مولاي بوشعيب وعائشة البحرية ...أسطورة الحب 4 عملت على استدراج الجنود البرتغاليين وقتلهم بالليل فصار ينظر لها أنها "جنية" بمجرد أن يتراءى لك بأزمور، ضريح مولاي بوشعيب الرداد وبالجهة المقابلة، ضريح "لالة عائشة البحرية"، تثيرك قصة حبهما الأزلي، التي بدأت في بغداد وانتهت بفاجعة على مصب نهر أم الربيع. قصة تسحر قلوب العشاق، وتكشف أن المرء مهما بلغ درجة الزهد والتصوف لا بد أن يصاب بسهم الهوى يوما، لكن بقراءة نقدية للرواية، تظهر تناقضات في وقائعها وتاريخية أماكنها وأحداثها، لتخرج بخلاصة أنها أسطورة، وأن مؤلفها سحر بقرب الضريحين من بعضهما البعض، فأطلق العنان لخياله لسرد رواية حب، بسبب قوتها وحبكتها، توارثها المغاربة لقرون. مصطفى لطفي تبقى الرواية الأقرب إلى الواقع منطقيا، هي أن لالة عائشة ليست سوى الفارسة والمجاهدة المعروفة في المخيال الشعبي باسم "عيشة قنديشة". فكما تمت الإشارة في الحلقة السابقة إلى وجود تداخل وتناقض في سيرتها، مرة بإظهارها على أنها امرأة صوفية تتحدر من العراق حلت إلى المغرب للقاء حبيبها مولاي بوشعيب الرداد، ومرة بوصف شجاعتها وبسالتها، في أرض المعركة ضد الاحتلال البرتغالي، رغم الفرق الزمني الكبير بين الفترة الأولى والثانية. التأكيد على أن لالة عائشة البحرية هي "عيشة قنديشة"، مبني على معطيات تاريخية، فالبرتغاليون، في أرشيفهم، يتحدثون عن شجاعة امرأة مغربية، إلى درجة سببت لهم الرعب، إذ كانت تقوم بعمليات اغتيال ضد جنودهم بطرق احترافية، لتلقب بـ"عيشة الكونتيسة"، أي النبيلة، ويحرف الاسم مع مرور الزمن إلى "قنديشة". سبب ثورة "عيشة قنديشة" على البرتغاليين يعود إلى تورطهم في مذابح كبيرة في حق قاطني منطقة عبدة ودكالة وقتها، ومن بين الضحايا جميع أفراد عائلتها، كما عمل البرتغاليون على سبي نساء المنطقة واستعباد رجالها وشبابها، مستغلين ضعف الدولة المركزية وقتها، ويتعلق الأمر بالدولة الوطاسية، حيث كانت على شفا الانهيار بعد ظهور الدولة السعدية. قررت "عيشة قنديشة" الانتقام لكن بطريقة غير مسبوقة، حيث عملت على استدراج الجنود البرتغاليين وقتلهم بالليل، فصار ينظر لها مع مرور السنين والقرون أنها "جنية". شجاعة "عيشة قنديشة" دفعت قبائل دكالة وعبدة إلى التوحد لمواجهة الاستعمار البرتغالي ومقاومته بشراسة كبيرة، إلى أن سيطر السعديون على السلطة، ونجحوا في استعادة المناطق المحتلة، أبرزها "مازاغان" والتي تعرف اليوم بمدينة الجديدة. تكشف رواية، أنه بعد وفاة "عيشة قنديشة" وبحكم مكانتها بين قبائل دكالة وعبدة وشهامتها وفروسيتها ضد البرتغاليين، تقرر دفنها بجوار نهر أم الربيع وعلى الضفة المقابلة للولي الصالح مولاي بوشعيب الرداد، وتم وضع بناء على قبرها تكريما لها، إذ اعتبرت والية من أولياء الله الصالحين. وبحكم علاقة الجوار الجديدة، والتي زادت في قدسية المكان، تم تأليف قصة حب وهمية تجمعها بمولاي بوشعيب، لتتحول "عيشة قنديشة" الدكالية المقاومة، إلى امرأة عراقية من أسرة شيعية، لإضفاء نوع من التشويق والقدسية على الرواية، التي مع مرور السنين ستشهد إضافات واقتباسات، حتى تحولت إلى مسلمة لا يجوز الطعن فيها.