مولاي بوشعيب وعائشة البحرية ...أسطورة الحب 2 سيرة الولي الصالح تضع رواية العشق التي جمعته بعائشة موضع شك بمجرد أن يتراءى لك بأزمور، ضريح مولاي بوشعيب الرداد وبالجهة المقابلة، ضريح "لالة عائشة البحرية"، تثيرك قصة حبهما الأزلي، التي بدأت في بغداد وانتهت بفاجعة على مصب نهر أم الربيع. قصة تسحر قلوب العشاق، وتكشف أن المرء مهما بلغ درجة الزهد والتصوف لا بد أن يصاب بسهم الهوى يوما، لكن بقراءة نقدية للرواية، تظهر تناقضات في وقائعها وتاريخية أماكنها وأحداثها، لتخرج بخلاصة أنها أسطورة، وأن مؤلفها سحر بقرب الضريحين من بعضهما البعض، فأطلق العنان لخياله لسرد رواية حب، بسبب قوتها وحبكتها، توارثها المغاربة لقرون. مصطفى لطفي إإلى جانب وجود روايتين متناقضتين حول قصة الحب التي جمعت الولي الصالح مولاي بوشعيب الرداد ولالة عائشة البحرية، تزيد سيرة الولي الصالح في تفنيدهما بشكل قاطع، وتكشف أنهما ألفتا بعد وفاته بقرون، بحكم أن هناك رواية أخرى تؤكد إن عائشة البحرية، دفنت بجانب نهر آم الربيع في القرن 15 الميلادي، في حين عاش مولاي بوشعيب في القرن العاشر الميلادي، أي بينهما فرق خمسة قرون، وهي نقط سيتم التطرق لها بالتفصيل في حلقة مستقلة. بالعودة إلى سيرة الولي الصالح، يتضح أنه عاصر دولتين عظيمتين، إذ عاش في عهد الدولة المرابطية إلى حين سقوط عاصمتها مراكش، وقضى سنوات طويلة في عهد الدولة الموحدية. ونجح مولاي بوشعيب الرداد في فرض مكانته في الدولة الجديدة وربط صداقات وطيدة مع سلاطينها، على نقيض علماء آخرين أجلاء، على رأسهم القاضي عياض، الذي قتل بأمر من المهدي بنتومرت، مؤسس الدولة الموحدية بسبب خلاف عقدي ومذهبي. كما تتحدث سيرة مولاي بوشعيب الرداد بالتفصيل الممل، عن رحلته في طلب العلم، التي بدأها بالسفر إلى فاس، وبالضبط بجامعة القرويين، ومن ثم واصل مساره العلمي بالانتقال إلى الأندلس، حيث تعلم على يد كبار علمائها وقتها بإشبيلية وقرطبة، وبعد سنوات عاد مولاي بوشعيب إلى أزمور، حيث بدأ معلما للقرآن، قبل أن يؤسس زاويته ويزداد عدد مريديه وأتباعه. الملاحظ في هذه السيرة، أنها لم تتطرق لأي إشارة حول زيارته للعراق لطلب العلم، كما جاء في قصة تعارفه مع لالة عائشة، بل إن حتى بعض الروايات تحصر زيارته في مصر ومكة للحج، ثم العودة للمغرب، ما يرجح أن قصة الحب المقدسة من وحي خيال أتباعه، ومن أجل إضفاء حالة من القداسة عليها، تم اختلاق فكرة أن مسقط رأس لالة عائشة العراق، وما زاد في جمال القصة، أن العراق وقتها كان يعد من أبعد البلدان عن المغرب، إذ أن السفر إليه يتطلب رحلة صعبة، تمتد لأشهر عديدة، فتم استغلال هذا المعطى، بإتقان في الرواية للكشف عما واجهه مولاي بوشعيب من أجل تحصيل العلم، وفي الوقت نفسه الكشف عن مدى تعلق لالة عائشة به، إلى درجة أنها قررت المغامرة بالسفر صوب المغرب للقاء حبيبها. إذن، تضع سيرة الولي الصالح، رواية العشق التي جمعته بعائشة موضع شك، بل نسفتها من جميع أسسها، فإن كانت الرواية تؤكد أن لالة عائشة عراقية، بل وشيعية، فإنها لم تجب كيف كان اللقاء في العراق، ما دام أن رحلات مولاي بوشعيب في طلب العلم كانت محصورة بين فاس والأندلس.