الأسبق محمد أوزين، وقد استفاد من وجوده في حكومة بنكيران التي شغل فيها منصب وزير منتدب مكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة في المملكة المغربية، بل إن بنكيران قد أوكل له مهمة تنفيذ برنامج كان هدفه إعادة الثقة بين المواطن والإدارة. و الآن، قد علم الجميع فشل الحكومات السابقة في تأهيل الرأسمال البشري، إذ لم تنجز المراجعة الشاملة للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، ولم يبدع الوزير مبديع عدا في تجسيد مقولة «عفا الله عما سلف من الفساد». هناك من يحذر من خطر اختراق لوبي مصالح للسياسة هل تتفقون مع ذلك ؟ > هذه حالة كثير من وزراء المرحلة السابقة، لم يكونوا ليصلوا إلى مواقعهم الحكومية لولا المنظومة الحزبية المضطربة، التي أخرجت الأطر الجيدة وسمحت للكثير من شبكات الضغط بفرض أسماء لها داخل مؤسسات الدولة المركزية كالحكومة والبرلمان المنتخب. ولعل قضية هذا الوزير تؤكد استشراء عقليات الفساد داخل الأحزاب، ما يشكل خطرا كبيرا يهدد مبدأ الخيار الديمقراطي الذي يفترض أن لا رجعة فيه. لا ديمقراطية سليمة، دون أحزاب نظيفة وواقع الحال يفضح هيمنة نخب ريع غير مرتبطة بزمن سياسي محدد، في شكل فساد قائم على ثقافة سياسوية، لا تساعد عدا على إسناده وتعميمه ونشره وتوسيع نطاقه. الثقافة الحزبية السائدة حاليا بالية ومتهالكة، ترتكز على ممارسات شاذة داخل النسق الاقتصادي والاجتماعي، انطلاقاً من عنصر العائلوقراطية والتوريث الحزبي، إذ تعتبر جماعات حزبية أن وصول أفرادها وجماعاتها إلى مراكز القرار، فرصة للاستيلاء على المال العام وتحويله إلى خاص. لا يمكن تصور بداية التقليص من سطوة الفساد و تفكيك منظومته الحزبية، من دون اعتماد إصلاح جذري يطهر المنظومة الحزبية والمجالس المنتخبة من الفاسدات والفاسدين. لأن تعزيز الديمقراطية وبناء مؤسسات قوية وعدالة مستقلة وإعلام مهني حر وبرلمان ممثل تفرزه انتخابات شفافة، لا يمكن إحقاقها دون أحزاب سياسية نظيفة قوية حاضرة شعبيا. لماذا فشلت كل البرامج الوطنية لمكافحة الفساد ؟ > يتحمل البرلمان والأحزاب السياسية مسؤولية كبيرة في ما بات يصطلح عليه: «السيبة الحزبية»، بعد واقعة انتخاب مبديع رئيسا للجنة العدل والتشريع في مجلس النواب بالإجماع. إن هذه الواقعة تبين أن البرلمان المغربي مازال يسيطر عليه تحالف المصالح، وأن محاربة الفساد مجرد شعار لا تدعمه إرادة تشريعية نظيفة، بدليل أن أعضاء الأغلبية والمعارضة كانوا يعرفون أن مبديع مشتبه فيه بشأن تبديد أموال عمومية ومتهم بالفساد حينما انتخبوه. فهذا المعطى السلبي. يؤكد على وجود حماية سياسية، ممنوحة من قبل رؤساء الأحزاب للفاسدين و الفاسدات. بدليل أن الابتزاز الذي مورس، قد أثمر تولي مبديع رئاسة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، وهي التي ستُشرع للمغاربة القانون الجنائي الذي يحدد الإثراء غير المشروع وأدوات مكافحة الفساد. بالله عليكم كيف يعقل هذا؟. إن تحريك الدعوى العمومية في هذا التوقيت بالضبط، يعبر عن الإرادة المستقلة للقضاء المغربي لمواجهة تسونامي الإفساد الحزبي، أكثر مما هي إرادة سياسية للفاعلين الحزبيين، و أن المسؤولية التقصيرية في ذلك، تتحملها جميع الأحزاب التي صوتت على محمد مبديع بالإجماع. سيستمر لدينا أمل في الحكومة الحالية، بما أنها مؤهلة أكثر لمحاربة الفساد، لأنه معروف باستشرائه في أوساط رجال الأعمال و في الإدارات، ويعرف رئيس الحكومة و بعض الشخصيات التي توجد فيها، مكامن الفساد وطبيعة الخطر المحدق بالوطن. في سطور - أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية. - رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية - خبير دستوري ومتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية. - مستشار سابق لدى وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. - حاصل على دكتوراه في القانون الدستوري والعلوم السياسية بمراكش.

إيديولوجيا فساد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

5000 منتخب معرضون للعزل

اغتناء غير مشروع بالصحراء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات